| مقـالات
عندما تنطلق النار من الفضاء، من الطائرات لا يتميز بين عدو وصديق، ولا بين مذنب وبريء مهما تكلم العسكريون والسياسيون عن الأهداف. والطائرات التي تسقط حمولاتها المتفجرة على أراضي أفغانستان قتلت حتى الآن مئات الأبرياء من العجزة والنساء والأطفال. والمناظر التي تعرضها المحطات الفضائية يوميا للجرحى والقتلى من المدنيين تدمي القلوب وتثير مشاعر البعيد والقريب والمسلم وغير المسلم. أبيدت قرية بأكملها وبضربة واحدة قتل حوالي 150 شخصا تحت الأنقاض، ورغم مضي أكثر من عشرة أيام على الضربات الجوية لم نسمع حتى الآن عن مقتل واحد من رجال طالبان أو رجال القاعدة، كل الذين يموتون من الأبرياء.
ويؤكد المحللون السياسيون والخبراء العسكريون ان الأهداف التي تتحدث التقارير الأمريكية أنها أصابتها لا تزال في حكم غير المؤكد، فالحروب تحسم في المعارك البرية والأهداف تتحدد بالمواجهة فتكون أقرب لإصابة العدو وتجنب البريء.
لا زلنا نذكر حرب الخليج الأخيرة، وكيف استطاع النظام العراقي الظالم أن يموه الأهداف ويخفي طائراته ويستبدلها بمجسمات بلاستيكية تم ضربها. وبالطبع الوضع يختلف في أفغانستان التي لا يوجد بها أي مظهر من مظاهر الحياة الحديثة بل لا يوجد بها ما يستحق قيمة السلاح الذي تضرب به.
وإذا صح ان في أفغانستان شيئا يستحق الضرب فسيكون في الجبال وفي المغارات وفي أعماق الأرض ولا يمكن إصابته من الجو مهما كثر استخدام القنابل والنيران العميقة المدى لأن مخاطر إصابتها للأبرياء والمدنيين أكثر من إمكانية إصابتها لأهدافها العسكرية.
ويضاف إلى هذا خطر آخر وهو ما أذيع مؤخرا أن الهاربين من نيران الطيران ا لامريكي والبريطاني من الرجال والنساء والأطفال لجأوا إلى المغارات والكهوف التي تستهدفها القنابل العميقة المدى.
فهل يجوز أن يقتل المئات من الأبرياء في سبيل القضاء على هدف مجهول ليس من المؤكد إصابته حتى لو ذهب ضحيته عددا من الأبرياء؟ ألا توجد وسيلة أخرى للقضاء على الإرهاب غير هذه الوسيلة؟ ألا يمكن أن يكون استخدام القوة مع الإرهاب مؤديا إلى مزيد من الإرهاب لأن الأبرياء الذين يموتون سينهضون من يقوم للانتقام لهم وسيدخل العالم في دوامة وسلسلة من الانتقامات؟.
هذه أسلئة وضعتها مؤخرا أقلام وألسنة في بعض وسائل الإعلام الغربية غير المسلمة، وبناء على ذلك طالب المئات في بعض الدول الأوروبية منها امريكا وبريطانيا وفرنسا بإيقاف ضرب أفغانستان حرصا على الأرواح الإنسانية البريئة.. إنها منظمات انسانية لا علاقة لها بالإسلام ولا بالمسلمين ولكن لها علاقة بالإنسان حيثما يكون.
المعارضون لمبدأ استخدام القوة قالوا: إن ضحايا الحادي عشر من سبتمبر في امريكا أبرياء والذين يموتون الآن في أفغانستان من المواطنين العزل لا العناصر الإرهابية ايضا أبرياء.
وقال أحد المحللين لمحطة ال«بي بي سي» وهو بريطاني، قال إن امريكا أقامت الدنيا ولم تقعدها إلى الآن من أجل مقتل حوالي ستة آلاف من الأبرياء، ووقفنا معها، ووقف العالم كله معها واستجاب لدعوتها ولكنها الآن إذا استمرت في ضرب أفغانستان عدة أسابيع بهذا الأسلوب ستقتل أكثر من ستة آلاف بريء.
وهذا سيزيد من موجة السخط لا في العالم الإسلامي فحسب بل في العالم أجمع. وحتما ستتضاعف موجة الإرهاب وسينضم إليها آخرون انتقاما لإخوانهم الذين قتلوا في أفغانستان وقد يؤدي هذا إلى قيام حرب عالمية لا تحمد عقباها.
وأضاف محلل في إحدى المحطات الفرنسية يقول إن الإرهاب الذي نما في سنوات طويلة لا يمكن القضاء عليه في أيام أو أسابيع، ولا يمكن القضاء عليه بالقوة، فالقوة مع هذا النوع من الإرهاب تزيده اشتعالا وتصميما على المقاومة، وضرب المثل بموجة الذعر السائدة الآن في الولايات المتحدة الامريكية وبعض دول أوروبا.
وقال: إنها مشكلة مستعصية تحتاج إلى تكاتف جهود دولية بالتعاون مع الدول المعنية لدراسة هذه المشكلة . والوقوف عند أسبابها السياسية والاجتماعية والنفسية وصولا إلى العناصر الإرهابية ، وإذا عرف السبب بطل العجب.
هذا كلام يقوله الآن أناس من غير المسلمين في الدول الأوروبية حقنا للدماء الزكية التي تراق، فالبشر هم البشر في كل مكان، والذي يموت في دولة فقيرة صغيرة هو إنسان ايضا مثل الذي يموت في دولة كبرى غنية. والمسلمون الأبرياء الذين يموتون كل يوم الآن في أكثر من مكان في العالم تأكدت امريكا أن لا علاقة لهم بالإرهاب، فالإرهاب ليس من الإسلام في شيء وإن قام به نفر من المسلمين وقد عرف الغرب بعد هذه الأحداث أكثر من أي وقت آخر أن الإسلام دين السلام والمحبة والسماحة، لهذا فالنفوس المسلمة البريئة من رجال ونساء وأطفال تسأل بأي ذنب قتلت؟!
إننا ضد الإرهاب، وضد ما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية من إرهاب راح ضحيته الكثير من الأبرياء، ونحن مع القصاص من الفاعلين أينما كانوا ولأي دين ينتمون، ولكن يجب أن نفكر اولا بحماية الأبرياء من أتون الحرب وآثارها ونحن نحاول أن نقتص من المجرمين.
محطة: قال أحد الحكماء: من استخف بالعلماء أضاع دينه، ومن استخف بأولي الأمر أضاع دنياه، ومن استخف بالإخوان أضاع مروءته.
|
|
|
|
|