أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 21st October,2001 العدد:10615الطبعةالاولـي الأحد 5 ,شعبان 1422

متابعة

متى تكون الجمرة الخبيثة قاتلة؟
د. جمال عبد العزيز عنان
من بين كل الميكروبات (الأحياء الدقيقة)، الممرضة للإنسان، هناك عدد قليل فقط هو الذي وقع عليه الاختيار، وتم إنتاجه بطرق قياسية وأقر استخدامه خبراء الأسلحة البيولوجية (الجرثومية، الحيوية)، في الجيش الأمريكي وتم تخزينه بكميات كبيرة في مخازن الأسلحة البيولوجية الأمريكية. وتدل الدلائل أن هناك موقفاً مشابهاً لذلك في روسيا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى. ومن بين هذه الميكروبات: ميكروب الجمرة الخبيثة.
وقبل أن أدخل في متن الموضوع، أريد أن أوضح بأن القليل فقط من الميكروبات (الأحياء الدقيقة)، ضار وممرض للإنسان، بل أغلب الأحياء الدقيقة مفيد للإنسان لما أحدثته من ثورة علمية فائقة في الآونة الأخيرة حيث تستخدم في صناعة المضادات الحيوية لعلاج الأمراض، وفي صناعة بعض الكيماويات النادرة والأنزيمات والهرمونات لتستغل في علاج أمراض مستعصية وصناعة بعض الأغذية المهمة للإنسان مثل الزبادي وفسيخ السمك والسجق والمخللات وغيرها.
ولقد تصفح قراء الجزيرة الأعزاء في أعداد سابقة ماهية الجمرة الخبيثة، والتي تسببها بكتيرية Bacillus anthracis العضوية الشكل والتي تحدث ثلاثة أنواع من الاصابة هي: (أ) اصابة جلدية عن طريق الجروح والسجحات الجلدية والتي يمكن علاجها بالمضادات الحيوية، (ب)، اصابة معوية يمكن علاجها في مراحل الاصابة الأولى، (ج)، اصابة خطيرة بالجهاز التنفسي ويمكن شفاؤها بصورة قليلة لو شخصت في أطوار مبكرة من الاصابة، وبذا تكون بكتيرة الجمرة الخبيثة غير قاتلة إذا أمكن السيطرة عليها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: «متى تكون جرثومة الجمرة الخبيثة قاتلة؟» ونجيب ببساطة شديدة بأنها تكون قاتلة إذا كانت مقاومة لفعل المضادات الحيوية، ثابتة في الظروف البيئية المختلفة من ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة، مقاومة للدرجات المختلفة من الحموضة والقلوية، لها معدلات عالية جداً من النمو حيث تصل لذروتها بعد ساعات قلائل من الاصابة، سامة جداً وتستطيع أن تنتج وتفرز سمها القاتل في أطوار نموها الأولى أي بعد 4 6 من الاصابة بها، لا تتأثر باللقاحات والأمصال الموجودة بداخل الجسم البشري.
ولكن كيف تتحقق الإمكانات والشروط السابقة لبكتيرة الجمرة الخبيثة؟ ونجيب ببساطة شديدة بأنه سيتحقق ذلك لو استطاعت وسائل التقنية الحيوية والهندسة الوراثية من استزراع ميكروبات معدلة وراثياً لتتحقق فيها الشروط السابقة وستكون تلك البكتيريا فتاكة، يمكن التحكم في نشرها بالقدر المطلوب. مثل هذه الميكروبات المهندسة وراثياً سوف تكون مثالية في الحرب الحيوية. وبه تصبح الجمرة الخبيثة وغيرها بديلاً لكل أنواع الحروب الأخرى كيماوية ونووية وربما سيكون في استخدام مثل هذه البكتيريا المهندسة وراثياً إيذان ببداية النهاية للعالم أجمع وكما يتنبأ بعض العلماء من أن تخريب العالم ربما يكون بأمر الله تعالى على أيدي المتطرفين من علماء الأحياء الدقيقة، وليس على أيدي المتطرفين من علماء الفيزياء كما كان المتوقع سابقاً.
وتقدم تكنولوجيا الهندسة الوراثية طريقاً مفتوحاً لا نهاية له في هذا الصدد، فتطوير التركيب الوراثي للخلية الميكروبية، بتدخل من الإنسان هو عملية يمكن أن تكون مستمرة بلا حدود ويمكن أن يكون لها أوخم العواقب، التي لو أردنا تصورها لما استطاع الخيال أن يفعل. وأصبح من اليسيرمعرفة تتابع الجينات الوراثية المسؤولة عن صفات الميكروب في التركيب الوراثي للبكتريا وهو الحمض النووي الديوكسي ريبوزي بحيث يمكن قص الجين غير المرغوب فيه واستبداله بجين آخرمرغوب فيه ألا وهو الجين المسئول عن مقاومة بكتيرة الجمرة الخبيثة للمضادات الحيوية، ادخال جين لمقاومة العوامل البيئية الخارجية، ادخال جين آخر مسئول عن احداث السمية في أطوار النمو الأولى للميكروب. ويمكن الآن قص أو نقل جين من ميكروب لآخر بطريقة كهربية سريعة جداً تستغرق ساعات فقط حيث تنتج بذلك سلالة هجينة ممرضة شديدة الشراسة شديدة الثبات والتحمل وتصبح ملائمة للاستخدام كسلاح بيولوجي قاتل.
ومما لا شك فيه أن تقنية الهندسة الوراثية سوف تعطي الباحثين في مجال الميكروبيولوجيا العسكرية أدوات فائقة المرونة، هائلة الإمكانات* لإنتاج ميكروبات طبقاً للصفات المرغوب فيها بكل دقة. مثل هذه الميكروبات سوف تشكل سلاحاً رهيباً، لو وقع في أيدي من لا قلب له ولا ضمير فلن يبقي ولا يذر. ويوم يتحقق ذلك فلن ينقذ البشر، من شر البشر سوى لطف الله سبحانه وتعالى الذي لا راد لقضائه. وصدق قول الله عز وجل: «بسم الله الرحمن الرحيم ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد» صدق الله العظيم «سورة البقرة 204 206».
المراجع:
1_ Buchanan & Gibbons (1984): Bergeg's Mannual of Systematic Bacteriologgy. Williams& Wilkins, Baltimore, New york.
2 الدكتور فاروق محمد الباز ، الحرب الكيماوية، دار الكتاب العربي ، 1990م.
3 الدكتور سعيد زغلول البسيوني وآخرون، أسلحة الحرب الحيوية بين النظرية والتطبيق، مطبوعات كلية الملك خالد العسكرية 1988م.
قسم العلوم، كلية الملك خالد العسكرية بالرياض ص.ب 22140، رمز بريدي 11495

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved