| متابعة
* القاهرة مكتب الجزيرة بهاء محمد:
لا يفطن المرء إليها بسهولة فهي قد تتخفى وراء العديد من الأشياء على سطح ورقة مرسلة بالبريد أو باللمس أو الاحتكاك أو أي من طرق التوصيل، وعندما تستوطن الجسم البشري تفتك به.. انها القاتل الصامت الذي اثارالذعر والهلع في قلب الولايات المتحدة الأمريكية بعد الهلع الذي أصابها من جراء التفجيرات الارهابية الأخيرة.
والقاتل الصامت هذه المرة يدعى الجمرة الخبيثة والتي لفتت بصواريخها الجرثومية أنظار العالم إلى تواجدها وتأثيرها الفتاك كواحدة من أقوى الأسلحة البيولوجية التي يمكن استخدامها.
فما هي الجمرة الخبيثة، وما حدود تصنيعها وراثياً ومعملياً، وتأثيرها القاتل واستخداماتها وطرق الوقاية؟ حول هذه التساؤلات وغيرها استطلعت الجزيرة آراء نخبة من العلماء والأطباء.
شراسة
يؤكد الدكتور أحمد مستجير استاذ الهندسة الوراثية في البداية أن مرض الجمرة الخبيثة تسببه بكتيريا AnthraxBacilli التي توجد عادة في الماشية وتنتقل للإنسان بالاحتكاك بالحيوان المصاب أو منتجاته أو أجزائه كالشعر والصوف والحوافر والعظام وتظهر أعراض المرض بعد ستة أيام وتبدأ كما الانفلونزا بارتفاع في درجة الحرارة والإجهاد العام وتنتهي بإصابة الجهاز التنفسي وارتشاح في الرئة ويتم التشخيص عن طريق أخذ عينة من الجلد أو مسحة من الحلق أو من البصاق. والجمرة الخبية نوعان: نوع يصيب الجلد ويظهر في شكل حبة صغيرة على الجلد تكبر في الحجم ويكون حولها احمرار وتحوصل ثم تتقرح في الوسط ويخرج منها سائل مدمدم مع تضخم في الغدد الليمفاوية المجاورة ويصحب ذلك إجهاد عام وصداع وسخونة مصحوبة بالقيء.
النوع الثاني وهو الجمرة التي تصيب الصدر حيث يتضاعف الميكروب بسرعة في الغدد الليمفاوية في الصدر ويحدث رشح في الرئة وتكون الأعراض الأولية سببها الأنفلونزا وتزداد درجة الحرارة وفي أيام قليلة يحدث هبوط شديد وغيبوبة ونزيف ووفاة،
ويضيف أحمد مستجير أن الجمرة الخبيثة ميكروب لا يحتاج لتدخل الهندسة الوراثية لجعله أشرس مما هو عليه فما بالنا لو تدخلت الهندسة الوراثية فهناك العديد من الأشياء التي حدث بها تطور وراثي مثل الطاعون السوبر الذي تم تصنيعه بواسطة الاتحاد السوفيتي بحيث لايؤثر فيه التطعيم المتاح ضد الطاعون
وكذلك 27 نوعاً من المضادات الحيوية التي كان لها تأثير على هذا النوع من البكتريا، وكذلك فيروس حمى الرنج والتيفوس، كما تمكن بعض العلماء من وضع جينات بعض الفيروسات أو البكتريا القاتلة داخل التركيب الجيني لبعض أنواع البكتريا غير الضارة والموجودة بشكل متكاثر في الأمعاء وبذلك يصعب اكتشاف الميكروب المسبب للمرض بالطرق العادية، وتدخل الجمرة الخبيثة ضمن هذا حيث لا يمكن فحص الجمرة المصنعة إلا بالطرق الحديثة حيث يتم فحص الميكروب جينيا للوصول إلى البصمة الجينية للميكروب.
وعلى هذا الأساس لايتم استبعاد امكانية استخدام الجمرة الخبيثة ضمن الحرب البيولوجية فتاريخ الأسلحة البيولوجية قديم بعضها كانت تتم عن طريق تلويث مصادر المياه عن طريق إلقاء الجثث التي توفي أصحابها بوباء مثل الكوليرا أو الطاعون،
وبعضها استحدثه الهنود الحمر عن طريق استخراج مادة سامة من الضفادع هي الكورال ويتم وضعها بمقدمة السهم فإذا لم يصب الانسان في مكان قاتل يقوم بتسميم الجسد ويقضي عليه، وفي الفترة التي كانت فيها القوات الانجليزية تحتل أمريكا كانوا يرسلون الأغطية (البطاطين) إليهم ملوثة بالميكروبات والجراثيم المرضية ومنها الجدري، وكان الغرض منها انتشار المرض بينهم في شكل وباء يقضي عليهم وتصبح الأرض للهنود الحمر.
كما أنني أتذكر جماعة تدعى أوم شيزيكيو في اليابان عام 1998م عندما ذهبت إلى زائير الكونغو الديمقراطية بحجة المساعدة ضد وباء الايبولا الذي انتشر هناك ثم تبين بعد ذلك أنهم ذهبوا من أجل أخذ عينات من فيروس الايبولا لتصنيعه كسلاح بيولوجي.
أول ظهور
ومن جهته يرى الدكتور عزالذين الدنشاري أستاذ السموم بصيدلة القاهرة أن أول ظهور للجمرة الخبيثة المصنعة كان عام 1979م حيث تسرب هذا الميكروب من أحد مصانع الأدوية في الاتحاد السوفيتي وأصاب 68 شخصاً وأدت الاصابة إلى وفاتهم وهذا ما افتضح أمر وجود مصانع في الاتحاد السوفيتي تعمل على تصنيع أسلحة جرثومية إلا ان الاتحاد السوفيتي أنكر ذلك وقالوا ان وباء الجمرة الخبيثة حدث نتيجة استيراد شحنات من اللحوم الفاسدة من السوق السوداء علماً بأن الانثراكس (الجمرة الخبيثة) يمكن الاصابة بها بثلاث طرق إما عن طريق التنفس أو عن طريق الأكل أو عن طريق الجلد وبعد 13 سنة من الحادثة اعترف الاتحاد السوفيتي بهذه الجريمة وأن السبب في التسرب حدث نتيجة عطل في فلاتر المصانع التي تنتج الاسلحة البيولوجية.
ومن جهته يرى الدكتور أحمد شوقي استاذ علم الوراثة بجامعة الزقازيق علينا أن ندرك أولاً أنه توجد وسائل تقليدية متبعة من قبل للتلقيح ضد الميكروبات، فهناك لقاح لفيروس الجدري مثلاً، وبالمناسبة فإن فيروس الجدري من أهم الفيروسات التي استخدمت في الحرب البيولوجية.
ولكن منظمة الصحة العالمية استطاعت أن تقضي عليه وتعلن نهاية الجدري في العالم، ولكن حدث أن امريكا قامت باحتجاز عينات مجمدة من الجدري بدعوى عمل دراسات على الفيروس.
أما في حالة الجمرة الخبيثة فقد نجح العلماء في تحضير لقاح لها ولكن التلقيح صعب حيث يستلزم 6 جرعات على مدى 18 شهراً ، وقد أمكن التغلب على هذه المشكلة غير أن القضية تكمن في إمكانية التصنيع في أي مصنع أدوية بسيط وبإمكانيات مادية قليلة وعلى ذلك نجد ان السلاح البيولوجي أرخص أنواع أسلحة الدمار الشامل وهو أفضلها من حيث التدمير وقد حدث في مترو أنفاق طوكيو أن قامت بعض الجماعات بتسريب غاز (السارين) فتسبب ذلك في وفاة 18 واصابة 5500 شخص باصابات مختلفة وكان يمكن ان يحدث أكثر نسبة من الوفيات والاصابات لو لا ان حدث خطأ في تحضير الغاز، والجدير بالذكر هنا ان مدير خدمات الطوارىء في مدينة نيويورك أعلن في تعليق له عقب الحادث ان ذلك يمكن ان يحدث هنا في امريكا فما أسهل أن يلقي احد هؤلاء الارهابيين بمادة ياراثايون السامة في هواء التكييف المركزي أو التدفئة المركزية لإحدى ناطحات السحاب حتى تحدث كارثة مخيفة ومحققة يذهب ضحيتها الآلاف الذين يتنفسون هذه المادة.
صفات نموذجية
ويؤكد الدكتور عبدالهادي مصباح أستاذ المناعة بطب القاهرة ان الجمرة الخبيثة أو بكتيريا الانثراكس من أخطر السموم التي يتم تصنيعها حيث يكفي استنشاق واحد على مليون من الجرام منه لقتل إنسان ضخم الجثة، كما تدخل علم الهندسة الوراثية والبيولوجيا الجزيئية والمناعة في هندسة بعض الكائنات وراثياً بحيث لا يؤثر فيها التطعيم الدي تم تحضيره. بناء على التركيب الجيني للكائنات العادية وليست الهندسة وراثياً ، وكذلك الحال بالنسبة للمضادات الحيوية بحيث لا تؤثر في هذا الميكروب الجديد، وهناك العديد من السيناريوهات التي تمت مناقشتها بالفعل من قبل في مؤتمرات علمية بالولايات المتحدة الأمريكية وحذرت من إمكانية حدوث عمل إرهابي باستخدام بكتيريا الانثراكس المميتة (الجمرة الخبيثة) وكذلك غيرها من الاسلحة البيولوجية وتمتلك الجمرة الخبيثة عدة خصائص تجعلها الاستخدام الأمثل كسلاح بيولوجي ومن أهم هذه الخصائص هي سرعة انتشار وإحداث العدوى ومدى السمية التي تحدثها في حالة الجو المتقلبة وسهولة تصنيع وتخزين كميات كبيرة في حالات نشطة، والقدرة على احداث المرض بشكل مؤثر ومميت، وبناء على الصفات السابقة فان الجمرة الخبيثة وكذلك الفيروس المسبب لمرض الجدري نموذجان مثاليان لهذه الصفات.
وعن كيفة التصدي ومقاومة المرض يقول الدكتور علي قطب استاذ المناعة انه يوجد أفراد لديهم القدرة على مقاومة العدوى وأفراد أخرون ليست لديهم هذه القدرة ويعود ذلك لسببين رئيسيين الأول العوامل الوراثية فقد يكون جهاز المناعة لدى شخص ما ضعيفاً أو قوياً وراثياً وهذا لايمكن بالطبع التحكم فيه، ثانياً هناك عوامل أخرى حياتية يمكن ان تقوي أو تضعف أو تتلف جهاز المناعة، فمن العوامل التي تضعف جهاز المناعة التدخين والمخدرات والتلوث البيئي بأنواعه والتلوث الاشعاعي والاجهاد الزائد وعدم الحصول علي قسط وافر من الراحة والأرق والعوامل الانفعالية، بالاضافة الي الاصابة ببعض الفيروسات مثل الإيدز الذي يفترس جهاز المناعة، والجسم ممكن ان ينتصر على المرض دون دواء وأقول ممكن وليس مؤكداً لأن داخل الجسم طاقات لا حصر لها ولم نتمكن حتى الآن من اكتشافها جميعها.
أما عن العوامل التي تساعد وتقوي جهاز المناعة فقد حددها العلماء في عشر وصابا أهمها الاهتمام بالتغذية وتناول مضادات الأكسدة الموجودة في الخضروات والفاكهة والزيوت النباتية وزيت السمك فقد ثبت ان بها مواد تقوى جهاز المناعة شأنها شأن نوعيات من الأعشاب مثل الزنجبيل والعرقسوس والثوم والبصل والقرنبيط كذلك الاهتمام بالرياضة البدنية لأنها من العوامل التي تنشط جهاز المناعة.
|
|
|
|
|