| القرية الالكترونية
*
* الجزيرة مندوب الانترنت:
إنها الحرب الأولى في عهد الإنترنت فالاختراع العجيب الذي خرج قبل أربعة عقود من مختبر وزارة الدفاع الأميركية آن الأوان لاختباره اليوم، وها هي شبكة الإنترنت بعد دقائق من حدوث الهجمات الارهابية في أمريكا تنجح في إثبات جدارتها بل وتفوقها كأداة إعلامية واتصالية فعالة في مواكبة أولى حروب القرن الجديد، واستطاعت نزع التاج عن رؤوس كبرى شبكات التلفزة العالمية والتي صنعت الحروب مجد بعضها أيضاً لذلك سارعت الفضائيات وتحديدا تلك التي تملك مواقع إخبارية على الشبكة (كموقع BBC على سبيل المثال)، إلى تجييش تقنياتها كافة في خدمة رواد الويب ومدهم بمواد إخبارية ديناميكية تختلف نوعيا عن البث الميكانيكي للأحداث على شاشة التلفاز فأتاح لهم تنوع وغزارة المادة المعروضة على صفحاتها سواء أكانت مقروءة أم مسموعة أومرئية اختيارات عدة بدلا من مادة واحدة تفرضها شبكة التلفزيون، في المقابل لم يكن الأمر مشابها بالنسبة لموقع محطة CNN الشبكي الذي بدا فقيرا بالمعلومات في البداية قبل أن يستعيد نشاطه الطبيعي.
نجاح اتصالي وإعلامي
لكن الدور الأبرز للإنترنت من الناحية الإعلامية ظهر في اللجوء الكبير إلى القوائم البريدية mailing lists كوسيلة بديلة لتلك المواقع الإخبارية التي ناءت تحت ثقل الضغط من الزائرين، فلم يستطع أكثر من 57% من زوار ال(بي بي سي) مثلا من دخول موقعها على الإنترنت، وتباطأت عملية إنزال الموقع بشكل وصفه القائمون عليه بأنه أفظع من البطء الذي تسبب فيه فيروس الرمز الأحمر code red. والمثير في الأمر هو السرعة التي قام بها الأفراد العاديون في تغطية الأحداث المتلاحقة باستخدام الإنترنت، والتي لم تقل عن سرعة أطقم التلفزيون التي تبث إرسالها حيا من مواقع الأحداث فقد كان شهود العيان يرسلون عبر مواقعهما الشخصية تقارير فورية عما يقع، نافست بعض الشيء المحطات التلفزيونية، النجاح الإعلامي واكبه أيضا نجاح اتصالي فما إن وقعت واقعة الحادي عشر من سبتمبر حتى هرع الناس إلى الهواتف العادية والجوالة للاطمئنان على ذويهم أوطمأنتهم إلا أن الشبكات التي تدعم كليهما سقطت تحت ثقل كثافة الاتصالات.
ولم يبق أمام الناس إلا المكاتب التي تتصل بالإنترنت حيث لجأ إليها البعض لإجراء مكالماتهم الهاتفية عبر جهاز الكومبيوتر كوسيلة بديلة للتلفونات العادية، وذلك من خلال الرسائل الفورية instant messenger أو غرف الدردشة وقد صمدت شبكة الإنترنت ولم تسقط كغيرها من شبكات الاتصال إذ إنها ومنذ البداية أعدت بطريقة أكثر مرونة؛ فالاتصالات عبرها تتم بطريقة ذكية تمكنها من الالتفاف حول أي اختناق مهما بلغت كثافة الاتصالات بينما ينبغي على خطوط التلفونات العادية المرور عبر شبكات محددة وكذلك الهواتف الجوالة ليتم الاتصال من خلال عدد محدود من هوائيات الراديو وقد استغل أهالي نيويورك هذه الميزة أثناء وقوع الكارثة؛ وقاموا بإنشاء موقع لحصر وإحصاء المفقودين بعد انهيار مبنيي مركز التجارة العالمية كذلك كان موقع الصليب الأحمر الأمريكي على الشبكة وسيلة اتصال رئيسية وفرت عليه الكثير من الجهود فيما يخص مسألة الاتصالات.
وسيلة لحشد التضامن:
إلى ذلك تحولت شبكة الإنترنت إلى وسيلة رئيسية لحشد التضامن الأميركي الفيدرالي وتلقى عدد كبير من الأمريكيين عبارة (كن على مستوى الحدث).. وهو تضامن تنوعت مظاهره ومضامينه وأدواته، وبرزت آلاف المواقع التي نشرت لوائح طويلة من الأسماء المقرونة بشهادات إنسانية مؤثرة منتقاة من قلب الحدث بدءا من: (إننا بخير. لقد قررنا في اللحظة الأخيرة عدم دخول بناية مركز التجارة) أو (كنت في الطابق 91 وها أنا لا أزال حيا!) (لقد وصلت متأخرا إلى العمل. لقد نجوت.. نجوت) وصولا إلى (يا إلهي، لقد فقدت دفتر شيكاتي في المبنى المخرب!).
أما الرسائل الالكترونية (الجماعية) التي طالما أثارت حفيظة مستخدمي الانترنت بانهمارها على بريدهم من دون إذن حاملة نكات إباحية وخططا للثراء السريع فقد أصبحت تدعو القراء إلى إضاءة الشموع وارتداء ألوان العلم الأمريكي، وحملت احداها عبارات: (أظهروا لأولئك الإرهابيين أننا نحن الأمريكيين يد واحدة.. دعونا نُبقى على معنى (المتحدة) في اسم الولايات المتحدة، ودعت غالبيتها إلى (أرسل هذه الرسالة إلى كل شخص على قائمة رسائلك الالكترونية) وذلك بهدف خلق أجواء التضامن الجماعي، وقد يستوجب التضامن ارسال أكاليل من الورود وذلك عن طريق متاجر استغلت هذا الحدث لتسويق ورودها عالميا، بحثا عن الكسب المشروع مثل متجر (فلورز يو أس ايه) الذي يرسل كلمة شكر على اختياره كأحد المتاجرالمختارة في هذه المهمه! THANK YOU FOR CHOOSING FLOWERS USA.
أيضاً التبرع لصالح إنقاذ آلاف الضحايا والمفقودين، وهو الدور الذي نجحت الشبكة بأدائه كما لم يفعل أي صندوق إغاثة لأي جمعية خيرية من قبل. ففي مدة يومين فقط حقق موقع الصليب الأحمر الدولي على سبيل المثال رقما قياسيا في عدد زواره وصل إلى خمسة ملايين زائر معظمهم من المتبرعين كما تمكن موقع (امازون. كوم)العملاق في مجال التجارة الالكترونية من جمع ما يفوق مليونين وخمسمائة ألف دولار من زواره الواهبين الذين بلغ عددهم سبعين ألفاً.
مصائب قوم ...
في المقابل وكما في كل حرب كان اللصوص جاهزين وسط انشغال الناس بالمعركة ليندسوا في صناديق البريد الإلكتروني منتحلين صفة جمعيات إنسانية ومستفيدين من الحالة العاطفية من أجل الاحتيال على المواطنين ودفعهم للتبرع لجهات وهمية.
وهو ما دأبت وسائل الإعلام على التحذير منه وطلبت الإبلاغ عن أي حادث من هذا النوع.
دعوة للسلام
كما ارتدت الشبكة الافتراضية أيضاً ثياب الحداد، وباتت وسيلة تفاعلية إلى أقصى الحدود.. وكأنها استمدت إنسانية ما من الكم الهائل للصور والعبارات المأساوية التي حملتها ربما عبرت عنها العرائض والبيانات التي انتشرت على الويب الأمريكي تدعو الرئيس جورج بوش إلى عدم إعلان الحرب على أي كان لأن من شأن ذلك سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء كما حدث تماما على الأرض الأميركية، ورصدت إحدى تلك العرائض كهدف لها جمع تواقيع مليون مستخدم للإنترنت عبر العالم.
وتم بالفعل إرسال أول عشرين ألف توقيع للرئيس الأمريكي تدعوه فيها للحذر والعمل لصالح السلام على الأرض ولصالح شعوب الكرة الأرضية، وهي نداءات تذكر بنداءات المتظاهرين المنددين بحرب فيتنام قبل عقود قليلة.. لكنه زمان آخر يسهل فيه الاتصال بالملايين المختلفة من البشر في آن واحد ويسهل فيه إيصال الرسائل للرئيس الأمريكي نفسه الذي قد يتأثر بها أو قد يهملها لكنها في كل الأحوال تدل على شعور انساني (لمجتهد إلكتروني) فضل الفعل أي فعل، على عدمه.
حرب الفيروسات
ولكن وفي المقابل كشفت الأحداث الأمريكية عن وجه مغاير للشبكة، وجه شرير محرض على الحرب مستغل مقتنص للفرص.. انه الوجه الآخر لتكنولوجيا ركوب الكارثة والذي برز مع تحول الإنترنت إلى ساحة معارك ومواجهات حفرت خنادقها في غرف الدردشة ومنتديات الحوار التي زلزلها صدى صدام الحضارات المتفجر، واشتعلت فيها حروب الهاكرز (قراصنة الإنترنت) الذين أطلقوا هجماتهم ضد المواقع الإسلامية أيا كانت وأينما وجدت وكان أحد الضحايا موقع وزير الداخلية الإيراني الذي هاجمته جماعة (رافا) تاركة بصماتها.
وعاد الفيروس من جديد سلاحا مفضلا في الحروب الالكترونية فهاجم فيروس (دبليوتي سي) WTC وهي الحروف الأولى من اسم مركز التجارة العالمي مواقع ذات صلة بحركة طالبان الحاكمة في أفغانستان بينما بدأ فيروس مجهول يتظاهر بتقديم معلومات جديدة حول الهجمات في إصابة أجهزة الكمبيوتر أما فيروس (نيمدا)، المرشح للتفوق على سلفه (كود ريد) من حيث حجم الأضرار التي قد يخلفها فلم يثبت بعد أي ارتباط له بأحداث الحادي عشر من سبتمبر علما بأنه يأتي في رسائل مصابة على البريد الإلكتروني لا عنوان لها وتحتوي على ملف ملحق بالرسالة بعنوان (ريد مي إي. اكس. إي) Read me. exe ولم تقتصر قرصنة الإنترنت فقط على ما تقوم به جماعات الهاكرز فهناك القراصنة التجار أيضا الذين أرادوا استغلال حكمة (مصائب قوم عند قوم فوائد) فحفلت مواقعهم بعروض تجارية من وحي الكارثة معلنة بيع كل ما يتعلق بمركز التجارة العالمي المنهار بدءا من قطع الأنقاض وصولا إلى كتب كانت في المبنى وشرائط فيديو تسجل لحظة انهياره لم تسلم حتى أسماء المواقع المرتبطة بالحدث من الهجمة التجارية إذ حجز أحدهم أسماء محددة ثم عرضها للبيع بأسعار مرتفعة كالعناوين التالية:
attacksonamerica.com,pentagon attack.com وwtcplanecrash.com ويقول أحد مقتنصي تلك الفرص: (لدي الآن عرض بقيمة خمسين ألف دولار من أجل attacksonamerica.com وسوف أبيع للمشتري الذي يدفع مبلغ مائة ألف دولار لقاء العنوانين الثانيين)، ولا تقتصر عروض البيع على الإنترنت على ذلك فقط فبسبب الفشل الذي منيت به أجهزة الكشف عن الأسلحة في الطائرات وبحجة أن بعض الأسلحة والسكاكين غير معدنية ومصنوعة من مواد لا تكشفها أجهزة رصد الأسلحة المعدنية نشر موقع abcnews تحت عنوان (تكنولوجيا جديدة تدعم أمن المطارات) ما يشبه الترويج والتسويق لمنتجات بعض الشركات العاملة من تقنيات الكشف والتحري في المطارات؛ منها آلة جديدة تستخدم أشعة إكس بطريقة غير تقليدية حيث تخترق الملابس والجلد واللحم بمسافة بضعة مليمترات داخل جسم المسافر، وفي حين تنعكس من الملابس وأنسجة الجسم إشارات ضعيفة فإن الأشياء الأصلب من عملات وأسلحة وسكاكين حتى ولو لم تكن معدنية تعكس الأشعة بشكل إشارات قوية فتقوم أجهزة الكمبيوتر بمعالجتها من خلال برامج متقدمة ترسم صورة لهذه الأشياء، وهذه التقنية هي على حد زعم الشركة أقل ضرراً من التقنيات المستخدمة حاليا؛ إذ لا يستغرق الكشف من خلالها إلا لثلاث ثوان.شركة أخرى عرضت جهازا يستقبل الفروقات في درجات الحرارة المنبعثة من جسم المسافر وهو ما يعطيها القدرة على الكشف عن الأسلحة المخبأة، وهذه التقنية لا تنطوي على أي ضرر بالمسافر حيث لا تستخدم أية إشعاعات أو موجات.
|
|
|
|
|