أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 22nd October,2001 العدد:10616الطبعةالاولـي الأثنين 6 ,شعبان 1422

مقـالات

«القضية» في مذكرات بيكر (5)
د . عبدالله الصالح العثيمين
أشير، في الحلقة السابقة، باختصار إلى اتخاذ أمريكا موقفاً أرادت من خلاله أن تفرض إرادتها على دول العالم باعطائها خياراً واحداً: إما أن تقف معها دون مناقشة وإلا فإنها إرهابية، كما أشير إلى المقارنة بين التحالف الدولي الذي حدث لإخراج قوات صدام من الكويت والتحالف الدولي الذي امتثل للإرادة الأمريكية بعد حادثة نيويورك وواشنطن. وتركز الحديث في تلك الحلقة على محاولات بيكر بدء ما أصبح يسمى عملية السلام بين الدولة الصهيونية والعرب؛ وبخاصة الفلسطينيين.
ولقد ذكر بيكر في مذكراته أن مما شجعه في محاولاته لإيجاد حل للقضية الفلسطينية أن شامير (رئيس وزراء العدو الصهيوني) أصر على أن تبذل الولايات المتحدة كل ما هو ممكن لإبقاء الملك حسين في السلطة رغم تأييده لصدام حسين خلال الحرب، وقال: إن الأردن المستقر أمر حاسم لاحتمالات إقرار السلام على المدى البعيد».
ثم ذكر استقباله لوفد فلسطيني في القدس كان من أعضائه فيصل الحسيني وحنان عشراوي اللذان أصبحا المحاورين الرئيسيين معه. ثم أشار إلى إعجابه بشامير من بعض الوجوه، وقال: إنه أخرج لي من ملفاته رسالة بعث بها الرئيس الأمريكي فورد إلى رابين عام 1975م يعيد فيها التأكيد على دعم أمريكا لإسرائيل، وطلب مني أن أهتم بالفقرة الأخيرة منها التي ورد فيها:
«إنه في صياغة سياسة المستقبل فيما يتعلق بالتسوية السلمية سوف تعطي الولايات المتحدة وزناً كبيراً لموقف إسرائيل بأن أي اتفاق سلام مع سوريا يجب أن يستند إلى احتفاظ إسرائيل بمرتفعات الجولان، وكان التزاماً طلب مني إعادة تأكيده في خطابات الضمانات، وقد فعلت».
وعند حديث بيكر عن موقف سوريا قال:
«قبل بضعة أشهر كنت أتحدث عن الشرق الأوسط مع رابين، وزير الدفاع الإسرائيلي. كان كلانا يعرف أن أي اختراق نحو السلام لن يحدث بدون مشاركة فعالة من جانب سوريا. وأبلغني رابين أن الأسد واحد من ألد أعدائه. لكن يحتمل أن يكون أذكى لاعب في الشرق الأوسط. وفي المقام الأول فإنه رجل يلتزم بكلمته. وقال رابين: إنه شديد البأس، لكن إذا توصلت إلى اتفاق معه فسوف يلتزم به حرفياً».
ثم قال بيكر عن الرئيس السوري بعد ذلك:
«كم شاركت في مئات المفاوضات في حياتي العامة والخاصة كانت أشقها تلك التي أجريتها مع الأسد».
وتحدث بيكر في الفصل الرابع والعشرين عن بقاء صدام في السلطة، وأشار إلى مسألة الزحف نحو بغداد للقضاء عليه قائلاً:
«كنا نعتقد أن الزحف نحو بغداد أمر سخيف من وجهة نظر عملية. فعلى أدنى تقدير سيحوّل هذا الزحف صداماً إلى بطل قومي.. ويُتوقع إقدام الجنود المدنيين العراقيين على مقاومة استيلاء العدو على بلادهم بضراوة لم تحدث في ميدان المعركة في الكويت. وحتى إذا وقع صدام في الأسر وأطيح بنظامه فستظل القوات الأمريكية تواجه شبح الاحتلال العسكري لأجل غير معلوم لتهدئة البلد ودعم الحكومة الجديدة التي تولت السلطة. ويقيناً سوف تؤدي حرب المدن التي ستتبع ذلك إلى سقوط خسائر بشرية بين الجنود الأمريكيين تفوق ما سقط خلال الحرب ذاتها مما سيثير عاصفة سياسية في الداخل وانتقادات كثيرة من الحلفاء ثم تفكك التحالف».
على أن الأمر الذي يبدو أن له أهمية خاصة هو ما قال عنه بيكر:
«وفي الواقع أننا لو اخترنا هذا النهج (الزحف نحو بغداد) ما كنا لنصبح في وضع يؤهلنا لبدء عملية سلام ذات معنى لأننا سنفقد كل أعضاء التحالف العربي».
وقال:
«عندما اجتمعت مع شامير في القدس في 8 نيسان لبحث عملية السلام كان شديد القلق من أنه بالرغم من النصر الساحق فلا زال صدام حياً ويمسك بزمام السلطة، وقال شامير: إنه درس غير جيد للمنطقة. فمثل هذا الرجل.. هو الذي كلفنا الكثير من الخسائر والذي جرؤ على مهاجمتنا بالصواريخ. هو رجل لا يمكن أن نتعايش معه».
وفي الفصل الخامس والعشرين تكلم بيكر عن مقدمات مؤتمر مدريد؛ وفي طليعتها مسألة التمثيل الفلسطيني الذي أصر الصهاينة على أن يكون ضمن الوفد الأردني، كما أصروا على ألا يكون المؤتمر على أساس القرار 242 القاضي بمبادلة الأرض بالسلام الذي توعد شامير بعدم حدوثه على الإطلاق؛ بل على أساس اتفاق كامب ديفيد الذي لم يوافق فيه بيجن على مبادلة الأرض بالسلام.
وذكر بيكر أنه رأى التريث في إثارة مسألة التمثيل الفلسطيني مع شامير، والبدء بالاحتجاج على الاستفزاز الاستيطياني الأخير، إذ أعلن شارون أن إسرائيل ستبني 13000 وحدة سكنية جديدة في الأراضي المحتلة خلال الأعوام الثلاثة القادمة. وأشار إلى أنه أحس بأن شامير لن يلقى بالاً لاحتجاجه.
ثم تحدث بيكر عن ذهابه إلى سوريا، وعقده اجتماعاً مع الأسد خمس ساعات ونصف الساعة لم يتخلله إلا فترة الإفطار في رمضان؛ قائلاً:
«ولأنني أعرف أن الأسد أصعب مفاوض عربي فلم أسع للحصول منه سوى على القليل في البداية».
وفي ثنايا حديث بيكر عن موقف الأسد الذي اشترط أن يكون المؤتمر تحت إشراف الأمم المتحدة قال:
«إن هذا الشرط كان خنجراً مشهراً نحو قلب السلام. فإسرائيل كانت تنظر على الدوام، ولها مبررها (هكذا) إلى الأمم المتحدة على أنها عدو رهيب لا يكبحه سوى الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن. ورسخ قرار الأمم المتحدة عام 1975م بمساواة الصهيونية بالعنصرية وجهة النظر هذه. وكنت متيقناً تماماً أن شامير لن يحضر مطلقاً أي مؤتمر يعقد تحت رعاية الأمم المتحدة أياً كان مسماه».
وأوضح بيكر أن شامير قال له:
«إن إسرائيل لن تقبل مطلقاً بمشاركة فلسطينيين من القدس الشرقية في أي وفد. فهذا سيخلق وضعاً يستعصي الدفاع عنه لأنه يضع القدس الشرقية على جدول الأعمال».
وأوضح بيكر أنه تضايق من موقف شامير الذي لم يرض بتفصيل عملية بنيت أساساً على مطالب إسرائيلية محددة. وأنه قال أخيراً له: «إذا لم يمكنك مساعدتي فسوف أعود إلى الوطن».
ثم تحدث بيكر عن محاولاته إقناع القيادة السعودية بحضور المؤتمر الذي اقترحه، وأوضح أن هذه القيادة قد أعربت له أنها مع تأييدها للجهود الأمريكية فلن يكون من المناسب لها المشاركة في مؤتمر سلام.. لكنها أصدرت في وقت لاحق بياناً معتدلاً يوافق على المبادرة الأمريكية، ويؤيد فكرة عقد المؤتمر. ونظراً لإدراك بيكر لأهمية المملكة ومصر في أي تحرك قال: «ما كان يتيسر الشروع اليوم في عملية السلام لولا القرارات الشجاعة التي اتخذها الملك فهد والرئيس مبارك».
وعاد بيكر بعد ذلك ليتحدث عن محاولاته مع الرئيس السوري قائلاً:
«كان التفاوض مع الأسد يشكل دائماً مباراة لأقصى درجات التحمل مما يسترعي الانتباه لتقارير المخابرات التي تتواتر باستمرار عن سوء حالته الصحية. فالأسد صاحب عزيمة شديدة الصلابة. كنا نجلس دوماً متجاورين على مقعدين كبيرين وثيرين يشعراني بأني أبدو كالقزم والأسد يشبه أبو الهول.. وكم كنت في حاجة دائماً لإجراء مساج عقب كل لقاء معه.. ويبدو أنه يستسيغ الجلسات المجهدة وهي حالة تقليدية لمحاولة الفوز عن طريق الاجهاد».ومما ذكره بيكر أنه اقترح على الأسد أن تكون هناك قوة سلام أمريكية في منطقة عازلة في الجولان لضمان أمن الحدود بين إسرائيل وسوريا. ثم قال له: إذا كان لنا أن نحرز تقدماً في هذه القضية عليك أن تقدم لي شيئاً أعمل به. وردَّ الأسد: «إن الأشواك الملقاة على الطريق هي أشواك إسرائيلية لا عربية».
وقال بيكر له:
«لقد أمضيت أكثر من ست وثلاثين ساعة معكم، ووجدت نفسي أقول: نعم بالعربية للائكم بالعربية أيضاً. ورد الأسد بابتسامة: إنك تتعلم العربية. هذا شيء طيب. ثم قال الأسد:
«إن الأرض عنصر مهم. إنها تمثل عنصر الكرامة والشرف... إننا لا نريد أحداً يقول: إننا تخلينا عما كنا نطالب به على مدى عشرين عاماً».
وبعد أن أشار بيكر إلى أنه حصل، أخيراً، انفراج في طريق الحل مع الرئيس السوري حول بعض المسائل المطروحة قال: إن ذلك قد مهد السبيل في نهاية المطاف إلى أن يعلن السعوديون أن مجلس التعاون الخليجي سيشارك في جلسة افتتاح مؤتمر السلام. والأهم أنهم سيشاركون في المباحثات المتعددة الأطراف.. وكان ذلك مما عزز اقتناع الأردن وسوريا للقبول».
على أن بيكر أوضح أن محادثاته في سوريا لم تتم وفق ما كان يرجوه، لكن روسيا وعدته أنه ستبذل محاولات لإقناع الأسد بأن يكون أكثر مرونة حسب رأيها.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved