| محليــات
ياسيدتي...
كنتُ إليكِ اللَّحظة، أبثّكِ شيئاً ممَّا يعتلج...، سألتكِ أيمكن أن يلجم الإنسان صوته، وهو بَعْدُ لم يبدأ الكلام؟... لا أدري لماذا أخذتِ تنظرين بصمت دون أن تتحدَّثي...، وإنَّني كنت مَشوقة لسماع ولو همسة واحدة منكِ...، غير أنَّني قرأتُ في صمتكِ ما أردتِ أن تقوليه...، وأجل...، أجل يا نوَّارة «ليس كلَّ ما يُعرف يقال»...، وفي مثل هذا الزمن كلُّ شيء غدا معروفاً، لذلك قلَّت الحاجة إلى الكلام...
نوَّارة...
كان معكِ للكلام كلام...
حتى أنَّ له رائحة، وطعماً...
الآن أدركتُ شيئاً ممَّا علمتِني إيّاه تلميحاً...، عرَفْتُ طعم الصمت، ورائحته، بل دلالاته...،... وجدته يا نوَّارة أشدّ صوتاً، وضجيجاً، من الصَّوت...، فصوت الصَّمت أبلغ من صوت الصَّوت...
أتدرين أنَّني أرغب في إفشاء هذه الرغبة لكلِّ الناطقين بصوتٍ، مهما تعددت وسائل أصواتهم لأن يمنحوا أنفسهم لحظة التعبير صمتاً...، فكيف لو توقف هدير المطابع، وارسال الكاميرات، وبثُّ الاذاعات، ومكبرات الجامعات، ومدرجات قاعات التعليم، وحجرات الاجتماعات، حتى الأسواق، والطرق... وحيث يكون الإنسان؟!....
وكيف يا نوَّارة لو منح الإنسان لسانه، ويده راحةً للحظات دون أن يتفوَّه بكلمة منطوقة أو مكتوبة، وترك للصَّمت في جوارحه أن ينطق؟...
ياسيدتي سئمتُُ الذي يكون...
سئمتُ السأم الذي يخيِّم على جباه الكون في وجوه البشر، وأسطحة الأشياء، وواجهات الجماد...، سئمتُ أن يهرب عصفورٌ من أزيز حركة عجلات العربات، وأن تُدهس النَّملة تحت عجلات الأحذية الضوئية..
سئمتُ ترف الإنسان وهو يسدر في مطلق أنانيته لا يعنيه شيء، ولا يبالي بآخر.
سئمتُ هذا القتل البطيء لكلِّ القيم، والمفاهيم، ولاستقرار لوحة الحياة في زمنٍ الناس كلُّهم يمارسون الهروب...، سئمتُ رؤية التشرد، وفزع الخوف، ودموع الفجيعة على أوجه البريئين، والدَّاكنين على حدٍّ سواء...
سئمتُ العبث بخيوط المشاعر في تركيبة نسيج الإنسان فوق الأرض...، وسئمتُ كما سئم الآخرون كلَّ الذي يمدُّ إلى تركيبة الضياء ازميلاً فيحفر فيه للثقوب، والخدوش...
أتدرين يا نوَّارة أنَّ تركيبة النور قد بُثرت بثقوب العبث؟... وكيف للإنسان أن يستعيد وجهه في تيار الضياع؟...
أتدرين يا نوَّارة أنَّ شيئاً من حِكمكِ لم يأتِ زمن نُطقت فيه تفاصيلها بمثل ما هي تنطق بحدَّة في هذا الزمن؟...
تُرى يا نوَّارة لو منح الإنسان نفسه فرصة التبصُّر في حكمة الصمت ولو للحظة هل كان سيفعل؟..
وتُرى يا نوَّارة لو فعل، هل سيجد نفسه يلجم كلَّ منفذ كي لايستمع إلاَّ إلى صوت الصَّمت؟
هذه الأرض تضجُّ...
حتى الصَّمت ألجم صوته يا سيدتي...
ونحن على مشارف السؤال...، وسوف نغرق في بؤرة الاستفهام...، ولا أدري أي الأشياء سوف تنهال كي تدفن مع السؤال سؤالاً...، وهل سيأتي اليوم الذي أكون فيه وإياكِ نشارف على مقدمة البؤرة كي نشهد موت أو حياة السؤال؟
لكِ منّي كلَّ الذي غرستِه...
ولي منكِ كلَّ الذي تلقَّيْتُ منكِ...
و... ليصمت الصَّمت...
أو ليضجَّ الصَّوت...
أو ليصمت الصَّوت...
أو ليضجَّ الصَّمت...
فالكون ماضٍ... والإنسان سيد المفاجآت، مُنَطِّق الفجائع.
|
|
|
|
|