| الاقتصادية
يحصل الإنسان منذ القدم على الغذاء من الإنتاج النباتي والحيواني وصيد الأسماك، فقد ظهرت حرف الزراعة والرعي والصيد والتجارة واستخدمت وسائل بدائية وبسيطة تطورت كثيراً بظهور التقنيات الحديثة والأساليب العلمية المتطورة، وعلى قدر اهتمامات الدول وإمكاناتها وقدراتها على النمو والتطوير والأخذ بالتقنيات والوسائل العلمية يكون معدل نجاحها في النهوض بالقطاع الزراعي الذي يعد المصدر الرئيسي للغذاء.
فهناك دول قد نجحت بالفعل ووصلت لحد الاكتفاء الذاتي، بل وصل بعضها إلى حد الفائض في بعض المنتجات. في حين نجد دولاً أخرى قد تضطر للاستيراد لتجنب مخاطر نقص الغذاء الذي قد يؤدي لعجز في ميزانيتها وتراكم الديون. هذا بخلاف الدول التي تظهر فيها كوارث المجاعة نتيجة للجفاف أو الحروب والصراعات أو الجهل والتخلف.
وتعد المملكة العربية السعودية من الدول التي تمكنت من تحقيق الأمن الغذائي. فقد اهتمت حكومتنا الرشيدة منذ تأسيسها بتنمية القطاع الزراعي وزاد الاهتمام كثيراً مع الخطط التنموية حيث أنشأت العديد من المشروعات الزراعية والصناعات الغذائية التي نمت وترعرت ووصلت أوجها في عهد خادم الحرمين الشريفين. هذا بجانب ما يقوم به رجال الأعمال من استيراد كل ما تتطلبه المملكة من منتجات غذائية أيسر كثيراً على كل من يتواجد على أرض الوطن من الحصول على احتياجاته المتنوعة من الطعام والشراب.
لقد دفعت الطموحات الدارسين والباحثين في المجال الزراعي وصناعة الغذاء للتطلع نحو تحقيق الأمن الغذائي خاصة بعد الانفجارات السكانية في كثير من دول العالم. ومع أن معظم الدراسات والتجارب قد كان لها مردود ايجابي في زيادة وتحسين معدلات الإنتاج النباتي والحيواني وظهور العديد من المنتجات الغذائية المصنعة إلا أنها في الغالب لا تخلو من انعكاسات سلبية خطيرة نتيجة الاستخدام المفرط لهذه الأساليب المتنوعة في انتاج الغذاء مما دفع منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية لإصدار التعليمات والتحذيرات من الحد من الإضافات المفرطة للمواد الكيميائية أو الحيوية وايجاد بدائل أخرى أقل خطورة على صحة المستهلك إلا أن الشركات العالمية للغذاء تنتج وتصنع بكافة السبل التي تجلب لها الكسب السريع من وراء تسويقها باغراء وجذب المستهلك كخفض للإسعار وترويج المسابقات والجوائز وحملات الدعاية والإعلان بالرغم من أن معظمها يحمل في طياتها أضراراً على الصحة وبات الإنسان لا يجد الأمان الغذائي وذلك نتيجة لإضافات المواد الكيميائية والحيوية واستخدام الوسائل الاشعاعية وتقنية الجينات الوراثية التي سرعان ما يتسبب عنها أضرار صحية بعد عدة سنوات قد تقصر أو تطول حسب خطورة المواد المستخدمة ومعدلات الإضافة ومعدل استهلاك الإنسان منها، فعلى سبيل المثال طالعتنا وسائل الإعلام عن وجود بعض المنتجات الغذائية تحوي مواد كيميائية يتسبب عنها أمراض سرطانية في جسم الإنسان كزيت الزيتون الإسباني وصلصة الصويا المنتجة في الصين وهونج كونج وتايلاند وزبدة الفول السوداني المنتجة في بريطانيا ومن قبل التونا التايلاندية مما اضطرت المملكة لسحب مثل هذه المنتجات من الأسواق حماية لصحة وسلامة المواطن والمقيم. وهناك خطورة أخرى ناجمة عن اضافات الأصباغ والمواد الملونة الصناعية لتضفي جاذبية أكثر للأطعمة والمشروبات التي تتعمد كثير من الشركات استخدامها من أجل سرعة تسويقها إلا أنه قد ثبت ظهور أضرار تلحق بالأطفال بعد عدة سنوات من تناول هذه الأغذية وهذا ما أوضحته دراسة بحثية نشرت في مجلة النبات الصادرة في ذو القعدة 1418ه ناهيك عن أضرار المواد الكيميائية الأخرى المضافة كمواد حافظة ومضادات للأكسدة ونكهات ونحو ذلك والتي ذكرت مجلة المستهلك عام 1419ه عن تقرير صادر من بريطانيا عن المخاطر الناجمة عن الإضافات الكيمائية للغذاء والتي تؤدي إلى ظهور الحساسية والنشاط الزائد لدى الأطفال وقد يرى البعض بأن هذه المواد الكيميائية يضاف بنسب مسموح باستخدامها إلا أنه اضافة أكثر من مادة كيمائية للمنتج الواحد تعد في مجملها معدلات خطرة على الصحة خاصة لمن يتناولها بكثرة وحتى الخضر والفاكهة الطازجة لم تسلم من التلوث الكيميائي الناجم عن الاستخدام المفرط والخاطىء للمخصبات والمبيدات الكيميائية مما يتم عنها انعكاسات سلبية على صحة الإنسان الذي يتناول مثل هذه الأطعمة الطازجة وهذا ما أوضحته مجلة اليمامة الصادرة في ذو القعدة 1415ه.
وأكثر من ذلك فإن بعض المنتجين قد يعمدوا لاستخدام المضادات الحيوية والهرمونات في مزارع الدواجن وتربية الماشية من بقر وإبل وأغنام من أجل التسمين السريع أو زيادة معدل إدرار الحليب ونحو ذلك من الوسائل التي تتيح الكسب السريع رغم تحذيرات العلماء والباحثين وضرورة الحد من استخدام مثل هذه المواد الخطرة التي انتشرت كثيراً في مزارع تربية الحيوان والدواجن في الأونة الأخيرة وهذا ما نشرته مجلة العلوم والتقنية الصادرة في شوال 1421ه من خلال تجربة بحثية أجرتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في الفترة من 1413 1416ه وأظهرت النتائج أن التركيز المتبقي من المضادات الحيوية والهرمونات في لحوم الأغنام والدواجن والبيض يفوق الحد الأقصى للتركيز المسموح به ولا يفقد بالطهي مما يتسبب عنه أخطاراً صحية لمن يتناول الأطعمة المخمرة من مثل هذه اللحوم أو البيض.
وننتقل إلى أضرار أخرى جاءت في المجلة الزراعية الصادرة في رجب 1417ه عن استخدام بعض المنتجين لأعلاف مخلوطة بمركزات علفية حيوانية مجففة محضرة من مساحيق العظام والأحشاء والدم المجفف ومخروقات الجثث الميتة مما كانت سبباً في ظهور مرض جنون الأبقار الذي ينتقل للإنسان إذا تناول لحوم مثل هذه الأبقار المصابة، هذا وهناك مرض آخر يعرف بالحمى القلاعية قد ظهر في بعض الدول الأوروبية وقد كلف بريطانيا نحو ثلاثة مليارات جنيه استرليني لإعدام أكثر من 6.3 ملايين رأس من المواشي كما ذكرت صحيفة «الجزيرة» الصادرة في 16 من جمادى الأولى 1422ه. وكما أوضحت مجلة الشرق الصادرة في ربيع الأول 1422ه بأن جثث الحيوانات الميتة التي تحرق وتسحق وتخلط مع الأعلاف كانت سبباً في ظهور مرض جنون الطيور في أوروبا والحمى القلاعية ومن قبل مرض جنون الأبقار.
وحديثاً تمكن الباحثون من ظهور تقنية جديدة تعتمد على تحويرات وتعديلات في الجينات الوراثية لتضفي خصائص مميزة وتحسينات في المنتج الغذائي نباتياً أو حيوانياً أو مصنعاً فقد نشرت مجلة القافلة الصادرة في رمضان 1420ه بأنه يمكن انتاج البنجر السكري الذي يحتوي على الفركتان بدلاً من السكروز لاحتواء الفركتان على سعرات حرارية أقل. كما يمكن بتقنية الجينات الوراثية انتاج البن الخالي من الكافيين أو الحصول على ثمار عديمة البذور أو خفض نسبة الأحماض المشبعة في البذور الزيتية. كما يمكن اكثار الجين المسؤول عن إدرار الحليب في الهرمون الطبيعي لحقن الأبقار الحلوبة بها كي يزيد معدل انتاج الحليب من 1025% وأكثر من ذلك فإنه عند استنساخ الأبقار يمكن تعديل الجينات في نوى الخلايا لاختيار الصفات المرغوبة كتحديد الجنس قبل زراعتها في الحيوان.
وفي مجال الصناعات الغذائية يمكن تصنيع الأجبان على نطاق واسع دون استخدام أنفحة العجول وذلك عن طريق استخدام الكيموسين المحضر وراثياً، وما هذه إلا أمثلة لما يقوم به العلماء والباحثون العاملون في مجال الهندسة الوراثية التي اقتحمت كثيراً مجال إنتاج الغذاء إلا أنه مع تلك الميزات والتفاضلات توجد معارض لاستخدام مثل هذه التقنية فقد ذكرت صحيفة الرياض الصادرة في 10 جمادى الأولى 1422ه بأن الأغذية المعدلة وراثياً تنطوي على اخطار لا يمكن التكهن بآثارها في المستقبل من حيث الإضرار بالبيئة وبالسلاسل الغذائية الطبيعية وبالتالي على نمو وصحة الإنسان. ليس هذا فحسب، بل إن علماء الهندسة الوراثية يحذرون من استخدام مثل هذه التقنية على نطاق واسع فقد جاء في جريدة «الجزيرة» الصادرة في 21 رجب 1422ه أن تقنية الجينات الوراثية ستنقل للمستهلك أمراضاً خطيرة كالفشل الكلوي وأمراض الكبد وأنواع السرطانات. هذا بخلاف تقلص الحيوانات المنوية وتهديد خصوبة الرجال وتشوه الجهاز التناسلي لديهم مما يوجب وضع ضوابط محددة والتحذير من الإفراط في هذه التقنية التي تعد أكثر خطورة. وإلى تقنية الإشعاع كبديل للمواد الكيمائية من أجل حفظ ومعالجة الحبوب والتمور من الاصابات ومنع تزريع البطاطس والبصل والثوم واطالة فترة اللحوم المبردة والقضاء على الميكروبات الممرضة حيث أجمعت الدراسات البحثية من عدة جهات سلامة استخدام هذه التقنية والتي جاءت في صحيفة «الجزيرة» الصادرة في 17 جمادى الأولى 1422ه وتحث على استخدام الاشعاعات لحفظ المواد الغذائية، إلا أننا لا ندري ماذا وراء هذه التقنية من أخطار الاشعاع وأضرارها الصحية على جسم الإنسان.
وهكذا تعددت وتنوعت التقنيات المستخدمة في انتاج وتجهيز الأطعمة والمشروبات وانتشرت كثيراً في هذا العصر ولا نعلم عن مخاطرها وأضرارها على صحة وسلامة المستهلك ألا بعد ظهور التحذيرات وتعدد المقالات تحت مسميات عدة ما بين التلوث أو التسمم أو الغش أو العبث الغذائي. وهذا يوضح لنا ان الإنسان بات مهدداً بمثل هذه الأغذية التي تتنوع أخطارها حسب نوع التقنيات التي أشير إليها فأين يجد الإنسان الأمان الغذائي وسط هذه الزحامات من الوسائل المتبعة في انتاج وتصنيع الغذاء وتزيد الأخطار عندما يعمد بعض المنتجين لتجهيز الأطعمة بخلطها ومزجها مع أطعمة محرمة وهذا ما أوضحته مجلة الاقتصاد الإسلامي الصادرة في شعان 1413ه والتي تحذر المجتمعات الإسلامية من استيراد الأغذية المنتجة من دول لا تبالي بالشريعة الإسلامية من ذبح أو خلط بلحوم مصابة أو ميتة أو لحم خنزير وهو ما قد لاحظه الكثير من عمليات الغش الغذائي أو العبث الغذائي عند تجهيز اللحوم المفرومة والبيرجر والنقانق والمعلبات من بقايا وفضلات الذبائح والأحشاء والدهون والدم ليقدم كغذاء يتناوله الإنسان ولا يدري حجم الأخطار التي ينتظرها المستهلك إذا تناول مثل هذه الأطعمة وداوم عليها. زيادة على ذلك فهناك بحث غذائي قد نشر في مجلة الفيصل الصادرة في ربيع الأول 1421ه تحت عنوان الحشرات هل تصلح مصدراً غذائياً حيث صدر فيها بأن الغذاء يمكن انتاجه من بعض الكائنات غير المألوفة فقد تم صنع البليلة المغلفة بيرقات الطلاميات وأيضاً تم صنع معجنات الشيكولاته من حشرة الجداجد، أو