| متابعة
* واشنطن د ب أ:
تخوض الولايات المتحدة حربا ضد عدو يتمتع بمهارة خطيرة، ألا وهو الاعلام الذكي.
يأتي ذلك في ظل حرب يجري مسرحها في عصر الثورة المعلوماتية حيث يمكن أن تصبح الكلمات والصور في قوة القنابل وتأثيرها المدمر.
ودأب أسامة بن لادن من مخبئه المحتمل في بلد لا يعرف التليفزيون على الاعراب عن استعداده لاستخدام ترسانة من وسائل الاتصالات الحديثة التي يعج بها القرن الحادي والعشرين في بث دعواته إلى شن حرب يسميها بالحرب المقدسة .
ويقول منتقدون إنه من المفارقة أن الحكومة الامريكية تحاول تجريد بن لادن من الاسلحة الدعائية التي في حوزته والتي تهدد الآن واحدة من القيم الديمقراطية الاصيلة التي تزعم واشنطن أنها تدافع عنها، ألا وهي حرية التعبير.
ولا شك أن موجة الوطنية التي تجتاح وسائل الاعلام، إلى جانب ندرة المعلومات القيمة التي تسربها وزارة الدفاع «البنتاجون» من آن لآخر، وما يراه البعض من تشجيع البيت الابيض على فرض رقابة ذاتية على الصحافة أثارت المخاوف من أن المادة الاولى من الدستور الامريكي أصبحت محل تهديد.
ومنذ الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 من الشهر الماضي، أصبحت حكومة الحرب التي يقودها الرئيس جورج دبليو بوش، تراقب وهي مشدوهة مذعورة، بن لادن وفريقه الاعلامي وهم يوجهون نداءات إلى العالم الاسلامي وتهديدات قاسية إلى الشعب الامريكي.
أما القناتان التليفزيونيتان العملاقتان في عصر البث بالاقمار الصناعية اللتان يستخدمهما بن لادن ورفاقه في حملتهم الاعلامية المضادة فهما قناة الجزيرة الفضائية التي تبث لعموم العرب وشبكة سي. إن. إن الاخبارية الامريكية.
وعندما حاول وزير الخارجية الامريكي كولن باول أن يضغط لتلجيم قناة الجزيرة هناك، هب مدافعون عن حرية الاعلام للدفاع عن قناة تعتبر ساحة لحوارات ومناقشات ومصدرا للاخبار الخاصة الواردة من كابول، حيث استثناها نظام طالبان للعمل في أراضيه دون كافة القنوات التليفزيونية الاجنبية الاخرى في العالم.
من جانبها، قالت آن كوبر، مديرة لجنة حماية الصحفيين «محاولات التأثير على الجزيرة أكسبها جاذبية على نطاق واسع على مدار السنين، نشعر بالاحباط عندما نرى المسؤولين الامريكيين يتبنون نفس التكتيكات».
كان البيت الابيض قد طلب من وسائل البث الاعلامي الامريكية الحكم بحذر من الناحية التحريرية قبل بث أي «مواد دعائية مسجلة سلفا تعمل على تحريض الناس على قتل الامريكيين». كما دافع البيت الابيض بأن مثل هذه المواد ربما تحتوي على توجيهات مشفرة إلى خلايا إرهابية.
ويؤكد جان كيرتلي أستاذ القانون وآداب مهنة الاعلام بجامعة مينيسوتا أن انصياع شبكات «أيه.بي.سي» و«سي.بي.إس» و«س.إن.إن» و«فوكس» و«إن.بي.سي» لطلب البيت الابيض يحمل في طياته «قوة قهرية إن لم يكن قوة القانون» بالنسبة للشركات العاملة في صناعة تتمتع بنظم وقوانين خاصة بها.
من جانبها، قالت جانين جاكسون بمنظمة النزاهة والدقة في نقل الخبر الاعلامي «مسؤولو البيت الابيض أظهروا أنهم سيفرضون قيودا على تداول المعلومات وحتى التلاعب فيها في الحملة العسكرية الامريكية الحالية، غير أن دور الصحفيين ينصب في عدم مساعدة هؤلاء المسؤولين في جهودهم تلك».
وأضاف كيرتلي أنه لا يتعين على الحكومة أن تقوم بدور الحكم في «ما قد يراه الرأي العام مناسبا لمشاهدته أو سماعه، فما يراه شخص أنه دعاية مغرضة قد يعتبره آخر مجرد أخبار».
ومنذ الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي، اضطرت وسائل الاعلام الامريكية إلى السير على حبل رفيع، بانتهاج أسلوب متوازن بين تلبية مطالب الامن القومي مع أهداف الصحافة الموضوعية وواجبها في طرح الحقائق على الرأي العام مع مخاطر إثارة الذعر والخوف وبين بث أنباء الحرب دون تعريض القوات الامريكية للخارج إلى الخطر.
وفي تدخل مبكر من جانب الحكومة، تعرض راديو صوت أمريكا لضغوط من جانب وزارة الخارجية للعدول عن بث مقتطفات من مقابلة نادرة مع الملا محمد عمر زعيم طالبان.
وكان الرئيس بوش قد وبخ بصورة غاضبة أعضاء بالكونجرس بسبب تسريبهم معلومات سرية إلى وسائل الاعلام. وقد أصبحت أي شبكة تليفزيونية ممن تعكس المزاج الوطني السائد وتشكله، تبث برامجها مع ألوان العلم الامريكي، وهي الاحمر والابيض والازرق، والذي أصبح شعارا ثابتا يمكن للمشاهد أن يراه بسهولة في ركن من شاشة التليفزيون، وذلك إلى جانب العنوان الشهير «أمريكا سترايكس باك» أي أمريكا ترد الضربة أو تنتقم.
كما أصبحت الشبكات التليفزيونية تسعى لجذب كثير من أبرز الشخصيات سواء العسكرية أو السياسية وخلافها على شاشاتها للادلاء بأحاديث أو القيام بتحليلات أو التعليق على الاحداث. وهكذا أصبح عسكر الامس من بين أهم المحللين على شاشات التلفاز اليوم : هنا قائد حرب الخليج الثانية نورمان شوارتزكوف يظهر على شاشة إن.بي.سي وويلسي كلارك قائد حلف الاطلنطي السابق في السي.إن.إن. غير أن القنوات التليفزيونية أصبحت تعاني من مشكلة أخرى.
وبينما تم نقل الموجة الاولى من ضربات الحرب الجديدة على الهواء مباشرة عبر ملايين من شاشات التلفاز، كان على الشبكات التليفزيونية أن تتعايش مع شح في الصور الدراماتيكية المثيرة وندرتها منذ ذلك.
ويتذكر نورمان سلومان، وهو رئيس معهد «بابليك أكيورسي» أنه خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، اشتكت 15 من أكبر الشبكات الاخبارية الامريكية من السيطرة الفعلية الكاملة للبنتاجون في تغطية الحرب. وكانت شكواها إلى ديك تشيني وزير الدفاع في ذلك الوقت ونائب الرئيس الحالي.
وأضاف سلومان «اليوم، جهود الحكومة للحد من التغطية الاعلامية للحرب أصبحت أكثر صرامة على الاطلاق».
|
|
|
|
|