|
| مقـالات
إن أهم ما تتسم به الحروب الحديثة منذ مطلع التسعينيات وحتى اليوم هو ما يمكن وصفه بأنها حرب تلفزيونية، وهي حرب تتم مباشرة على الهواء بدون معوقات رقابية.. وخلالها يعيش الناس أجواء حقيقية للحرب.. وتبدأ الحرب التلفزيونية بالإعدادات والتحضيرات للحرب من خلال المؤتمرات الصحافية وتغطية الاجتماعات الرسمية للأطراف المعنية بقرار الحرب.. ثم تبدأ الحرب وتنقل عدسات التلفزة الدولية الإطلاق المتوقع لشرارة الحرب من خلال عمليات الإرسال التدميري من فوق الأساطيل الحربية ومن القواعد العسكرية.. وفي أماكن التلقي وساحة الحرب الحقيقية ترصد عدسات التلفزة وقائع الغارات الحربية وعبث التكنولوجيا التدميرية في كل ناحية ومكان وفي كل وقت وزمان.. فنصبح نحن المشاهدين مشاركين فعليين في هذه الحرب ونتنقل بين الأماكن التي تفصلها عشرات الآلاف من الكيلو مترات في ظرف ثوان معدودة لنعرف ما يدور في أي مكان في أي زمان.. هذه هي حرب التلفزيون.. الحرب الجديدة التي يخوضها العالم منذ ما يقرب العشر سنوات.. في العراق ويوغوسلافيا وأفغانستان وستكون هذه الحروب قاعدة للحروب المستقبلية الأخرى التي يخوضها العالم.
من هم جنود هذه الحرب؟
بالتأكيد فرجال (ونساء) الإعلام هم الجنود المشاركون في هذه الحرب.. وهم الجنود الذين يؤسسون لقواعد جديدة في عرف المخططين العسكريين .. وعلاقة هؤلاء الإعلاميين مع السلطة السياسية تتراوح بين استخدامهم للتضليل الإعلامي وبين الشعور بخطورتهم في أماكن تقع خلف خطوط العدو مما يعيق مسيرة الإعلام الموجه الذي تحاول تلك الجهات توظيفه في تعزيز انتصارات الجبهة العسكرية.. ولكن يجب أن نبدأ من البدايات الحقيقية للحرب التلفزيونية.
وكانت البداية من شبكة التلفزيون الإخبارية CNN وخلال الفترة التي سبقت المعركة العسكرية 1991م.. وأبطال هذه الحرب هم ثلاثة مراسلين لهذه الشبكة في بغداد، وهم بيتر أرنيت، بيرنرد شو، وجون هوليمان، وقد تم وصفهم بأنهم boys of baghdad .. حيث ان العالم انقطع من الأخبار الداخلية داخل العراق إلا من هؤلاء الثلاثة الذين اكتسبوا شهرة عالمية عبر تقاريرهم المباشرة التي كانت تنقل مايدور خلف خط العدو كما يصف ذلك متحدثو البينتاجون.. وأصبح بيتر ارنيت المتحدث الرسمي عن هذه المجموعة حيث فاز بجوائز وشهادات تقدير عالمية بسبب التغطية المتميزة لهذه الشبكة.
* بيتر ارنيت:
يمتلك خبرةواسعة في تغطيات المناطق الساخنة في العالم بدءا من فيتنام التي ذهب إليها في الستينيات كمراسل لوكالة الأسويشيتد برس.. وتعلم هناك قواعد المراسل الحربي، وكيف يحمي نفسه باعتبار عمله محفوفا بالمخاطر، بل بالموت المحقق.. وفي حرب الخليج التي شارك فيها بيتر ارنيت، وصف في أكثر من مناسبة كيف ان الرئيس جورج بوش (الأب) اتصل شخصيا بالمدراء التنفيذيين في شبكة ال cnn وتحديدا بالرئيس المالك تيد ترنر Turner وطلب منه سحب مراسلي الشبكة من بغداد بحجة عدم توافر ظروف لسلامتهم هناك.. وبعد مشاورات بين تيرنر وأرنيت أصر الأخير على بقائه هناك تحسبا للضربات العسكرية.. وكانت شبكة ال cnn هي المحطة العالمية الوحيدة التي كانت تغطى من الداخل، حيث تمركزت في أحد طوابق فندق الرشيد المطل على سماء بغداد وباشرت ترسل على الهواء ما يدور في أجواء تلك المدينة.. إضافة الى تحركها بين الوقت والآخر لتغطيات بعض المشاهد التي كان الرئيس العراقي يرغب في نقلها الى العالم.. وهذا ما أغضب الرئيس بوش وكان يعتقد بأن بيتر ارنيت يقدم دعاية مجانية للرئيس صدام حسين..وهذا ما أغضب كثيرا من الأمريكيين الذين كانوا يعتقدون أن بيتر ارنيت كان يمثل مدير العلاقات العامة للرئيس العراقي صدام حسين.. وعلى الرغم من الرقابة المباشرة من بغداد، إلا أن الحوار الذي كان يتم مع المذيعين في أتلانتا كان يمثل خروجا عن النص الذي كان يريده العراقيون.
* كريستيان أمانبور:
صحافية دخلت عالم الصحافة بالصدفة، حيث كانت شقيقتها قد دفعت رسوم دورة تدريبية في الصحافة لتنخرط فيها، إلا أن ظروفا حالت دون حضور اختها إلى تلك الدورة.. فعرضت على أختها (كرستيان) أن تكون مكانها.. ودخلت تلك الدورة وكانت البداية الحقيقية لهذه المراسلة التي أصبحت مضرب المثل وأحد نجوم الحرب التلفزيونية الحديثة.. وتنتسب كريستيان أمانبور إلى أسرة إيرانية أرستقراطية من العهد السابق في إيران ولا تزال تعيش داخل إيران.. وكريستيان خريجة آداب من جامعة رود ايلند في الولايات المتحدة الأمريكية، وعملت في عدد من المحطات التلفزيونية على مهمات مختلفة، ولكن انضمامها لشبكة ال cnn عام 1983م كان بداية الظهور النجومي لهذه المراسلة التلفزيونية.. وهي حريصة على تغطية الأحداث الساخنة في العالم، فقد غطت أحداث حرب الخليج، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وحروب الصومال ويوغوسلافيا، وأفريقيا.. وأفغانستان عام 1997م وحاليا تتمركز في الباكستان حيث لم يتم السماح لها بدخول أفغانستان.. وقد توجت مجدها الشخصي بزواجها من المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس روبن Rubin، وهي تتقاضى سنويا من ال cnn مبلغا يزيد على المليون دولار أمريكي.
* تيسير علوني:
هو أحد مراسلي محطة تلفزيون الجزيرة في العاصمة كابول.. وقد أسعفه الحظ أن يتواجد في المكان المناسب وفي الوقت المناسب.. ويقوم بتغطيات مميزة عن الحرب التي تشنها قوات التحالف ضد مواقع طالبان وكهوف ابن لادن.. واستطاعت شبكة الجزيرة أن تتلقف ردود أفعال هذه الحركة من خلال أشرطة ترسل إليها من قوى الدفاع الأفغاني هناك محققة سبقا صحافيا عالميا.. حتى ان كل دقيقة من هذه التسجيلات تباع لأي محطة في العالم بمبلغ لا يقل عن عشرين ألف دولار أمريكي.. وحققت المحطة من خلال عمل وعلاقات مراسلها تيسير علوني سبقا متصلا وبشكل يومي حيث ان عدسة هذه القناة هي ربما الوحيدة التي استطاعت اصطياد مباشر وعلى الهواء لما يدور في سماء كابول الأفغانية.. وهذا السبق يزيد من متابعة أجواء الحرب من خلال هذه المحطة.. ومثلما اعترضت المؤسسة العسكرية الأمريكية على تغطيات ال cnn عام 1991م فقد اعترضت نفس المؤسسة كذلك على تغطيات هذه المحطة عام 2001م.. وكما كانت تخشى الولايات المتحدة أن تنقل عدسات التلفزة العالمية داخل العراق صورا لضحايا أبرياء من جراء قصف دول التحالف لمنشآت عراقية، فتخشى الولايات المتحدة كذلك أن يتم نفس الشيء خلال هذه الحرب، مما يؤدي الى التأثير مباشرة على الرأي العام العالمي.. لا سيما أن شبكة ال cnn كان يتابعها في حرب الخليج أكثر من مليار شخص في العالم عبر شبكتها أو عبر المحطات التي عرضت مباشرة لما يدور في محطتها.. وخصوصا في الأيام الأولى من تلك الحرب.. ولا شك أن الأرقام الحالية من المشاهدين لمتابعة المحطات التلفزيونية الأمريكية والعالمية هي قريبة من هذه الأرقام إذا لم تكن تفوق ذلك.
alkarni@ksu.edu.sa
|
|
|
|
|
