أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 22nd October,2001 العدد:10616الطبعةالاولـي الأثنين 6 ,شعبان 1422

مقـالات

دوحتنا.. والصفُّ الواحد
د. عبدالرحمن صالح العشماوي
دوحةٌ كبيرةٌ ممتدَّة الأغصان، وارفة الظلال، راسخة الجذور، تسقيها أنهارٌ صافيةٌ لا ينضب ماؤها، وتغسلها سحبٌ لا تنقطع ديمتها الهامية، ولا يغيب عن أجواء تلك الدوحة رذاذها الجميل..
دوحةٌ أغصانها الخضراء لا تذبل، وينابيعها لا تنضب، ونسيمها الجميل لا يتوقف عن بث نسماته المنعشة في كل مكان.
دوحةٌ خضراء يستظل بظلِّها القريب والبعيد، ويجد الخائف تحت ظلالها الوارفة ما يمنحه الأمن والراحة والهدوء.
دوحةٌ نقش على جذعها الأخضر الكبير اسم «المملكة العربية السعودية» بلاد الحرم المكي الشريف والمسجد النبوي الكريم، بلاد الكعبة المشرفة والمسعى والمطاف وبئر زمزم ومقام إبراهيم وغار حراء وغار ثور، بلاد عرفة ومزدلفة ومنى، بلاد طيبة الطيبة وجبل أحد الذي يحب رسولنا عليه الصلاة والسلام كما أحبَّه، بلاد بدر وأحد، والخندق وخيبر والفتح، بلاد التاريخ العريق، والقيم الراسخة، بلاد إبراهيم وإسماعيل وهاجر ومحمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام.
دوحةٌ عظيمة مرَّت بها أحداث الزمان ووقائعه الكبرى والصغرى وذهبت أجيال وجاءت أجيال، وقامت أمم وزالت أمم ودوحتنا العظيمة كما هي صامدةٌ ثابتة لأنها موصولة بالسماء ولأن ملايين المسلمين يظُّلون متجهين إليها كلَّ يوم خمس مرَّات في صلواتهم على كل الحالات في السلم والحرب، في الفقر والغنى، وذلك ما لا يملكه موقع آخر على وجه الأرض..
دوحةٌ عظيمة وحَّدها الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله بعون الله وتوفيقه وإرادته، وجمع شتاتها ولملم أطرافها ووحَّد بقاعها ورفع لها راية تحمل كلمة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
ومضت هذه الدوحة العظيمة في ظلّ هذه الراية الكريمة، وفي أجواء من الأمن والإيمان والاستقرار، مضت في خضرتها ونمائها، ورسوخ جذورها تتغنى أطيارها بذكر الله، وينطق حفيف أغصانها بعظمة الإسلام الذي يحقق للناس العدل والأمن والاستقرار.
تكوَّن صفٌ واحدٌ تحت ظلال هذه الدَّوحة، صفٌ ينطلق من أرضيَّةٍ واحدة راسخة ألا وهي أرضيَّة عقيدة الإسلام الثابتة التي تحمل كلَّ خيرٍ وصلاحٍ للبشرية جمعاء.
صفٌ واحدٌ يلتحم فيه الحاكم بالمحكوم، وتلتقي فيه القبائل المتعددة المختلفة على طريق واحد مستقيم: إنه طريق الإسلام العظيم الذي به تتحد الصفوف، وبه تصفو النفوس، وتمتد حبال المودة والإخاء بين القلوب.
صفٌّ واحد، يلتحم فيه الناس جميعاً بعلمائهم وحكامهم وأصحاب الرأي والدراية التحاماً واعياً يتحقق به الأمن والاستقرار من جانب، ويقف سدَّاً منيعاً في وجه المغرضين والحاسدين لهذه الدوحة من جانبٍ آخر.
