أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 20th October,2001 العدد:10614الطبعةالاولـي السبت 4 ,شعبان 1422

مقـالات

عندما يتحدَّث نايف بن عبد العزيز
بقلم: خالد بن حمد المالك
* من الطبيعي وفي ظروف دقيقة وبالغة الخطورة أن يبادر رجل أمن متمرس كنايف بن عبد العزيز في وضع العالم أمام مسؤولياته من خلال لقاءاته المتعددة بوسائل الإعلام وبغيرها من القنوات والمنابر والجهات ذات العلاقة في إيصال رسالته وإسماع صوته للآخرين، ومثله من يجب أن يكون له كل هذا الحضور البهي في مثل هذه المناسبات وأن لا يغيب صوت سموه ورأيه وسط هذا الخلط العجيب من المعلومات عن الحرب على الولايات المتحدة الامريكية التي تراوحت بين إبراز الحقائق مجردة من أي هوى وبين الافتئات عليها.
إن أكثر ما يثير الانتباه ونحن نتابع العدوان السافر على الولايات المتحدة الأمريكية هو أنه لم يتبين لنا والى اليوم أين هي الحقيقة في كل ما جرى في ضوء ما قيل ونشر وتحدثت وسائل الإعلام عنه، ومن هنا جاء سمو وزير الداخلية بحسه الإسلامي والعربي والوطني وبخبراته ومعلوماته ورؤاه ليجدد موقف المملكة الرافض للإرهاب بشكل جلي وصورة واضحة رداً على محاولات البعض في خدش صورة المملكة الجميلة والتشويش عليها ضمن حملة مسعورة للنيل منها كواحة خير ومحبة وسلام بتوظيفهم لأسماء بعض المتهمين من خلال الربط بينهم وبين المملكة بحكم الانتماء وبين ما حدث للولايات المتحدة من اعتداءات.
***
تحدث الأمير نايف بن عبد العزيز بصوت مسموع، وقال ما كان يجب أن يقال عن المأساة التي حلت بأمريكا وذيولها وتداعياتها في بقية دول العالم، كما لو أنها مأساته ومأساة أمته وهي كذلك فلا مثلنا ولا قيمنا ولا ديننا يشجع مثل هذه الممارسات أو يؤيدها، فضلاً عن أن يقوم بها أو يتبناها، وهو ما أشار إليه سمو الأمير وأكد عليه وأعلن عنه تعليقا على ما حدث في كل من نيويورك وواشنطن سواء من خلال مؤتمره الصحفي الأول الذي عقده في أعقاب بدء الحرب الامريكية الأفغانية أو من خلال لقائه بأعضاء مجلس الشورى ورجالات الأمن والوزراء المعنيين وتصريحاته الصحفية الأخرى.
***
وبمرور سريع على ما جاء في أحاديث سموه نلمس كم كانت غنية بالكثير من المعلومات الموثقة التي أراد الرجل القوي أن يؤكد من خلالها بأنه ليس عنده ما يخفيه أو يتستر عليه أو يحاول أن يبحث عن تبريرات تبعدنا مسافات كبيرة عن حقيقة الموقف السعودي مما تَرُشُّنا به وسائل الإعلام العالمية من معلومات لم يتبين لنا حتى الآن مدى صحتها وبالتالي الاطمئنان إليها.
والذين يعرفون المملكة معرفة جيدة وتعاملوا معها وقرأوا تاريخها يدركون جيداً بأن توجهاتها ومواقفها لا تسمح لأي مسؤول فيها بأن يتحدث بغير ما اتسمت به أحاديث نايف بن عبد العزيز من مصداقية وشفافية واقتراب من عقل مَن يفكر بوعي ويفتش عن الحقيقة الغائبة أو المغيبة عنه.
***
لقد حفلت لقاءات سموه وكما كان متوقعا وجميعها معلنة بصوته وصورته، بالكثير من الاضافات المهمة التي يجب أن تكون موازية من حيث الاهتمام والاستقراء مع غيرها مما يضُخُّه الغرب من معلومات اذا كنا نريد أن نتحدث عن الحقيقة المجردة سواء عند التحليل الموضوعي لما حل بالولايات المتحدة الامريكية أو عندما يأتي سياق الكلام عن الإرهاب العالمي الذي نتفق على أن ضرره لا يقتصر على دولة دون أخرى أو على مجتمع دون آخر، وأن محاربته ومواجهته والتعاون على تتبع مصادره وأسبابه تمهيدا للقضاء عليه تقع مسؤوليته وتحمل تبعاته على الجميع، وبالتالي فإن المعالجة له ممكنة إذا أمكننا التخلي عن ممارسة الأسلوب الحالي القائم على الانتقاء غير المبرر في تحميل المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك وفقا للنوايا والأهداف التي تتوافق وتنسجم مع سياسة هذه الدولة أو تلك وعلاقتها بهذا الطرف أو ذاك، وهو ما حجم وهمش وقوض الجهود الخيرة لبعض الدول وفي طليعتها المملكة التي سعت منذ زمن مبكر في رصد البدايات لهذه الأعمال الإرهابية ونادت المجتمع الدولي بدوله وبمؤسساته وأفراده إلى التعاون للقضاء على كل عمل قد يمس أمن شعوب العالم.
***
والأمير نايف في كل ما صدر عنه من تصريحات وفي جميع لقاءاته التي تمت حرص على أن يعبر عن وجهة نظر المملكة وموقفها من أولى حروب القرن الجديد، وكان من الوضوح والصراحة ما مكّن الجميع من الوصول إلى المعلومة الصحيحة بما لا حاجة لأحد إلى الاستعانة بمصادر أخرى قد تخفي أهدافها غير المعلنة ونواياها المشبوهة وهي تتناول بالتحليل موقف المملكة من موضوع الاستقرار والسلم العالميين ومن الإرهاب تحديدا، وسموه ومن خلال قراءة تحليلية لمنطقه وتعامله مع ما يموج به العالم اليوم من أحداث جسام يمكن لنا أن نستشف المدى الذي ذهب إليه وزير الداخلية وهو يحذر من أن أمن الشعوب واستقرارها وحياتها ستظل عرضة للتهديد ما لم يتم التصرف المسؤول والتعامل الصحيح مع كل الذي نراه اليوم من أحداث خطيرة دون تمييز، وهو ما يعني عدم التعامل بمكيالين مع كل ما يمس حياة الأمم ومستقبل الشعوب على نحو ما نراه اليوم من ظلم وانتقاء غير عادل وتفرقة غير مبررة بين الإرهابيين وبخاصة إسرائيل حيث تمارس كل أشكال الإرهاب مع الشعب الفلسطيني فيما يكتفي العالم المتمدن بدوله صغيرها وكبيرها بمتابعة أخبار هذه الجرائم دون أي إجراء أو عمل أو تدخل فاعل يوقف هذا النزيف من الدماء ويحول دون مزيد من قتل الأبرياء بدم بارد.
***
إن قوة المملكة وعظمتها إنما تستمدها من مقدساتها والتزامها بالثوابت قِيماً وسياسات، ومواقف المملكة المعلنة وغير المعلنة ما أسعف الأمير نايف وقته للحديث عنها أو ترك الكلام فيها وعنها لمناسبات أخرى، إنما تتخذ دائما وفق ما ينسجم مع مصالح هذه الأمة العظيمة ومع ما يتوافق مع استقلالية القرار في كل شأن من شؤونها، وهو ما عناه سمو الأمير نايف على مدى ثلاثة أسابيع من الأحاديث والتصريحات وقد بُحّ صوته وهو يتحدث عن الإرهاب والإرهاب المضاد وعن أقصر الطرق للوصول إلى قادته ومؤيديه وداعميه، متسائلا أين هذا العالم حين كانت المملكة تنادي بالتضييق على الإرهابيين فيما العديد من الدول يؤوي هؤلاء باسم الدفاع عن حقوق الإنسان مقللاً من حجم توقعاتنا المستقبلية للخطر الذي يشكله نشاطهم على أمن الشعوب واستقرارها، وها هو العالم اليوم وبعد عشرين عاما من الانتظار الطويل يستجيب لنداء العقل ويتجاوب مع صيحات التنبيه ونداءات التحذير من هذه الديار المقدسة بعد أن مُس أمنه واستقراره وأصبحت حياة شعوبه في خطر بالتقاء وجهة نظره مع ما كنا نطالب به.
