مَنْ لي، ومَنْ لصغيرتي وصغيري
في زحمةِ الغاراتِ والتفجيرِ؟
مَنْ لي، إذا هَجَم الظلامُ، وليس لي
إلاَّ رُكام المنزلِ المطمور؟
مَنْ لي، إذا جُنَّ الرَّصاص وأتقنتْ
لغةُ المَدافعِ لهجةَ التدمير؟
وإذا تبدَّلتِ المعالمُ كلُّها
وتحيَّرتْ في الأمر عينُ بَصيرِ؟
وإذا تراءى وجهُ كلِّ رزيَّةٍ
والأهلُ بين مُجندَلٍ وأَسير؟
يا عصرَ مَرْكَبَةِ الفَضاءِ، أما ترى
في الأرض وجهَ فقيرةٍ وفقيرِ؟!
أَوَما ترى في الأرض بغياً ظاهراً
يبني على المأساة دارَ فجورِ؟!
أَوَ ما تشاهد في الملاجئ صورةً
للبؤس تغلب صَبْرَ كلِّ صَبور؟
يا عَصْرَ مركبةِ الفضاءِ، إلى متى
تغزو الفضاءَ بعقلكَ المغرور؟
وإلى متى تجتازُ حدَّكَ غافلاً
عمَّا وراءَ الكونِ من تدبيرِ؟
انْظُرْ إلى الأرض التي أشعلتَها
بالمُوبقاتِ وبالهوى المَسْعور
لا تَنْسَ أنَّ الأرضَ تحتَكَ تشتكي
من بَغْي طاغوتٍ وكُفْر كَفورِ
يا مَنْ رفعتم للفضاءِ رؤوسَكم
والأرض منكم في أشدِّ نُفور
صوغوا قوانينَ الحروب لبعضكم
لكنْ، دعوا عيشي بلا تكدير
أنا والصِّغارُ على الرَّصيفِ، وأنتمو
تتدارسونَ وسائلَ التَّغييرِ
وتناقشون بدايةَ الحربِ التي
ستزيد من قتلٍ ومن تَهجير
فَلْتعقدوا آلافَ مؤتمراتكم
وَلْتُلْحِقُوا التقريرَ بالتقريرِ
لكنْ، هَبُوني كسرةً من خبزةٍ
نَسيتْ متى خرجتْ من التنُّور
وإذا تكرَّمْتُم برُبْعِ وسادةٍ
وبنصفِ مِلْحَفَةٍ ونصفِ حصيرِ
فأنا أَنام على الجنادلِ والثَّرى
وعلى رَصاص الغارةِ المنثور
يا عصرَ مَرْكَبَةِ الفَضاءِ إلى متى
تلقى مآسينا بموتِ ضَمير؟
وإلى متى يبقى فؤادُكَ قاسياً
وإلى متى تبقى بغيرِ شعورِ؟
هلاَّ قرأتَ ملامحَ الأمِّ التي
ذَبُلَتْ محاسنُ وجهها المذعورِ
هلاَّ استمعْتَ إلى بكاءِ صغيرها
وإلى أَنينِ فؤادها المفطورِ
هلاَّ نظرتَ إلى دموع عَفافها
وإلى جناحِ إبائها المكسور
أنا يا دُعاةَ الحربِ أُمٌّ، يا تُرى
هل تفهمون دِلالةَ التَّعبيرِ؟!
خوفي على الأطفالِ أحرق مُهجتي
فأنا وهم في خندقٍ محفورِ
زوجي تَخطَّفه الرَّصاصُ عشيَّةً
فمضى بفرحةِ خاطري وسروري
وأبي العزيزُ تناثرتْ أَشلاؤه
في يومِ قَصْفٍ غاشمٍ مَسْعورِ
أنا أمُّ أَطفالٍ صغارٍ، لم تَزَلْ
تشكو وُعورةَ دربها المهجور
هرَبتْ من القَصْف الشديد فواجهتْ
شَبَحَ الفَناءِ وظُلْمةَ الدَّيْجور
أنا أمُّ أطفالٍ صغارٍ لم تجدْ
مأوى، ولم تَظْفَرْ بعطفِ مُجيرِ؟
أوَما سمعتم صرختي وتوجُّعي
أوَما فهمتم ما يقول صغيري؟
إني أقول لكلِّ صاحبِ حكمةٍ
فيكم، وكلِّ مفوَّضٍ وسَفيرِ:
أَتُعاقبونَ بنا الجُناةَ، أَما لكم
وعيٌ يقوِّم منهجَ التَّفكير؟!
أَيُحارَبُ الإِرهابُ بي وَبِصِبْيَتي
وبقطع أعناقٍ وطَعْنِ ظُهور؟!
أَوَ كلَّما ارتكبَ الجُناةُ جريمةً
هُدِمَتْ على درب الأنين جُسوري؟!
وتحطَّمتْ آمالُ أَطفالي بما
نَلْقاه من رُعْبٍ ومن تَقتير؟
ماذا يُفيد غذاؤكم، إنْ لم أجدْ
أَمْناً، ولم أسمعْ نَشيدَ طيورِ؟
عَجَباً لكم، أَمِنَ الحَضارةِ ما أرى
من حَمْلةِ الإِرجافِ والتَّشهيرِ؟
أنا لستُ أعرفُ للحضارة صورةً
مرسومةً بالوهم والتزويرِ
أَنا أمُّ أطفالٍ صغارٍ فارحموا
معنى الأمومةِ واعذروا «تَقصيري»
أختاه يا أُمَّ الصِّغار تعلَّقي
باللهِ، إنَّ اللهَ خَيْرُ نَصير
في لحظةِ اليأس العميقةِ، حينما
نهفو إليه، يجود بالتيسير
قولي معي أُختاه قَوْلَة مؤمنٍ
لا ينثني لوسائل التخدير:
كم أُمةٍ سكرتْ بكأسِ غرورها
ذَهَبَ الإله بجيشها الأُسطوري