صفٌ واحدٌ يواجه أحداث العالم برؤية إسلامية صافية، وحكمة في مواجهة الأحداث واعية، تبرز لنا بصورة جليَّة كلَّما أصابت العالم رزية من الرزايا، أو مصيبة من المصائب، أو زلزل كيانه حدث من الأحداث هذا الصفُّ الواحد، في ظل هذه الدوحة الكريمة يحتاج منا إلى عناية فائقة بالتئامه وتضامنه، ودراية كبيرة بتواصله وتلاحمه.
لا نبتعد عن الحقيقة إنْ قلنا : إنَّ أعداء الحقِّ والخير والإيمان أصبحوا يرمون هذه الدوحة عن قوسٍ واحدة عَبْر محافلهم ووسائل إعلامهم التي استمرأت أساليب التشكيك وبلبلة الأذهان، وإثارة الحزازات، واختلاق الأقاويل المنسوبة إلى بعض علماء المسلمين وأصحاب الرأي فيهم زوراً وبهتاناً.
إنَّ دوحتنا الكبيرة هي التي توفِّر للمستظلين بظلِّها راحة البال وسلامة التفكير، وهدوء النفس، والبعد عن الانسياق وراء نواعق وكالات الأنباء العالمية، والإدراك الواعي لحقيقة أمواج الأحداث التي يصطخب بها بحر هذا العصر العجيب.
نعم مكائد الأعداء لا تتوقف، وهي تزداد في ظل هذه الأحداث التي يعيشها العالم، فإذا لم نتنبَّه نحن أبناء هذه البلاد الطاهرة إلى تلك المكائد، فلربما نكون حينها السبب في إتاحة الفرصة لأعداء الإسلام والمسلمين للوصول إلى أهداف كيدهم ومكرهم.
هنا أيها الأحبة يجب علينا جميعاً أن نكون أكبر وعياً بما يجري، وأقدر في ضوء شريعتنا على تحديد معالم الخطأ والصواب، والحق والباطل في كل ما يجري من أحداثٍ في العالم هذه الأيام.
كما يجب أن نكون على قدر كبير من ضبط النفس، وعدم الانسياق العاطفي وراء كلِّ ما نسمعه من الآراء والأفكار التي تطرح في هذا الوقت، خاصة وأنها تُطرح عَبْر وسائل إعلامية مختلفة يقوم معظمها على التهويل والتضخيم من جانب، والرغبة في تسجيلِ سَبْقٍ إعلامي من جانب آخر.
عُقِد مؤتمرٌ تنصيريٌّ عام 1911م في «أدنبرة» وقيل فيه كلامٌ كثير ولكنَّ من أبرز ما قاله المنصِّر «تيسدال» العبارات التالية:
«لن نستطيع أن نقتحم عقول المسلمين وقلوبهم إلا إذا استطعنا تحطيم صخرة الإسلام القوية في الجزيرة العربية وبلاد الأفغان».
وهذا ما يؤكد ضرورة الحرص على كيان الصفِّ الواحد في دوحتنا الغالية.
إنَّ مظهر الحكمة والدراية والوضوح والقوة التي يواجه بها أبناء هذه البلاد المباركة الأحداث التي تجري في العالم ليؤكد لكل منصفٍ على وجه الأرض أهمية العناية بمواقفنا والاستنارة بآرائنا المنبثقة من منهج ديننا الإسلامي في مواجهة ما يجري من الأحداث، وما يجدُّ من الوقائع والنوازل.
لقد تحدث خادم الحرمين الشريفين ووليُّ عهده، والنائب الثاني، ووزير الداخلية، وبعض العلماء والمفكرين وعامة الناس بكلامٍ ينبثق من رؤية إسلامية لا غبش فيها، فالكلُّ يرفض التخريب والإرهاب والترويع للآمنين والأبرياء في أيِّ مكان من الأرض قريباً كان أم بعيداً، والكلُّ يقف موقف المناصر للحق المنافح عنه، ويبذل من نفسه وماله ما يسدُّ حاجة المحتاجين، وينفِّس كرْب المكروبين من اللاجئين الذين شرَّدتهم الحروب وأجبرهم الدَّمار على ترك بيوتهم وبلادهم هرباً بأطفالهم ونسائهم وأنفسهم.
