| مقـالات
أضحى من المسلمات، ان للتعليم قوة كبيرة في تشكيل الأفراد وتحديد مصير الجماعة ومستقبل الدولة، وبسبب أهمية التعليم هذه أصبحت مناقشة مسائله ومراجعتها عملية مستمرة وموصولة في كل مكان، وقد ازدادت هذه المناقشة والمراجعة الحاحا في الحقبة الأخيرة على كل من المستوى الدولي والقومي والوطني، بسبب ما يطرأ على العالم المعاصر من تغيرات سريعة ومتلاحقة.
ان آفاق التغير في عالمنا المعاصر متعددة، وتزداد معدلات التغير في مختلف هذا الآفاق بدرجات كبيرة، ولعل أبرز معالم هذا التغير التراكم الكبير في ثروات المعلومات والمعارف في السنوات الأخيرة والارتباط العضوي بين تطور المعرفة ونتائج البحث العلمي، أي التزاوج بين العلم، والتكنولوجيا في مختلف الميادين، ومن ثم نلحظ هذا التغير والتطور الكبير في تكنولوجيا الانتاج والخدمات، وفي طبائع المهن والتنقل بينها، والتغير في بنية الهياكل الوظيفية، وما يتطلب كل ذلك من تطوير في بنى التعليم ومحتواه، ولا سبيل الى ذلك إلا بكسر الطوق المضروب حول هيكل التعليم، وتصميم نماذج وصيغ جديدة لبنية تتسم بالمرونة، وتتميز بالتكامل بينها.
وأما مجتمعنا، فهو بسماته الحضارية المتطورة في دأب مستمر على تطوير حياته في مختلف الميادين، ومن بينها ميدان التربية والتعليم، استجابة لملامح التغير التي أخذت تنعكس آثارها على مجتمعنا في بعض الآفاق فالسعي الى تنظيم الاقتصاد القومي والخدمات على أساس من العلم والتخطيط الكفء، والنظرة المستقبلية، ووضع الخطط العلمية، لتحقيق الانجاز للتوسع في تنمية الثروة البترولية والمعدنية والنمو في مجتمعاتنا المدنية، وحركة التعمير الواسعة وما يصاحبها من ظهور مدن جديدة على خريطة الدولة.
هذه الملامح وغيرها، بدأت تأخذ مكانها في مجتمعنا ونتوقع نموها وكل هذا يفرض نفسه على التعليم لتطوير بيئته ومحتواه.
واستجابة لمطالب التغير التي سبقت الاشارة اليها على الصعيدين الإقليمي والدولي وتفاعلاً مع أهداف مجتمعنا ومبادئه الاسلامية السمحة القائمة على تحقيق التوازن بين حقوق الفرد ومصالح الجماعة، وتنظيم المجتمع تنظيما مستندا الى حرية الانسان واعتبار الفرد حجر الزاوية في بناء الوطن واطلاق قدراته الخلاقة، والجمع بين الأصالة والتجديد باعتبارهما اتجاهين متكاملين، والايمان بالعلم وتطبيقاته، والتلازم بين الايمان والعلم في اطار واحد، وتقدير العمل واحترامه باعتباره المفتاح الوحيد للتقدم وانه حق وواجب وحياة.
إنه في ضوء هذا كله، ترتكز حركة تطوير نظام التعليم على مبادىء أساسية تشكل بنية التعليم ومحتواه، ونظمه وأساليبه، وادارته في صورته المتطورة، ومن المنظور الشامل. وتتحدد هذه المبادىء فيما يلي:
1 التعليم من أجل التنمية الشاملة والعمل المنتج: إذا كان التعليم هو أحد المداخل الرئيسية لمتطلبات التنمية الشاملة للمجتمع بأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فإن هذا يعني توجيه التعليم لخدمة متطلبات هذه التنمية، ليكون عاملا فعالا في إحداث التغير المنشود، وهذا الأمر يتفق مع وظيفة التعليم في انماء الفرد، بل ويتكامل معها.
2 التعليم من أجل دعم الانتماء الاسلامي والوطني والعربي والانساني: ومن هذا المنظور، فإن التعليم في مجتمعنا من منظور تطوره الشامل، ملتزم بما يأتي:
انماء الاعتزاز بالشخصية السعودية المسلمة.
انماء اتجاه وقيم الانتماء العربي.
3 ان التربية المستديمة ليست بديلا عن التعليم النظامي، وانما هي اطار أكثر اتساعا له. يحقق تقديم الفرص التعليمية الملائمة لكل فرد، في كل سن، وفي كل تخصص، لكي يواكب تقدم المجتمع، ويتطلب هذا التعليم أن يكون أكثر مرونة وانفتاحا واتصالا بالحياة، من حيث محتواه، وتنظيمه ومراحله، وشروط القبول، ونظم التقويم، ويتطلب تحقيق ذلك:
اتساع مجال التربية والتعليم، بحيث لا يقتصر على التعليم النظامي بصوره المختلفة بل يمتد ليشمل جميع المؤسسات التي يمكن ان تسهم في توجيه أفراد المجتمع وتعليمهم وتدريبهم.
إزالة الحواجز بين التعليم النظامي وغير النظامي، في ضوء نظرة عصرية شاملة للعملية التربوية، بحيث تتاح لكل فرد الافادة من مختلف صور التعليم المتاحة وفقا لظروفه وامكاناته الخاصة.
* الأستاذ المساعد بكليات البنات والمستشار بالمجلس العلمي
|
|
|
|
|