| الثقافية
انقسم العشرات من الكتاب والباحثين حول شخصية «لورنس العرب»، بين من يراه جاسوسا ذكيا اندس بين العرب لأغراض استعمارية، ومن اعتبره اسطورة انجليزية، وبين هؤلاء واولئك، وقف فريق ثالث يحاول التوفيق بين الرأيين لقد حازت شخصية لورنس على تألق فريد نتيجة لثورة الجدل التي قامت حوله ولا تزال، وعلى حجم مشاركته وأهميتها في ثورة العرب الكبرى والتي فجرها الهاشميون أثناء الحرب العالمية الاولى. ان الذين تناولوا شخصية «لورنس» من الغربيين اعتبروه اسطورة، وأوصلوه الى الذرى، حتى وقف مع «نابليون» و«تشرشل» و«برناردشو» و«فولتير» و«روسو» وغيرهم، كما اعتبروه ثروة قومية ينتمي الى أمة غربية قام بالقضاء على الخلافة الاسلامية، وقسم المنطقة العربية، وقدمها هدية للغرب.
اما الشرقيون الذين كتبوا عنه فقد حملوا في أذهانهم صورة المستعمر والجاسوس البريطاني ومقسم الأمة ومحطم دولة الخلافة الاسلامية وفاتح الشرق امام المستعمرين البريطانيين والفرنسيين، فهو صورة من صور المستعمر، وان كان قد قدم نفسه بذكاء ودهاء الى ان وصل الى صانعي القرار.
وهناك صورة رسمها لورنس لنفسه من خلال ما كتبه في مذكراته وكتبه والوثائق التي أفرجت عنها وزارة الخارجية البريطانية. لقد رحل لورنس عن العالم منذ اكثر من ستين عاما، وانتهى العصر الاستعماري في المنطقة العربية، وتشكلت الممالك والجمهوريات والحكومات المستقلة في الأماكن التي امضى فيها فترة من حياته، كما انحسرت صورة بريطانيا العظمى وأصبحت دولة تعيش في حدودها المكانية، بعد ان كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وانتهت الحرب الأولى والحرب الثانية، كما انتهت الحرب الباردة، وتحطم جداربرلين، واصبحت تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي. لذلك فقد انتهت المؤثرات التي يمكن ان تقف في وجه الباحث في شخصية لورنس بموضوعية وحيادية، كما غابت معظم الملابسات والظروف المعقدة التي أحاطت بشخصيته.
هذا الكتاب يتناول شخصية لورنس من زوايا مختلفة، عبر أربعة فصول رئيسية: اهتم الفصل الاول بعرض تمهيدي لطرفي هذه الدراسة، الطرف الاول: يتناول حياة لورنس قبل الثورة ابتداء من ميلاده ونشأته وبداية عمله في الشرق الأوسط كسائح ومنقب عن الآثار، ثم بداية عمله في القوات المسلحة البريطانية، وانخراطه بالعمل فيها ونشاطاته المختلفة، وبعده عمله في المكتب العربي في القاهرة، اما الطرف الثاني فقد خصصه المؤلف للبحث عن اسباب الثورة العربية واستعراض القضايا العربية الملحة في مطلع القرن العشرين.
الفصل الثاني من الكتاب تناول المساعي التي بذلها لورنس مع العرب ابتداء من تسلمه لمهام عمله كضابط ارتباط، كان غرضه الاساسي الوقوف مع حاجات القوات العربية المحاربة، تمهيدا لتزويدها بحاجاتها من المؤن والسلاح، ثم مرورا بمهامه الاخرى في تدريب العرب على استخادم المتفجرات ونسف الجسور الحديدية والقطارات المعادية، ثم مساهماته في تنظيم قوات الامير فيصل بن الحسين ومشاركته ببعض المعارك التي خاضها العرب بالتنسيق مع الجنرال (اللنبي allenby) قائد قوات الحلفاء في فلسطين، كما تناول الفصل عرضا لمؤتمر «فرساي» في باريس عام 1919م حيث ظهر لورنس شخصية مؤثرة في مجريات المؤتمر، لانتزاع شيء للعرب في صراع محموم لاقتسام مناطق النفوذ في الشرق، كما يبرز الفصل الدور التاريخي للورنس في مؤتمر الصلح وما اعقبه من اجتماعات تمت بين الشريف حسين وكل من بريطانيا وفرنسا، حيث كان لورنس فيها منسقا ومفاوضا ومترجما.
اما الفصل الثالث فتناول خمسة عشر عاما من حياة لورنس القصيرة، ابتداء من نهاية مؤتمر «فرساي» حتى وفاته عام 1935م، وقد تألف هذا الفصل من قسمين: القسم الاول، استعرض فيه المؤلف حياة لورنس بعد المؤتمر مباشرة ثم مفاوضاته مع الهاشميين، ثم دخوله ثانية في الجيش البريطاني، وانفرد القسم الثاني من الفصل لمتابعة احلام لورنس وتحسسها، وما كان يتمناه اثناء حياته لنفسه وللآخرين وما تحقق من تمنياته وما لم يتحقق، وحجم انجازاته لبلاده وللآخرين. وجاء الفصل الرابع والاخير من هذه الدراسة ليبحث في شخصية لورنس وطبيعة عمله وآراء الغربيين والشرقيين في هذه الشخصية الغريبة وتحليل فكر لورنس ومواقفه من قضايا العرب، ورأيه في حريتهم واستقلالهم كما تناول الفصل البعد الانساني والتنويري في شخصيته، كما استعرض الفصل آراء اصدقاء لورنس ومريديه، ومن ذموه من المفكرين والكتاب والزعماء والقادة والمحاربين، وكان لهم رأي فيه وفي اعماله وآثاره وافكاره، سواء كانوا مسلمين ام يهوداً او مسيحيين وهذا التنوع كما يقول المؤلف ساعد في تكوين فكرة اكثر توازنا وموضوعية عن شخصية لورنس.
هذه الدراسة المنهجية عن لورنس العرب، تقدم بها المؤلف الى معهد الآداب الشرقية ببيروت، لنيل درجة الماجستير في التاريخ.
|
|
|
|
|