| مقـالات
المنصفون والباحثون عن العدل والحقيقة يطلبون من الولايات المتحدة ان تراجع سياستها الخارجية وتعيد النظر في وقوفها المطلق مع الوجود اليهودي في فلسطين ودعمه بالمال والسلاح، وحمايته أمنيا وعسكريا، وتمكينه للارهاب الصهيوني.
وما برح حلفاء الولايات المتحدة وأصدقاؤها يطالبون بضرورة المراجعة السياسية والتأمل في مسار الاستراتيجية الخارجية، وأول من أعلن ذلك هم أعضاء دول التحالف الأوروبي، ثم تجرأ العرب وأصبحوا يرددون ذلك بكرة وعشيا.
ومع ازدياد قناعة صناع القرار الأمريكي بأهمية هذا المطلب وضرورة الأخذ به حتى تسلم الولايات المتحدة من موجة الكراهية المتنامية في كل أقطار الدنيا إلا أن أصوات اليهود لا تزال تعلو في دهاليز البيت الأبيض وردهات الكونجرس وعبر منافذ الرأي والتأثير لتحجب نداءات التفكير والتدبر ومراجعة الذات.
وفي لجة هذه الأحداث السياسية والعسكرية يصر اليهود والمتصهينون على توظيف الاعلام وتوجيه الرأي العام ليواكب تطورات الأحداث دون مناقشة بواعثها، ويمارسون «فلترة» التصريحات التي ينادي بها الأعداء والأصدقاء على حد سواء حتى لا ينحرف مسار التغطية الاعلامية عن الأهداف المرسومة لها، بل أصبح المجتمع الأمريكي يتحدث عما ستسفر عنه نتائج استراتيجية بلاده السياسية والعسكرية وانعكاساتها على الحياة العامة في الولايات المتحدة عوضا عن محاولة تقويم المسار وتسديد الرؤية للقضايا الساخنة في العالم والتي تكون الولايات المتحدة طرفا مؤثرا فيها مثل قضية الارهاب اليهودي الذي تمارسه اسرائيل يوميا على الشعب الفلسطيني وعلى العزل من أبنائه.
لقد كان الاعلام الأمريكي في معظم الأحداث السياسية الكبرى والتي تكون الولايات المتحدة طرفارئيسا فيها يردد مصطلحات على نحو «حرية الرأي والتعبير» و«حرية الوصول الى مصادر المعلومة» و«الحق في كشف ملفات الحكومة» ليكون ضابطا وممارسا لنشاط الدولة ولوظيفة الرقيب على السلطة التنفيذية.
إلا ان الاعلام الأمريكي في الأحداث التي نعايش مجرياتها اليوم أخفق في القيام بهذه المهمة، وبات رهينة لأهواء كبار ملاك المؤسسات الاعلامية ومقاصد المستثمرين فيها.وظف أباطرة الاعلام مضامين الرسالة الاعلامية بحيث تخدم أولويات اهتماماتهم وهمشوا كثيرا من القضايا الساخنة التي تستحق ان يطلع عليها الرأي العام وذلك بدعوى الحفاظ على الأمن القومي للولايات المتحدة.
ثمة جدل يدور داخل الولايات المتحدة يتصل بطبيعة العلاقة بين الاعلام والعمليات العسكرية Military and Media لا تزال تشتعل جذوته حتى كتابة هذه الأسطر، مفاده الدعوى بضرورة تجاهل البنود التي نص عليها الدستور استثناء في هذه الظروف، يؤجج نار هذا الجدل المتنفذون في صناعة القرار الاعلامي بهدف تطويع الرسائل الاعلامية بما تتفق مع توجهاتهم، وقولبتها في السياق الذي يخدم قضيتين أساسيتين:
أولهما: التركيز على تبعات الهدف وما يترتب على أحداث 11 سبتمبر الماضي.
والأخرى: استبعاد اسرائيل عن المعايير الدولية التي تصنف بها الدول أو الجماعات على أنها جماعات ارهابية أو دول تمارس الارهاب.
وهو ما بدأ واضحا في ترجمة الكثير من التصريحات التلفزيونية الى اللغة الانجليزية حيث يتم استبعاد اسرائيل بالكلية قدر المستطاع، واستبدال «العالم الاسلامي» ب«فلسطين» إذا كانت القضية تتعلق بالممارسات الوحشية التي يمارسها الصهاينة، وهو تضليل للرأي العام داخل الولايات المتحدة على وجه الخصوص.
ان هذه الاستراتيجية التي ينفذها بدقة أباطرة الاعلام الأمريكي إنما تهدف الى ابعاد الرأي العام عن جوهر القضية وملابساتها، ولا يتم ذلك إلا ب«عسكرة» الخطاب الاعلامي ليتخذ مسارا من وجهتين:
الأولى: التركيز على انعكاسات الحدث ونتائجه فقط.
والثانية: الزعم بأن ما يتجاوز هذا السياق هو مناقض للمصالح العليا والأمن القومي، وهو بلاشك محاصرة للحقائق في زوايا ضيقة حتى لا تجد لها مساحة في الخطاب الاعلامي المواكب للحدث العسكري.
ان المتابع للمؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي يوم الخميس الماضي وما حدث فيه من تهميش واضح لمراسلي وسائل الاعلام الأجنبية ليدرك التوجيه المقصود للخطاب الاعلامي، وهو توظيف للسلطة الرابعة بطريقة لا تقرها المؤسسات الديمقراطية.
' أستاذ الإعلام السياسي المشارك جامعة الإمام
|
|
|
|
|