إنَّ حملة التبرُّعات التي تمت يوم الخميس الماضي 2/8/1422ه من خلال التلفاز السعودي لشاهد قويٌّ على حبِّ أبناء هذه الدوحة الخضراء للخير وسعيهم إليه وحرصهم على القيام بواجبهم تجاه دينهم وإخوتهم في العقيدة وتجاه كل إنسان ضعيف محتاج إلى العون، إنها حملةٌ تذكِّرنا بحملات سابقة تمت لدعم المسلمين في فلسطين، والبوسنة والهرسك والشيشان، وكوسوفا والصومال وغيرها من البلاد التي اجتاحتها جوائح الحرب والتشرد والجوع والمرض.
إنها حملات تبرُّعٍ ذات دلالة خاصة تؤكد ما أشرت إليه من تلاحُم الصفِّ الواحد في هذه البلاد الطيبة الطاهرة، وقد رأينا كيف أعطت حملة التبرعات الأخيرة صورةً مضيئة لهذا الصف الواحد، فقد تبرع ولاة الأمر، وكبار المسؤولين، والعلماء والمشايخ، ورجال الأعمال والموظفون وعامة الناس رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً وشارك في هذه التبرعات المقيمون من أبناء المسلمين على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، فما أجمل ذلك وما أعظمه.
نحن والإعلام:
ما تزال دوحتنا العزيزة تواجه ما يمكن أن نسمِّيه حرباً إعلامية من أعداء الإسلام الذين ينفثون سموم آرائهم وأفكارهم وأحقادهم عبر وسائل الإعلام «الصهيونية» التي تعرف تماماً القيمة الكبيرة لبلاد الحرمين في نفوس المسلمين، بل في نفوس الناس جميعاً، ونحن لا ننتظر من أعدائنا أن يقدموا لنا غير ذلك، ولكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه دائماً هو: متى نواجه هذا الكيد الإعلامي مواجهة إعلامية مدروسة قوية نصدُّ بها عن ديننا وبلادنا التُّهَم الظالمة، وننشر بها ما عندنا من الخير والحق؟؟
تحية خاصة:
إلى الذي قال: «سنبقى آمنين إن شاء الله معتمدين على الله، محكِّمين كتاب الله، متمسكين به، لا نقبل أحداً يزايد علينا، ونحن أهل الإسلام وبلد الإسلام» وقال: «نحن نستنكر الإرهاب في أيِّ مكانٍ وقع» وقال: «يجب أن نكون واعين في كل لحظة لنواجه الأمور بكل قوة وحكمة ومعرفة» وقال: «نحن مسؤولون مسؤولية كاملة، لن نغيِّر هذه المسؤولية أو نتراجع عنها».
إلى سمو وزير الداخلية «نايف بن عبدالعزيز» نزف تحية خاصة ودعاء صادقاً بالتوفيق والعون من الله عزَّ وجل لتحقيق ما نصبو إليه جميعاً من الأمن والاستقرار لدوحتنا الغالية بلاد الحرمين الشريفين، كما نشكر سموه على كل إجابةٍ واعيةٍ حكيمة يجيب بها عن أسئلة رجال الإعلام والصحافة في المؤتمرات الصحفية التي عقدت معه، حيث إننا نسعد بالطرح الواعي والرأي المتزن الذي يطرحه في كل مؤتمر صحفي يعقد معه.
وأقول: إنَّ صلتنا بالله تعالى في هذه البلاد الطاهرة هي الحصن الحصين الذي يصدُّ عنا هجمات المغرضين والحاسدين، وإنَّ أيدينا التي نرفعها إلى خالق هذا الكون ومدبره لن تعود بإذن الله صفراً مما نريد، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يقول :« ادعوني أستجبْ لكم».

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved