|
| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة.. تحية وبعد، فكثيراً ما يأخذنا الحماس أو نمتلئ بالحقد والقهر فنرتجل القصائد الحماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع أو القصائد اليائسة والبائسة.
وقد قرأت في عدد سابق من «الجزيرة» قصيدة من هذين النوعين للشاعر عبدالله بن حمد الشبانة أعرض لها فيما يلي:
|
1 من المسؤول عن شعب يعاني
عذاب الهون في هذا الزمان؟ |
والشعب الفلسطيني يعاني منذ زمن طويل ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى و«اتفاقية سايكس بيكو».. وليس في هذا الزمان فقط.
ثم إذا عرفت المسؤول وحملته المسؤولية كاملة، فبم ستعاقبه؟
|
2 تشرد في القفار وفي الفيافي
ذاق من الأسى ومن الهوان
3 كثيراً واستبد به طغاة
أباحوا سلبه كل المعاني |
أما التشرد فقد أعقبه الاستقرار «في الخيام» والحمد لله.
ذاق من الأسى ومن الهوان كثيراً: لو لم يكتب الشاعر كثيراً لكانت (مِنْ) بيانية أي ذاق الأسى والهوان، أما وقد جاء بعد (من) ب(كثيراً) فقد أصبحت من تبعيضية. مَثَل على مِنْ التبعيضية: «بعضكم من بعض» ومَثَل على مِنْ البيانية: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان».
أباحوا سلبه كل المعاني هناك معانٍ لا يسلبها أحد، فلا بد من الاستثناء.
|
4 من المسؤول عن آلام شعب
يعيش مع اليهود بلا أمان |
وهذا معروف عن اليهود لكن سؤالي لا يزال قائماً: ماذا ستعمل مع المسؤول؟.
|
5 غريب في الديار وليس شيء
بأعجب من تغرب ذي المكانِ |
وهذه الغربة العجيبة لذي المكان: والصحيح أن أهل فلسطين (الموجودين في الضفة والقطاع) لا يشعرون بالغربة حتى تحت الاحتلال والقهر لأنهم يعيشون في وطنهم. تعبير ذي المكان (ضعيف) وأحسن منه صاحب الأرض أو مالكها أو أهل الوطن.
بأعجب: الباء هنا زائدة في خبر ليس.
وزيادة الحروف تكون للتوكيد لا كما يقولون (الزايد أخو الناقص أو العكس).
وحرف الجر يكون أصيلاً: ذهب الولد إلى المدرسة وزائداً:
|
ولا أرى واحداً في الناس يشبهه
وما أحاشي من الأخوان «من» أحد |
وشبيهاً بالزائد: «ربَّ»: قال عمر أبو ريشة:
|
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها
م تلامس نخوة المعتصم
6 من المسؤول عن نكبات شعب
بكى من أجله قاص وداني |
قال الله تعالى: «قلتم: أنى هذا؟ قل: هو من عند أنفسكم».
|
7 يعذَّب كل يوم ألف ألف
من المرات تغتال الأماني |
ألف ألف في اليوم يا ساتر مليون
ولو كان هذا العذاب يغتال الأماني لهانت ولكنه يغتال القادة والعامة والشيوخ والشباب والنساء والأطفال لا يبقي ولا يذر ولا يميّز.
|
8 أتاه يهود من شرق وغرب
فسال من الجموع الواديان |
واليهود على كثرتهم ستة ملايين كما يقولون في فلسطين وأهل فلسطين في الداخل وفي الشتات أكثر منهم أو يساوونهم في العدد والعرب أكثر بكثير والمسلمون أكثر وأكثر ولكن غثاء كغثاء السيل كما في الحديث الشريف: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: انتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل».
أما الواديان اللذان سالا باليهود كما في بيت الشاعر فلا أعرف ماذا يقصد بهما. والشاعر شبه اليهود من كثرتهم بالسيل وما هم كذلك.
أما من أين جاءوا فمن كل الدنيا شرقاً وغرباً ومن أفريقيا (الفلاشا) ومنهم من أصله فلسطيني ومنهم من البلاد العربية وأنا رأيت يهود يمنيين ومصريين ومغاربة وعراقيين.
|
9 سطا شذاد آفاق عليه
بغفلة أول ورقاد ثاني
10 من المسؤول عن تقتيل شعب
لا ذنب وتهديم المباني |
وأنا أنوّع المسؤوليات:
فالفلسطينيون أول المسؤولين لأنهم بعد الحرب العالمية الثانية غفلوا عما يحاك لهم فاليهود كانوا شكلوا الجمعيات السريّة (العصابات) مثل الهجاناه والأراغون وشتيرن، طبعاً بعلم بريطانيا. أما الفلسطينيون فلا عصابات سرية، ولا سلاح وحتى السكين (الخنجر) كانت ممنوعة، وأذكر أنني أيام الانتداب كنت أحمل في يدي ذات سكين موسى صغيرة (مبراة) كما يقال هنا فأخذها مني شرطي عربي فلسطيني وقال لي هذا ممنوع.
كما أن الفلسطينيين كانوا يعلقون كل آمالهم على العرب وأذكر أنني وأخي الذي يكبرني بعامين (أخي اسمه محمد عدنان ويعيش في الكويت متقاعد الآن ودرّس هناك أكثر من أربعين سنة)..
أقول أنا وأخي بعد قرار الجمعية العمومية بتقسيم فلسطين ضحكنا وقلنا الدول العربية ستقضي على دولة اليهود في ساعات حيث تحيط بها (كما يقال هذه الأيام دول الطوق).
وكانوا يقولون كلاماً فارغاً أقرف من ذكره عن قدرتنا على استئصال شأفة اليهود.
ثم هناك حوادث في التاريخ العربي والإسلامي لم تكن تخطر ببال أحد مثل سقوط الأندلس وإلغاء الخلافة وقيام إسرائيل.
ثم العرب ذهبوا إلى حرب 1948م بدون استعداد ولا عتاد بل بالحماس والأناشيد:
|
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا |
وكان نزار قباني قد قال سنة 67:
|
بالطبل والمزمارْ
لا يحدث انتصارْ |
ثم العرب خدعوا بالهدنة بعد أن كادوا يقضون على دولة إسرائيل.
والقصيدة كلها كلام جرايد لا جديد فيه إلا أنني أزيد في الإجابة عن المسؤول:
عرض تقسيم فلسطين على هيئة الأمم ولدهشة المخدوعين بالمعسكر الشرقي آنذاك كانت روسيا أول من اعترف بإسرائيل وأخذ جروميكو وزير الخارجية آنذاك يكيل الشتائم للعرب.
واعترفت تركيا وإيران... وكانت دهشة للمسلمين:
|
11 فتسرق أرضه ويذاق ويلاً
ويمنع أن يعبر باللسان
أما التعبير باللسان ففيه نظر.
12 يشد وثاقه ويسام خسفاً
إذا ابدى معارضة الكيان |
وإذا ابدى المعارضة بالكلام ففيه أيضاً نظر.
|
13 من المسؤول عن شعب جريح
يصيح بقومه هبوا كفاني
14 ضياعاً غير أن القوم سكرى
سكارى دون زق أو دنان
15 ولكن بالمباهج والملاهي
وأنواع المآدب والأغاني |
والكلام واضح أقرب إلى النثر منه إلى الشعر ولكن لي ملاحظات: سكرى سكارى يكفي سكارى.
دون زق أو دنان: أوعية الخمر أي بلا خمر
قال الله تعالى :«وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد».
قول الشاعر في آخر البيت كفاني وفي أول البيت الذي يليه: ضياعاً. قال النقاد القدامى ان هذا ضعف في الشعر والأقوى أن يرتبط أول البيت بأول البيت الذي يليه.. إن كان هناك ربط.
|
16 فلا إحساس إطلاقاً بشيء
ولا تفكير في غير الأماني |
وكان الشاعر ذكر الأماني في آخر البيت السابع.
إطلاقاً: لم أجدها في المعجم الوسيط الذي بين يدي إطلاقاً.
|
17 ولا قلب يحن ولا اهتمام
بإخوان وليس يرى تفاني |
يحنّ.. إلى ماذا التفاني بمعنى الفناء قال زهير:
|
تداركتما عبساً وذبيان بعدما
تفانَوْا ودقّوا بينهم عطر مَنْشِمِ
18 عجيب أمر يعرب حين ضلت
طريق الله إذا مالت لفاني |
ويعرب هذا والد قحطان وإليه ينسب العرب مع أن العرب منهم قحطان ومنهم عدنان. تفاني وفاني اسمان منقوصان تحذف الياء في الرفع والجر وتركها الشاعر اضطراراً.
|
19 لقد ذلت وهانت واستكانت
مطأطئة لجانية وجاني |
وذلك الذل والهوان بترك الجهاد.
أما الجانية والجاني فالمعنى معروف ولكن ما قَصَدَ الشاعر فغير معروف لدينا
|
20 فشرذمة القرود تذلّ فيها
وتحكمها وتمسك بالعنان |
وأنا والله لا أؤيد الشتم والسب فهم أشد وأقذع، ولا أحب حرق الأعلام والدعس عليها فهم يفعلون مثل ذلك وأشد.
والشرذمة الجماعة القليلة ويستعملها الناس بدلالة الاستهانة. وثوب مشرذم ممزق.
|
21 ويسخر ساخر منها شقي
ويهزأ بل ويعبث بالقران |
وهذا ما حذرت منه في تعليقي على البيت السابق.
القران: القرآن ترك الهمزة للضرورة. وجاء مثل هذا في شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه وأُخذ عليه.
|
22 فلا يلقى جواباً غير شجب
لها قلم وليس لها يدان |
وأقول لك يلقى غير الشجب: الإدانة والاستنكار والرفض والاعتراض والتحفظ.
وكان اعرابي استيقت ابله فلحق باللصوص وعاد فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: «أوسعتهم سبّاً وأودَوا بالإبل».
وملاحظة نقدية: أول البيت 21 ويسخر مرتبط بأول البيت 22 فلا يلقى.. هذا كما قلت سابقاً موضع قوة في الشعر.
|
23 لقد عقمت نساء العرب عن أن
يلدن كخالدٍ وابن اليمان |
وأقول لك ليس القادة فقط هم المسؤولون والعامة أيضاً.
كخالد وابن اليمان يقصد خالد بن الوليد وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.. وفي قادة الحروب من هو أشهر من حذيفة كعكرمة بن أبي جهل وسعد بن أبي وقاص وطارق بن زياد وإن كان حذيفة من فضلاء الصحابة إذ عنده سرّ رسول الله فقد أخبره صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين فكان عمر رضي الله عنه ثاني أفضل الأمة يستحلفه بالله إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم عده معهم فيقول له: لا يا أمير المؤمنين تصوروا !.
|
24 من المسؤول عن تيه طويل
وعن بحر أراه بلا مواني |
والبحر بلا مواني كناية عن السير على غير هدى كالتيه الطويل. والمواني تخفيف الموانىء ضرورة.
|
25 من المسؤول عن تضييع قدس
تضج إلى المهيمن كل آن
26 تقول: المسلمون غدوا نعاجاً
فر بجلدها خوف الطعان |
أما تضييع القدس فسلسلة طويلة للمسؤولين عن ضياعها.
وأما المسلمون غدوا نعاجاً: لا تنس قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة».
|
27 لقد كسروا الحراب واغمدوا ما
لديهم قبل من سيف يماني |
ويا سيدي رحم الله ذلك الزمان زمان الحراب والسيوف. أمس سمعت أن سرعة الصاروخ 800كم/ساعة..!
|
28 فأبدلْهم بأساد غضاب
تكسّر قيد أسري وامتهاني |
هذا الكلام على لسان القدس الشريف.
فأبدلهم بآساد: قالوا: الأحسن أبدل بهم آساداً لأن الباء تدخل على المتروك. قال الله تعالى: «أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير» والذي هو خير المن والسلوى والذي هو أدنى هو البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل.
|
29 فإن المسجد الأقصى بشوق
الى الآساد لا أهل البيان |
كما قال أبو تمام:
|
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريب |
|
30 تقول القدس يا رباه هب لي
أسوداً لا تخاف من السنان |
والسنان حديدة الرمح. قال المتنبي:
|
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء في القناة سنانا
ومعنى البيت تكرار لسابقه |
|
31 فإن مآذني اشتاقت إلى أن
يعاود أهلها رفع الأذان |
ولعلمك فإن الأذان لم ينقطع والحمد لله عن مآذن القدس، ولكن تحت الاحتلال البغيض.
|
32 من المسؤول قولوا لي جميعاً
أشيروا إن خرستم بالبنانِ |
وطفح الكيل بشاعرنا وملأ اليأس والأسى نفسه «وزودها حبتين».
|
33 إلى المسؤول لكني اختصاراً
جيب عن السؤال بلا توان: |
قول الشاعر: إلى المسؤول.. أي أشيروا إلى المسؤول.
|
34 جميعاً نحن مسؤولون عن ذا
بلا تخصيص زيد أو فلان |
وحسناً فعل الشاعر حيث أجاب إذ لو تركنا لتنصل كل واحد من المسؤولية وحمّلها غيره.
ويقال زيد وعبيد وفلان وعلان لا زيد وفلان. وهذه اجابة السؤال في البيت الأول جاءت في البيت الرابع والثلاثين.
وإذا حملت نفسك وجميع العرب والمسلمين المسؤولية فماذا أنت فاعل؟
وإذ عرفت الجواب فما النتيجة؟
أو أنه «لوم النفس» أو كما يقولون «جَلْد الذات».
|
35 فقد سُخْنا بوحل الذل لما
تحوّلنا إلى قطط سمان سخنا أي غطسنا. |
والقطط السمان اصطلاح مصري اشتهر في صحيفتي «روز اليوسف» و«صباح الخير» في الستينات.
والقطط السمان سمنت من كثرة أكل الفئران القذرة.
وشكراً لجريدة «الجزيرة» الكبيرة و«عزيزتي الجزيرة» الغزيرة والقراء الكرام. والسلام ختام.
نزار رفيق بشير - الرياض
|
|
|
|
|