***
على أن الإرهاب شيء، وحق الشعوب المشروع في الدفاع عن أراضيها واستقلالها بكل الوسائل المتاحة شيء آخر، ففي موضوع القضية الفلسطينية كان الأمير نايف مؤيداً ومسانداً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة باستخدام كل السبل التي تضعه على أعتاب الدولة الموعود بها، لكنه بالنسبة للهجوم على المصالح والمنشآت الامريكية في الحادي عشر من سبتمبر اعتبره سموه عملا ارهابيا مرفوضا ويجب الاقتصاص من الفاعلين، مثله مثل التفجيرات التي حدثت في كل من الرياض والمنطقة الشرقية باعتبارها هي الأخرى إرهاباً لاينبغي التسامح مع مرتكبيه.
وووسط هذا الخِضَم من الأحاديث عن الإرهاب لايمكن ان يغيب عن ذواكرنا ذلك الإرهاب الأهم وهو احتلال الحرم المكي الشريف الذي دنس مرتكبوه اقدس بقعة في الكون، كما لايمكن ان نتجاهل أن المملكة قد سبقت الولايات المتحدة الأمريكية باستهداف الارهابيين لأمنها ومصالحها ومقدرات شعبها من عناصر كانت مع شديد الأسف في ضيافة المملكة تعمل في مواقع مهمة مشمولة بالثقة ومحاطة بكل الرعاية والتقدير من حكومة وشعب المملكة العربية السعودية.
***
واذا كان هذا هو حالنا مع الإرهاب وتلك هي علاقتنا به ومعه منذ بداياته المنظمة، الا يثير ذلك الاستهجان حين يأتي من يتحدث عن دور للمملكة في موضوع الإرهاب حيناً أو إلصاق التهمة بكل ما هو سعودي أحياناً أخرى لمجرد وجود عدد محدود ينتمون الى المملكة ومتهمين بالارهاب وهو اتهام لم يثبت بعد بأن لدى أمريكا دليلاً مادياً واحداً يؤكد ضلوعهم في هذا التصرف الذي يتنافى مع تعاليم الإسلام، وهؤلاء سيظلون وكما أعلن سموه يتمتعون بجهد كبير من المملكة للدفاع عنهم ما لم يتبين لنا ضلوعهم بما تتهمهم به الولايات المتحدة الأمريكية.
***
على أنه من المؤسف جداً ان تقوم أمريكا مع وجود علاقة تاريخية متينة بينها وبين المملكة تميزت على الدوام باستجابتها لتحقيق كل ما يحقق المصلحة للبلدين والشعبين الصديقين بتغييب المملكة عن كل ما هو متوفر لديها من معلومات عن السعوديين المتهمين ودورهم في قصف المنشآت الحيوية في الولايات المتحدة الامريكية لتتمكن الجهات المسئولة في المملكة من ممارسة حقها وتقاليدها في الدفاع عن الأبرياء من مواطنيها اذا ما أظهرت ادعاءات أمريكا عدم وجود أدنى علاقة لهم بما حدث مقابل اخلاء مسئوليتها في الدفاع عن أي شخص يثبت لها وجود صلة له في هذه الجريمة أو غيرها من الجرائم المماثلة.
***
لقد تنادى العالم الى التعاون والتحالف لمواجهة الإرهاب والبحث عن مدبري الأعمال الإرهابية أينما وجدوا وحيثما يكونون ، وهي رسالة بليغة تؤكد أن أحداً لايمكن ان يتسامح مع هؤلاء ، ولكن لابد من تذكير الولايات المتحدة بأن مايمارسه اعلامها وإن بدا يظهر شيئاً من التعاطف مع الأبرياء الذين راحوا ضحية أحداث نيويورك وواشنطن وهو شيء معقول، الا انه من المسلمات الاعلامية الصحيحة ان ينأى هذا الاعلام بنفسه عن الاساءة الى معتقدات الشعوب والابتعاد عن اتهام الغير ما لم تكن هناك أدلة دامغة، مثلما يجب تذكير حكومة الولايات المتحدة الامريكية بأن المعالجة الصحيحة والانتقام للابرياء ربما كان من الافضل لو انه تم بغير ما تقوم به وتمارسه الآن، حيث يتعرض الأبرياء في افغانستان الى جحيم نيرانها فيما يظل الفاعل وبعد اسبوعين من الضربات الجوية العنيفة والمتواصلة أبعد عن قدرة الولايات المتحدة على اصطياده أو الوصول إليه أو التعرف على مخبئه بحكم وجوده ربما في ملاذ آمن.
***
إن الذي مُورس مع كثير من السعوديين المبتعثين للدراسة تحديداً من جهات أمنية واستخباراتية في الولايات المتحدة الامريكية في اعقاب الهجوم على مركز التجارة العالمي لايمكن تصنيفه على انه عمل طبيعي استدعته ظروف ما سُمي بالحرب على امريكا، لأن اقحام هؤلاء الأبرياء في مشكلة بهذا الحجم وإيقافهم والتحقيق معهم مع عدم وجود مايحوم حول علاقتهم بمثل هذه الأعمال من شبهات وان أطلق سراحهم فيما بعد قد اساء اليهم وعرّضهم للكثير من المتاعب التي كانت تقتضي الحكمة بعدم التعرض لهم لو كان هناك حضور مسئول يتسم بالتصرف الرشيد والمعاملة الكريمة في مثل هذه الحالات.
***
إننا ننتظر اعتذاراً من السلطات المختصة في الولايات المتحدة الامريكية لكل من قيد من الجو أو الأرض من السعوديين الى التحقيق وهم أبرياء، ودولة مثل امريكا تعتبر دولة المؤسسات ودولة الدفاع عن حقوق الانسان ودولة القانون أزعم بأنها إن بادرت إلى الاعتذار لهؤلاء إنما تقوم بما يرسِّخ المبادئ التي تباهي بها، وهي ان لم تفعل فعليها ان تعرف لماذا هذه الشعوب وان تواضعت امكاناتها تحمل هذا الحجم الكبير من الكراهية لهذه الدولة أو تلك، فلربما كان ذلك بسبب موقف صغير وقد يكون لتصرف خاطئ وقد يجيء استجابة لمؤثرات تجهلها حتى الدول الكبرى وقد تدركها.
***
أريد أن أقول إن هناك فرقاً بين الاسلام بسماحته ودعوته الى السلام وبين المسلم الذي يخرج عن تعاليمه ويمارس من الاعمال والافعال مايخالف روح الاسلام ونصه، وهذا ما ركز عليه سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز، إذ لايمكن أن يتحمل الاسلام خروج من ينتمي اليه عن تعاليمه، مثلما هو الحال مع المواطن السعودي الذي قد يتصرف بما يسيء الى بلده، لكن الأسوأ في ذلك ان يتم التعامل مع المملكة كوطن ومع كل سعودي كمواطن على أن هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص الذين ارتكبوا هذا العمل أو هذه الأعمال التي تتنافى مع الاسلام هم كل السعوديين، وهذا بعض ما عناه الأمير نايف في كل أحاديثه وفي جميع لقاءاته، وسموه لايريد أكثر من إطلاعه على مجريات التحقيق مع المتهمين السعوديين، حتى تقول المملكة كلمتها التي تعرف الولايات المتحدة وزنها وحجمها وتأثيرها.
***
أجل...
لقد كان نايف بن عبدالعزيز كبيراً وهو يتحدث عن الإرهاب، وكبيراً وهو يتحدث عن قضية فلسطين، وكبيراً وهو يتحدث عن السعوديين المتهمين بالإرهاب، وهكذا هو دائماً عين العقل والرجل الحكيم.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved