| متابعة
* تنشر بالتعاون مع مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
تعرضت الولايات المتحدة لأسوأ كارثة إرهابية في تاريخها يوم 11 سبتمبر 2001، ومنذ ذلك التاريخ، أكدت الإدارة الامريكية امتلاكها أدلة قاطعة تدين تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، الذي تؤوية حركة طالبان الحاكمة في افغانستان، وقامت بمقتضاه بتوجيه ضربة عسكرية إلى افغانستان يوم الاحد 7/10/2001 بعد إعلانها حربا عالمية شاملة ضد الإرهاب دعمتها في ذلك العديد من دول العالم في إطار ما أطلق عليه (تحالف دولي) مضاد للارهاب.
وفي هذا الإطار عقدت مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية بجامعة لندن حلقة نقاشية في الثاني من اكتوبر عام 2001 أي قبل ضرب أفغانستان بخمسة أيام لمناقشة قضية (العالم الاسلامي وأمريكا والإرهاب) في ضوء الهجمات التي وقعت ضد الولايات المتحدة في 11 سبتمبر عام 2001 وقد قام باستضافة هذه الحلقة النقاشية رئيس قسم العلوم السياسية بالمدرسة والمتخصص في شؤون الشرق الاوسط، د. تشارلز تريب، وضمت الحلقة روجر هاردي، بهيئة الاذاعة البريطانية وحازم صاغية، الكاتب بصحيفة الحياة اللندنية، وبكر معين، بالقسم الفارسي بهيئة الاذاعة البريطانية، وبلغ عدد الجمهور الذي شارك في اللقاء حوالي 300 شخص.
وقد بدأ د. تريب بعرض موضوع النقاش في إطار ثلاثة تساؤلات هي: من المسؤول عن الهجمات؟ ولماذا؟ وما هي عواقبها وآثارها؟
الحشد العسكري الغربي في مواجهة الإرهاب أم ماذا..؟
*انتقاد حول إدراج الأسماء العربية فقط على قائمة الإرهاب
* المسؤول عن الهجمات وظاهرة بن لادن:
وفي بداية الحلقة النقاشية، تحدث روجر هاردي، الكاتب والاذاعي المتخصص في شؤون الشرق الاوسط والعالم الاسلامي الذي انضم الى هيئة الإذاعة البريطانية عام 1986، بخصوص من هو المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر 2001؟
وقد استهل حديثه، في هذا الاطار بمناقشة ما يسمى ب (ظاهرة بن لادن) بادئا بتقييم جذور محاربة المسلمين لقوة عظمى إلى ان اعلنت (ظاهرة الجهاد ضد الولايات المتحدة) وقام هاردي باستعراض ذلك في إطار مرحلتين أساسيتين هما:
المرحلة الأولى: تمثلت جذورها خلال فترة الحرب الباردة خصوصا في الثمانينات، حيث أوضح ان خبرة أسامة بن لادن والعرب الافغان في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي كانت فترة تدريب للمستقبل لسببين: الأول أنها أعطتهم مذاقا للمعركة، والثاني انهم ذاقوا طعم النصر الذي تمثل في خبرات الفوز على قوى عظمى، وكانت هذه التجربة بالنسبة لابن لادن وحلفائه بمثابة انتصار للاسلام في الحرب الباردة عن طريق دحره لقوة عظمى، وبالتالي أصبح هناك سابقة يمكن تكرارها مرة اخرى إلا ان هذه المرحلة انتهت إلى ما أسماه مرحلة (خيبة الأمل) التي جاءت مع عودة الأفغان العرب إلى أوطانهم عام 1989، وما أعقبها من اندلاع حرب الخليج الثانية.
المرحلة الثانية والأخيرة: التي عرضها هاردي هي مرحلة العولمة واتجاه التيار الإسلامي لأخذ الشكل الراديكالي، وهي فترة المنفى في افغانستان، وفيها بدأت ملامح التغيير وأصبح رجلا مختلفا مع العودة الى افغانستان، وقد يكون ذلك بسبب نفوذ شخصيات بارزة من جماعة الجهاد الاسلامي المصرية الذين ارتبط بهم، وقد شهدت هذه المرحلة قيام الولايات المتحدة بتحويل بن لادن الرجل إلى (بن لادن الأسطورة)، وقام بن لادن خلال عامي 1996 1998 بإصدار فتواه الشهيرة بأن قتل المدنيين الأمريكيين هدف شرعي.
وطبقا لروجر هاردي، انتهى ذلك الى شكل جديد من التوجه الإسلامي يضم قوميات مختلفة.
واختتم هاردي حديثه بتناول مسألة ما اذا كان يعقتد ان اسامة بن لادن مسؤول عن هجوم 11 سبتمبر أم لا؟ حيث ذكر انه لا يوجد دليل جازم على إدانته، وبالتالي لا يمكن التأكد من أنه مسؤول بشكل مباشر وشخصي عن الهجمات، لكنه أعرب عن اعتقاده أن بن لادن تورط بشكل ما وإن كان بشكل غير مباشر في الهجمات.
مسؤولية العالم العربي:
وحول (مسؤولية العالم العربي في الأزمة الحالية)، بدأ حازم صاغية، بصحيفة الحياة اللندنية حديثه بالإشارة الى انه يتمنى تجنب التحليل أحادي البعد للموقف، عارضا المظالم الرئيسية التي يتم تقديمها عادة من جانب العالم العربي ضد الغرب والتي تتمثل في:
الإحباط الناجم عن الانحياز الامريكي بجانب إسرائيل في الشرق الاوسط وهذه السياسات الامريكية والبريطانية تجاه العراق.
زيادة الغضب بسبب الاتجاه الانعزالي الأمريكي في عهد بوش والمصاعب الاقتصادية في الشرق الاوسط والكراهية التاريخية للولايات المتحدة.
ان هذه الكراهية التاريخية كانت نتيجة لأحداث تاريخية عديدة، منها على سبيل المثال، قضية مصدق في إيران في الخمسينيات، وعدم اهتمام الولايات المتحدة بأفغانستان في الثمانينات بعد ان تم استغلالها كميدان للمعارك وبعد أن تدمرت.
إلا ان صاغية يرى ان هذه القضايا تعد مهمة، لكنها مهة جزئيا لأنها لا توضح الصورة كاملة لسببين: الأول هو ان بن لادن وأفراد تنظيم القاعدة لا يحملون السمات التقليدية للإرهابيين، فهم أفراد ينتمون للطبقة الوسطى بشكل عام بينهم من تعلم في الدول الغربية ولديهم خبرة تكنولوجية حديثة واسعة، والسبب الثاني: هو أنهم لا يقومون بحملات لصالح حقوق معينة أو قضية بعينها، وذكر ان ذلك لا يجعل منهم سفاحين، وهذا يميزهم عن الفئة التقليدية للإرهابيين.
وذكر صاغية ان الاتجاه الاسلامي لجماعة القاعدة وأمثالها من الجماعات يشبه الى حد ما فاشية لكن من نوع مختلف، فبينما اتخذت الفاشية المنظور القومي اتخذوا هم المنظور الدولي، لكنه اشار الى:
ان اتجاههم الإسلامي كان غطاء أيديولوجيا وتنظيميا لعدد من القضايا القومية المحدودة.
انهم لا يهدفون إلى الاستيلاء على السطلة السياسية من أجل قضايا قومية محددة، بل يهدفون إلى مجرد إعاقة هذه السلطة.
وأكد صاغية أن فشل مشروع الأصوليين الإسلاميين في العالم العربي الإسلامي (السودان وإيران وافغانستان) أدى الى تقوية الإرهاب والدعوة اليه، وبالتالي فقد اعتبر القاعدة هي نتيجة فشل المشروع الأصولي، كما وصف برنامجهم بأنه سلبي بشكل خالص لأن الإرهاب كان هدفه الوحيد، فهم لم يكونوا يخططون لأي انقلاب أو ثورة رغم أنهم كانوا يتعاملون مع مظالم اجتماعية واقتصادية إسلامية.
وفيما يتصل بمسؤولية العالم العربي، ذكر صاغية النقاط التالية:
إن العالم العربي يحتاج إلى مصالحة بينه وبين التحديث.
إن الاشكالية تتمثل في أن خبرة العالم العربي مع التحديث تزامنت مع الاستعمار، وقد أدى ذلك الى تشكك العرب تجاه المفاهيم الغربية، خاصة مفهوم الدولة القومية.
إن ذلك أدى الى تشبث بالماضي وصعوبة في التعامل مع الحاضر وبالتالي لم تنطلق حركة الإصلاح الإسلامي لمحمد عبده، ما مهد السبيل للتطرف عند البعض.
وكانت القضية الرئيسية طبقا لصاغية هي مسألة المشروعية وحقيقة ان العالم العربي والإسلامي فشل في إيجاد إطار لها، وضرب بذلك مثالا على إيران التي فاز فيها الرئيس خاتمي بدورتين من الانتخابات، ولكنه لم يستطع رغم ذلك تولي مقاليد السلطة بشكل كامل.
وقال ان هذه المشروعية الضعيفة هي التي جعلت الساحة الاجتماعية السياسية خالية ليملأها التطرف، وهنا تكمن طبقا لصاغية مسؤولية العالم العربي أمام نفسه وأمام الأجيال القادمة، وانتهى إلى انه لن يتم حل المشكلة التي تتصاعد حاليا بشأن اتهامات الشعوب العربية الإسلامية للدول الغربية ب (العنصرية) في التعامل مع قضاياها حتى يتم التعامل مع قضية المشروعية.
أفغانستان وطالبان:
وحول قضية أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على السلطة في عام 1996، أوضح بكر معين أنه تم الترحيب بهذه المسألة في البداية لأنها أتت بالسلام والحكم للبلاد، ووصف الهدف الرئيسي لطالبان بعد تولي السلطة بأنه استئصال أي شكل من أشكال المعارضة على أي أساس للنظام موضحا:
* جاء مؤيدو طالبان من ثلاث مجموعات رئيسية هم طلبة المدارس الدينية الاسلامية والانتفاعيون مثل الشيوعيين السابقين والقادة المحليون الذين كان تأييدهم أضعف إلى حد ما عن الفئتين السابقتين.
لم تظهر مشكلات طالبان إلا بعد ان تحركوا إلى خارج موطنهم الأصلي في مدينة قندهار وجنوب افغانستان.
* ان هذه هي النقطة التي شهدت المزيد من التميز الأيديولوجي لطالبان والتداخل بين توجهات أسامة بن لادن والملا عمر محمد.
* ان أفغانستان في هذه المرحلة كانت دولة بدون قائد، وكان ابن لادن قائدا بدون دولة وبالتالي كان كل من الاثنين ملائما للآخر.
وأوضح معين ان إحباط طالبان لعدم الاحتراف بها كحكومة شرعية من المجتمع الدولي هو الذي أدى الى مثل هذه الاعمال مثل تدميرها تماثيل بوذا وخطة السعي الى تطهير افغانستان من النفوذ السوفيتي وغيره من صور النفوذ بشكل عام.
وفيما يتصل بمستقبل طالبان، أشار معين إلى انها خسرت الكثير من التأييد والمشروعية وبالتالي أصبح لا يوجد امامها أي مخرج، والتأييد الذي حصلت عليه في البداية من باكستان أخذ يقترب من نهايته، وذلك بعد سحب كل من الإمارات والسعودية اعترافهما بطالبان واختتم حديثة بالتحذير من أن الحرب سوف تأتي بالمزيد من الإحباط والمشاعر المعادية للغرب في أفغانستان، مؤكدا ان ذلك يقضي بأن يكون المشروع الإنساني من أولويات الأجندة الدولية.
تعقيب:
وعقب انتهاء كلمات المتحدثين الثلاثة، شهدت الحلقة نقاشا واسعا حيث:
حذر أحد الحضور من مخاطر وضع الإرهاب والإسلام في خندق واحد، مؤكدا ان الإرهاب كان موجودا بالفعل في سنوات عديدة في دول اخرى ولم يرتبط دائما بالإسلاميين. ووجه سؤالا لصاغية حول الربط بين جماعة القاعدة والفاشية مشيرا إلى أنها تحمل تشابها أكبر مع الفوضوية في هدفها لتدمير الحكومات والسلطة أكثر من تشابهها مع الفاشية.
رد صاغية بأن الإرهاب الأصولي كان أكثر فاشية في نظرته فيما يتصل برؤيته للتحديث واستغلاله لجوانب من التحديث ورفضه لجوانب اخرى، موضحا ذلك في تأكيد قاعدة العمل مع غياب نظرية شاملة أو منهج أو برنامج سياسي واضح. وردا على سؤال حول المقصود بمسؤولية العالم العربي أكد صاغية ان الحكومات العربية يجب ان تعالج قضايا المشروعية عن طريق التشجيع على النقاش في المساجد وغيرها.
وتحدث هاردي عن سياسة القضايا الثلاث لابن لادن وهي: قضية استمرار الوجود الامريكي في الخليج، وقضية العقوبات العراقية، والقضية الفلسطينية مجادلا بأنه إذا تم حل هذه القضايا الثلاث لابن لادن، فإنه لن يتوقف عن الاستمرار في تنفيذ أجندته، لأنه ليس مهتما بالسياسة اليومية التقليدية ولم تكن تصرفاته استمرارا للسياسة بوسائل اخرى، حيث ان منطق ابن لادن هو أنه إذا تم انهزام الولايات المتحدة فسوف تنهار النظم الحاكمة العربية في الشرق الاوسط. أما ما يخطط له ابن لادن بعد ذلك فهو غير واضح. لكن هاردي تساءل عما إذا كان ابن لادن يعتقد أنه سوف يصل الى هذا الهدف البعيد وعما إذا كان هناك استراتيجية بعيدة المدى في الأصل من عدمه.
وفي تعقيبه على تساؤلات الحضور أكد هاردي:
* لم تكن وكالة المخابرات المركزية الامريكية وحدها هي التي أيدت استغلال المجاهدين لمحاربة السوفيت، بل أيدت ذلك ايضا وكالة المخابرات الخارجية البريطانية ومجموعة من الدول الاخرى.
* يرجع خفض حدة لهجة بوش في إطار السياسة الامريكية الى الحاجة الى تعزيز التحالف الدولي، والذي كان بعض أعضائه قلقين إن لم يكونوا معارضين لشن هجمات عسكرية ضد أفغانستان، وقد اقتضى ذلك وقفة تفكير من جانب الولايات المتحدة.
* انه فيما يتصل بما يسمى (صراع الحضارات) وهي النظرية التي قدمها الأكاديمي الامريكي، صامويل هونتينجتون فإن ابن لادن قد يعتقد ان هذا هو الوضع المفترض، إلا أن نظرية هونتينجتون صارت مثاراً للخلافات والتساؤلات الآن كما كان حالها دائما، ويعتقد أن الأزمة الدولية الحالية سوف تصبح صراعا بين الحضارات فقط إذا قام الناس بتحويلها الى ذلك.
* فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المشتبه في أنهم إرهابيون والذين يتقدمون للحصول على حق اللجوء في بريطانيا في ضوء تشريع توني بلير الجديد لمكافحة الإرهاب فيعتقد ان المسلمين والعرب كانوا يواجهون بالفعل وقتا عصيبا في هذا البلد، وأن ذلك لا يجب ان يزداد عمقا.
* انتقد مزاعم الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء بلير بأن أي شخص ليس بجانبهم فهو بجانب الإرهابيين، وقال إنه لا يجب إرغام المسلمين على اتخاذ أي من الجانبين، لأنه من الممكن والمقبول إدانةالهجمات الإرهابية دون تجاهل الشكاوى بأن مسلمين آخرين يعانون في أنحاء العالم ولم يجعلهم ذلك إرهابيين.
وجاء السؤال الأخير من سوري يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية والذي انتقد الحلقة النقاشية لإقامة نقاشها على فرضية ان ابن لادن مذنب لأنه ليس هناك بعد أدلة دامغة على ذلك، وذكر أنه من بين كل المسافرين الذين كانوا على الطائرات التي تحطمت فوق مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع (البنتاجون)، لم يتم التحقيق سوى في الأسماء العربية، وأشار الى أنه بالتالي كان يجب على الحلقة النقاشية التي تتكون من أكاديميين يجرون نقاشا أكاديميا، أن تبدأ بالتساؤل حول من قام بتنفيذ الهجمات وليس افتراض ان المذنب هو ابن لادن وجماعة القاعدة واللذان اعتبرتهما الولايات المتحدة المتهمين الرئيسين.
وبعد تصفيق من الجمهور، رد هاردي بأنه لا يزعم ان ابن لادن مذنب بشكل مطلق، لكنه يعتقد ان الاحداث متصلة بطريقة ما به، واعترف بأنه ليس هناك أدلة دامغة بأن ابن لادن هو المسؤول عن الهجمات لكنه تساءل عمن لديه أدلة تؤكد العكس.
وتساءل حول مصداقية نظريات المؤامرة التي اشارت بأصابع الاتهام إلى مخططات لمكتب التحقيقات الفيدرالية أو التفسيرات المشابهة، وذكر هاردي انه رغم عدم إمكانية أن يجزم بأن ابن لادن هو المسؤول، تشير فتواه بأن قتل المدنيين الأمريكيين مشروع، يوجه أصابع الاتهام إليه، وبالتالي اعتبر هاردي أن الحلقة بدأت من فرضية أن ابن لادن قد يكون متورطا إما بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن هذه الفرضية هي الفرضية الوحيدة المتوفرة لدينا.
|
|
|
|
|