طهي ديدان الطحين والعصويات مع حشرة الجداجد ويدعى أن طعمها مثل طعم شريحة عجل مطلية بالقشرة تعرف بالاسكالوب أو أن مذاق بعض النفقات تشبه عجة البطاطا كما أن حشرة الجعل المقدس الذي طعم فطيرات السمك فلا تعجب أيها القارىء فنحن في عصر عولمة الغذاء الذي أباح كل وسائل الكسب السريع رغم فداحة الخسائر التي يقدمها المستهلك فبدلاً من تناوله الاسكالوب يتناول ديدان الطحين والعصويات مطهية مع حشرة الجداجد ونحو ذلك من العبث الغذائي الذي يقدم للمستهلك ويتعرض للأخطار الصحية فما كنا نسمع من قبل عن كل هذه الأمراض المستعصية التي انتشرت كثيراً في هذا العصر ألا بعد ازدياد العبث في انتاج الغذاء. وإن كان الإنسان في محاولاته لتحقيق الأمن الغذائي فإنه في نفس الوقت يكون بهذه الوسائل المتنوعة لا يحقق الأمان الغذائي. وهذا ما يدعو بمناسبة يوم الغذاء العالمي أن نبذل قصارى جهدنا لإنتاج الغذاء محلياً وبأيد وطنية وذلك بأنماط المزيد من المشروعات الوطنية المتخصصة لإنتاج الغذاء زراعة وصناعة حرصاً على صحة وسلامة المواطنين من أخطار الأغذية المستوردة مثل هذه الوسائل المشار إليها من هنا ينبغي علينا أن لا ننجذب وراء مغريات السلع من خفض أسعار وحملات الدعاية والإعلان التي تجرى من أجل الترويج والتسويق، بل ينبغي علينا الإقبال على كل منتج وطني مهما ارتفعت أسعاره سلامة على صحتنا من هذا العبث والغش والتسمم والتلوث الذي لا تهدف من ورائه الشركات العالمية سوى الكسب السريع. كما ينبغي على رجال الأعمال على تنمية وتطوير المشروعات الزراعية والصناعات الغذائية وأن يتوخى المستوردون الحذر عند استيراد ما نحتاج إليه من غذاء، كما يمكن أيضاً استيراد الخامات المستخدمة لصنع الغذاء محلياً بدلاً من استيراد المنتج الغذائي على أن تكون هذه الخامات مطابقة للمواصفات السعودية فعلى سبيل المثال بدلاً من استيراد البيرجر والنقانق ومعلبات اللحوم يمكن أن تأتي بالذبائح كاملة من الخارج بعد التأكد من سلامة هذه الحيوانات وخلوها من الأمراض وذبحها شرعياً تحت وجود مشرفين كي تقوم بتجهيزها وتصنيعها وتعليبها شركات وطنية تلبي احتياجات المواطنين وبالمثل يكون الحال لسائر المنتجات الغذائية الأخرى كي نصل إلى الإمان الغذائي بجانب ما توصلت إليه المملكة من تحقيق الأمن الغذائي بدلاً من المخاوف التي تفاجئنا به وسائل الإعلام بين فترة وأخرى من ظهور حالات التسمم أو أمراض خطيرة والتحذيرات والنهي عن شراء بعض السلع وسحب بعض المنتجات المستوردة من الأسواق كالتي سبق الإشارة إليها. فالمنتج الوطني يقى المستهلك من أيه مخاوف أو أضرار قد تلحق به فضلاً عن هذا فإن إقامة المشروعات الوطنية من شركات زراعية تعد من وسائل اتاحة المزيد من فرص العمل للمواطنين كما أنها تعد أداة تحريك ودفع لمؤسسات وشركات تجارية وصناعية وزراعية ذات العلاقة مما تعمل على تنمية القطاع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل القومي. كما أن كل هذه المشروعات ستضمن للمستهلك سلامة المنتج الغذائي من أية أخطار فالصحة مطلب أساسي ينبغي الحفاظ عليه وبهذا يمكن تحقيق الأمن والأمان الغذائي.
عضو مجلس الشورى
رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالقصيم
|
|
|
|
|