أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 20th October,2001 العدد:10614الطبعةالاولـي السبت 4 ,شعبان 1422

محليــات

يارا
عبدالله بن بخيت
الغزل على أصوله
سؤال بقي معي اكثر من خمس وثلاثين سنة يقفز إلى اعلى درجات وعيي كلما شاهدت مجموعة من الشباب يغازلون مجموعة من الفتيات، في الرياض أو في اي مكان في العالم.
عندما كنا نسكن في وسط الرياض في العسيلة تحديدا كان المغازل في ذلك الزمن لا يختلف عن المغازل في هذه الايام. ولكن وسائله كانت مختلفة، وهذا شيء طبيعي فوسائل الاتصال في ايامنا هذه كثيرة ومعقدة تسمح بتمرير الحيل والخدع على أعتى العذال. أما في السابق فلم يكن امام الشباب المغازلجي سوى المواجهة المباشرة، كان الشباب يجولون في العصريات في كامل اناقتهم: ثياب معطرة وغتر منيلة )بنيلة( ونعل زبيرية لامعة وقد ذاع صيت هؤلاء، فأصبحت حارتنا كما هي بعض الحارات ممراً رسمياً لكل من يتوسم في نفسه النجاح في المغازلة ومشتقاتها.
كان يمر في حارتنا ثلاثة شباب من أبدع شباب العالم كانوا من عتاة المغازلجية في ذلك الزمان لا يمر يوم دون ان يعرجوا على حارتنا في محاولة جادة وواثقة للمغازلة. الأول أسمر ويميل الى القصر. والثاني نحيف الى درجة الجوع، أما الثالث فكان أشهب. لم اكن في تلك الفترة اعرف شروط المغازل الشكلية كان عمري حوالي عشر سنوات أو ربما إحدى عشرة سنة كنت احسدهم على اناقتهم المتميزة وكنت انتظر بشوق عظيم ذلك اليوم الذي سأكبر فيه وأنضم الى هذه الكوكبة من الشباب المتطلع الطموح كنت حينها اخلط بين الاناقة وبين الوسامة مما أوقع في خلدي أن هؤلاء الشباب الثلاثة سيحققون نصرا في الحب لم يبلغه امرؤ القيس في زمانه لا اعرف حتى هذه اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال هل حقق هؤلاء الشباب أهدافهم كافة؟ سؤال أتمنى ان اجد جوابه ولكنه ليس السؤال الذي سافر معي حيا حيويا عبر كل تلك السنين عندما اقلب الأمر ومع رفضي له وعدم موافقتي عليه قد أجد عذرا للأسمر ان يغازل وكذلك بالنسبة للمنقطع أما الاشهب فلا يمكن ان اتصور في يوم من الأيام ان يكون نجما في عالم المغازل.
عندما يفيض الفرسان الثلاثة من فوهة حارتنا يكون الأشهب أكثرهم حضورا وتوهجا فالشمس تلتمع على يديه وخديه وجبهته وعندما يقترب أكثر وتصبح تفاصيل وجهه في متناول العين تشاهد انه يضع طبقة سميكة من الوازلين الاخضر.. ومع كل هذه الكمية المروعة من الوازلين الاخضر تحس ان هناك شيئا من التشوش على صفحات جلده باختصار كان أشهب حتى لو دلق كل كريمات العالم على جلده. اتذكر ان بعض العيال في الحارة كانوا يسمونه حفار القبور. وآخرون يحلفون انه يتروش بكاز ويدعك جلده بصابون تايد. وإذا تجاوزنا بشرته فما تبقى من أجزاء جسده فهو عادي ولا يلفت النظر. وعلى حسب ما أتذكر لو تخلص من الشهاب كان يمكن ان يكون مغازلجي متوسط المستوى. خصوصا انه كان انيقا بمقاييس ذلك الزمان. كان يعتمد مرزام الغترة مع حداثة هذه الموضة كما لم يكن يستخدم الأزارير بل شيء كان يسمى التركيبة وهذه تأتي في بعض الاحيان طقما مع الكبك عند غلاة الأناقة.كان يملك كل الاستعدادات النفسية للمغازل، كما حباه الله بعزيمة لا تقهر لاقتحام هذا المجال الحيوي. كان بعض الفتيات يفتحن الباب لكب الغسال ويطلطلن هنا وهناك بصورة تبدو عفوية، وعندما يقترب الفرسان الثلاثة ويصبحون امام بيت احداهن اسمع همسا مختلطا يخرج من أفواه الشباب الثلاثة مما شوشوا الامر على سمعي فلا اعرف ماذا يقولون ولا بما كانت الفتاة ترد عليهم كنت حينها اترصد عند باب المسجد طلبا لمعرفة ما يقال وما يمكن ان يحدث حتى جاء ذلك اليوم المشهود الذي فاض فيه الفرسان الثلاثة من ثغر سكتنا.واذ اني أعرف لأول مرة ان ناصر هذا هو الشاب الاشهب مضت اربع سنوات وانا اتابع خطوات هؤلاء فيما كنت تحت سيطرة تصور ما كنت لأتخلى عنه مهما كانت الادلة والشواهد وهو ان ذلك الشاب الأشهب هو اجمل رجل في العالم حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت آكل فيه سندوتشا في شارع العصارات بالرياض، موئل المغازلجية في ذلك الزمان، شاهدت رجلا ينزل من سيارته وتنعكس على وجهه أضواء السيارات ونيون المحلات والنجوم بانعكاسات متلألئة فبدا وجهه كالثريا المرصعة بالكرستال وعندما اقترب من المحل تبينت ناصرا بكامل اناقته. ووجه كما كان دائما مدهونا بطبقة كثيفة من الوازلين حتى أنني في ذلك اليوم أحسست أن تفاصيل وجهه من أنف وخدود وجبهة هي مجرد كسر جمش محشوة في كيس باغة.
فاكس 4702164

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved