أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 17th October,2001 العدد:10611الطبعةالاولـي الاربعاء 30 ,رجب 1422

مقـالات

الحرب في أفغانستان هل تنقلب إلى حرب تسوية حسابات وثارات بين الإمبراطوريات؟
د. عبدالله بن سالم الزهراني
انطلقت الحرب في أفغانستان أو ما يسمى بأولى حروب القرن في يوم الأحد الموافق 20/7/1422ه تحت شعار هدف معلن هو القضاء على الإرهاب والإرهابيين ونشر العدالة. وكانت الحرب هي الوسيلة الوحيدة التي أتيحت وطرحت على المجتمع الدولي بأكمله للرد على الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية وتمثل في تدمير مركزي التجارة العالمية وتدمير جزء من مبنى وزارة الدفاع الأمريكية وما تسبب فيه ذلك من إزهاق لآلاف الأنفس البريئة التي كانت تعمل في تلك المباني التي تكاد تكون من مختلف الجنسيات وخاصة في مبنى التجارة العالمية لأنه يضم شركات عالمية ومندوبين وممثلين لاعمال تجارية وشركات من قرابة ثمانين دولة. صحيح ان مواطني الولايات المتحدة العاملين هناك كانوا الأكثر ولكن دول مثل بريطانيا لها أعداد كبيرة حيث فقدت قرابة 300 مواطن هناك. والحقيقة التي لم تظهر بشكل واضح هو ان هناك أعدادا كبيرة من المسلمين توفوا في هذه الحادثة الإرهابية على برجي التجارة العالمية قدرها البعض بحوالي 700 والبعض قدرها بأكثر من 1000 شخص.
لقد كان أول الشعارات الإعلامية عن هذا الهجوم الارهابي التي تتصدر عناوين وسائل الإعلام في أمريكا، هو ان امريكا واقعة تحت الهجوم، ثم تغير هذا الشعار بسرعة وبهدف مقصود اقتضاه هول الكارثة حيث أصبح تحت عنوان الحرب على أمريكا. اي ان هناك حربا خارجية على أمريكا وهذا يعني ان لأمريكا الحق في الرد على هذه الحرب بموجب ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على مبدأ الدفاع عن النفس عند التعرض للهجوم.
لقد كانت الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج مثل الهجوم على السفارتين الأمريكيتين في دار السلام ونيروبي دافعة وحافزة لاستثارة أمريكا للرد بضربات صاروخية محددة على ما اعتقدته في ذلك الوقت انه مصادر الإرهاب، حيث طال الهجوم مراكز وتجمعات تدريبية عسكرية لما سموه في حينه قواعد إرهابية في أفغانستان.
كما طال القصف مصنع الشفاء في السودان الذي كان الاعتقاد السائد في حينه من قبل أمريكا أنه ممول من جهة تدعم الإرهاب. ومنذ ذلك الحين والولايات المتحدة تطالب حكومة طالبان في أفغانستان بتسليم من تعتقد أنهم وراء الإرهاب الذي تعرضت له السفارتان وخاصة بعد القبض على بعض المشتبه فيهم والادلاء بمعلومات عمن يقف وراء التمويل والتخطيط وتحديد أماكنهم في افغانستان. وزاد من ذلك الهجوم على المدمرة كول في ميناء عدن حيث ازداد الإصرار الامريكي على تسليم هؤلاء من قبل حكومة طالبان. ان هذه الهجمات والهجمات الإرهابية التي حصلت في الخبر والرياض بالمملكة العربية السعودية ضد مصالح أمريكية جعلت امريكا تدرس وتفكر في الكيفية التي ترد بها على هذه الهجمات الإرهابية.
ويمكن القول ان الرد الذي خططت له الولايات المتحدة لم يكن ليقتصر على هجمات صاروخية محددة وليوم واحد ولكنها كانت ربما تخطط لضربات موجعة ومؤثرة وبالتحديد على أفغانستان. ولعل امريكا كانت تنتظر هجمة إرهابية ليس في الداخل ولكنها في الخارج لتقوم بعملية الرد لأن الولايات المتحدة وصلت إلى مرحلة لم يعد فيها ضبط النفس والسكوت ممكنا وتلقي مزيد من الهجمات الإرهابية.
إن الهجوم الارهابي هذه المرة ضد أمريكا لم يكن خارجيا ولكن في العمق الامريكي وفي القلب النابض لأمريكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. إن هذا الهجوم كان القشة التي قصمت ظهر البعير، والحقيقة أنها لم تكن قشة وإنما كانت صخرة ضخمة. وهي ليست قاصمة لظهر امريكا ولكنها ايضا قاصمة لظهور الكثيرين لان اقتصاد العالم أصبح متشابكا والضرر سيعم وإن كان تأثر امريكا بشكل أكبر.
إن نتائج الحرب على الإرهابيين ستكون حسب التخطيط قاصمة للارهاب والإرهابيين وهذا مطلب للعالم جميعه ولكن تبعات هذه الحرب ستطول العالم بأسره بنسب ودرجات مختلفة.
ربما ظن المخططون لهذا الهجوم الإرهابي ان الرد سيكون كما هو الحال في الحالات الإرهابية السابقة ولكن التوقع خاطئ حيث من المفترض ان يتوقعوا ان الرد على قدر الكارثة. هذا الهجوم الإرهابي كان مدمرا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. قتل ما يقرب من سبعة آلاف إنسان في يوم واحد وهذا كفيل بإعلان حرب مباشرة وربما استخدام أبشع أنواع الأسلحة ولو كان هناك عدو مرئي وبشكل مباشر في ذلك الوقت لما ترددت أمريكا في استخدام السلاح النووي.
لقد كان تدميرا اقتصاديا للولايات المتحدة من خلال تدمير هذين المبنيين بأجهزتهما ومحتوياتهما وتكاليف إنشائهما بالإضافة الى العديد من المباني المجاورة والطائرات التي فقدت بالهجوم عليهما. التدمير المالي يشمل أيضا خسائر التأمين على تلك المباني والمكاتب والأنفس وهذه مبالغ ضخمة. التدمير المالي يشتمل ايضا على الإغلاق لبورصة نيويوك لعدة ايام كما يشمل انخفاض الأسهم وبشكل حاد كما يشمل التدمير المالي ضرب أكبر مؤسسات النقل المتمثلة في شركات الطيران والخسائر الفادحة التي تكبدتها. وفوق هذا وذاك التدمير النفسي للشعب الأمريكي وإحباطه وإحجامه وربما حتى اليوم عن العودة إلى الحياة اليومية العادية التي كانوا عليها قبل الحادي عشر من سبتمبر وبمرور الوقت يعتقد ان خسائر الولايات المتحدة ستتجاوز المائة مليار دولار بكثير ناهيك عن خسائر العالم التي لا تقل عن خسائر الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر. كما ان هذا الهجوم الإرهابي طعن كبرياء أمريكا وكرامتها وانتقص من هيبتها. ولذا فإن كل جانب من هذه الجوانب كفيل بإعلان الحرب عند ثبوت من يقف وراء هذا الهجوم الإرهابي.
ولقد أدركت الولايات المتحدة وقررت أن رد الاعتبار لن يكون إلا بطرح خيار الحرب ولا بديل او خيار غير ذلك. كما قررت ايضا ان هذه الحرب لابد ان تكون من نوع مختلف ليس مسبوقا في أسلوبه وربما في بعض أسلحته. ومن قرارات هذه الحرب غير المسبوقة هو ان تكون مسنودة بأساليب استخبارية مع أكبر عدد من الدول، أي شن حرب سرية مرتبطة بتبادل المعلومات عن الإرهاب والمشتبه فيهم ومراقبة تحركاتهم وربما قتلهم أو اعتقالهم على أفضل الاحوال. كما دعمت هذه الحرب العسكرية بتجفيف المصادر ومراقبة الحسابات ووضعت القوائم بعدد من المؤسسات والافراد التي ثبت أو التي مشتبه بتمويلها الإرهاب. وهي قابلة للزيادة على كل حال. إذاً هذه الحرب غير مسبوقة في أسلوبها وتنظيمها وكذلك في كثير من أهدافها كما أنها قد تكون غير مسبوقة في عدم تحديد المدة لها أي أنها حرب مفتوحة.
إن هذه الحرب المفتوحة غير مضمونة النتائج وقابلة لتحولات إقليمية ودولية وقابلة لتداخلات قد تكون غير مسبوقة أيضا. لقد تعرضت افغانستان لتدخل من قبل الامبراطورية البريطانية منذ القرن الثامن عشر ودخلت في حرب مع الافغان ثلاث مرات وكانت الخاسرة فيها بريطانيا بشريا وماديا ومعنويا. كما ان بريطانيا تدخلت وبقوة في هذه الحرب ضد الإرهاب في افغانستان واضافت بريطانيا الى هدف القضاء على الإرهاب هدف القضاء على مصدر المخدرات التي قال رئيس الوزراء البريطاني بلير: ان 90% من المخدرات تأتي الى المملكة المتحدة من افغانستان. وهذا الهدف وحده يعني بقاء قوة بريطانية في افغانستان تراقب وتتتبع مزارع الحشيش هناك. ولكن ألا يمكن ان تسيطر رغبة انجلترا في الانتقام من افغانستان إزاء ما حصل لها من هزيمة في حروبها السابقة في افغانستان؟ أليس ذلك ربما يكون واحدا من الاهداف غير المعلنة خاصة وأن الافغان يذكرون العالم بذلك التاريخ المجيد بانتصارهم على الإمبراطورية البريطانية وبالذات هذه الايام لتذكير أمريكا بذلك وأنها قد تلقى نفس المصير؟
لقد تلقى الروس هزيمة منكرة ايضا بعد تدخلهم العسكري عام 1979م في افغانستان وخروجهم مهزومين شر هزيمة من افغانستان عام 1989م. الروس يدركون أن الافغان وحدهم لم يكونوا السبب في هزيمتهم وإنما كان ذلك بالدعم المادي والمتمثل في السلاح الأمريكي المتطور وبالذات صواريخ استنجر التي كان لها دور رئيسي في ضرب السلاح الجوي الروسي. ربما لا يعرف البعض ان الروس فقدوا ألف طائرة من مختلف الانواع في تلك الحرب الافغانية الروسية بالاضافة الى المدرعات والمدافع التي لا تزال بقاياها متناثرة على الجبال والتلال والطرقات وكل ذلك كان بمساعدات خارجية كان لامريكا دور كبير فيها.
أليس ذلك ممكنا أن يدفع الروس الى الثأر والانتقام من الأفغان وأمريكا في وقت واحد اذا استمرت الحرب طويلا، وذلك من خلال تزويد الأفغان بالسلاح خاصة إذا دخل الأمريكيون أفغانستان وصمموا على البقاء مدة طويلة؟ لن يقتصر الأمر على تزويد الأفغان بالسلاح بل سيمتد ذلك الى تزويد الطاجيك وحثهم على التخلص من الأمريكيين من على أراضيهم حيث ان الامريكيين وصلت طلائعهم إلى طاجكستان وتركمنستان كما ان غرغيستان تتطلع وتدعو الأمريكان إلى hراضيها. الروس ربما يلجأون إلى خلق حركات وفصائل مناهضة في تلك الدول المجاورة لافغانستان لكي تقاوم وجود الأمريكان، وهي بذلك التصرف ربما تهدف الى ضرب عصفورين بحجر أحدهما الثأر من أمريكا والآخر إضعاف هذه الدول الإسلامية المجاورة التي قد تتكون بها حركات تقاتل بعضها بعد خروج الامريكان للحصول على السلطة وتظل روسيا تتفرج وتمد الفرقاء بالسلاح. وبذلك يكون الوضع في تلك المنطقة مضطربا فلا تنعم أمريكا بالتواجد هناك وضمان مصادر الثروة البترولية في دول بحر قزوين وتبقى دوله منغمسة في الاقتتال. أمريكا من جانبها من خلال هدفها المعلن تسعى الى القضاء على الارهاب ليس فقط من خلال تدمير قواعده وأفراده في افغانستان وإنما ايضا من خلال تدمير واقتلاع حكم طالبان واستبداله حيث انها حكومة تحمي الإرهاب كما تقول أمريكا وحسب أدلتها وقناعتها التي اقنعت بها العالم. صحيح ان العالم تحالف مع أمريكا لمحاربة الإرهابيين في افغانستان ولكن العالم لم يتحالف من اجل إزالة حكومة طالبان أو غيرها. إن هذا لا يعني ان طالبان نموذج للحكم يمكن ان يحتذى به ولكن مبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للدول مرفوض ويتنافى مع قوانين وأنظمة الأمم المتحدة وأعراف العالم.
ان الخوف هو من ان ما تقوم به الولايات المتحدة من تغيير قسري لحكومة طالبان والسعي الى تكوين حكومة ترتضيها هي في ان يكون سابقة تحتذى وتنفذ تباعا من أمريكا او من غيرها بطريقة سافرة ومكشوفة. ورغم ان طالبان لن تصلح ان تكون حكومة للافغان بعد هذه الحرب نتيجة لتصرفاتها وسياساتها الخارجية والداخلية غير الموفقة إلا أن تغيير الحكومة لابد ان يكون من خلال الشعب الافغاني. يجب ان تدرك أمريكا جيدا ان الشعب الافغاني لا يقبل حكومة مفروضة عليه لان مبدأ الفرض مرفوض في أساسه كمبدأ عند جميع الشعوب في العالم كما ان الافغان ليسوا ذلك المجتمع الذي يقبل بأي حكومة يراها من هم في الخارج أنها الأصلح والأنسب.
المجتمع الأفغاني مجتمع قبلي متدين يضم قبائل وأعراقا يرون أن لكل منها حقوقا في المشاركة في الحكم. هناك البشتون والطاجيك والازبك والهزارة وغيرهم من الأعراق. هذه القبائل بمجرد ان يعلن شيوخها الحرب يجدون أمامهم الآلاف ولا ننسى ان كل القبائل مسلحة. هل تنصب الولايات المتحدة الامريكية حكومة في أفغانستان وتبقى هناك لتحرسها وتراقب قراراتها وسياساتها الداخلية أم أنها ستنصبها وتتركها؟ إن اختارت البقاء فلن يقبل الشعب الافغاني ولا العالم لأنه سينظر إليه على انه استعمار وإن نصبتها وتركتها فلن يطول بقاء تلك الحكومة.
من المعروف ان للدول المجاورة لافغانستان علاقات بما يجري في داخل افغانستان من صراعات واقتتال، فباكستان يعيش على أرضها وضمن سكانها قبائل البشتون الذين يرتبطون بقبائل البشتون في داخل أفغانستان والذين يشكلون الأغلبية كما أن ايران تربطهم روابط مذهبية دينية وعرقية بقبائل في افغانستان تعيش بالقرب من حدود إيران مع افغانستان وتدعم حزب الوحدة الشيعي كما أن اوزبكستان لها صلات عرقية بقبائل الأوزبك في شمال افغانستان بالاضافة الى طاجيكستان التي لها صلات عرقية بقبائل الطاجيك ايضا في شمال أفغانستان. إن كل هذه الدول لها دور كبير في الخلافات بين الأفغانيين وسيكون لهم الدور في الإصلاح اذا تمت الإرادة السياسية في السعي الى خلق جو من التفاهم أولا بين تلك الدول ليتمكنوا من خلق جو من التفاهم بين تلك القبائل داخل افغانستان. إن من مصلحة هذه الدول ان يشيع نوع من الاستقرار في افغانستان الذي سينعكس بالتالي على الاستقرار في تلك الدول المجاورة. إن على هذه الدول ان تتحرك لإقناع الولايات المتحدة بعدم جدوى فرض حكومة تناسبها وتجاهل الدول المجاورة لأفغانستان والأطراف المتنازعة في داخل أفغانستان حتى لا تصبح افغانستان ميدانا لتصفية الحسابات والأخذ بالثارات القديمة منها والحديثة.
zahi2000@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved