| الثقافية
* كتب علي سعد القحطاني:
ألقى الأستاذ توماس طومسون الأستاذ في جامعة كوبنهاجن في الدنمارك محاضرة في قاعة الملك فيصل للدراسات الإسلامية وذلك مساء يوم الاثنين 21/7/1422ه الموافق 8/10/2001م بعنوان رؤية جديدة حول تاريخ فلسطين وهو معروف بآرائه الجريئة حول تاريخ اليهود ودولة الاحتلال الاسرائيلي واحتوت ورقته على نظرات جديدة في تاريخ فلسطين حيث قال ان من ينظر في مصادر كتابة التاريخ عند الغربيين يجد ان ما كتب عن تاريخ فلسطين طغى عليه دوما الاهتمام بالتوراة ومصادرها كما هي معروفة في مملكة اسرائيل ويهوذا القديمة وحتى تاريخ العصر البرونزي نفسه (أي الفترة الواقعة بين عامي 3000 و1200 ق.م) ظل حتى فترة الخمس والعشرين سنة الماضية مقترنا في كتابته الى حد كبير ببدايات العبريين وبوضعه مقدمة لكتابه اسرائيل لكن ومنذ سنة 1967م بشكل خاص، فإن قيام الحركة الوطنية الفلسطينية في أعقاب الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية ادى الى بروز نزعة اكبر في الدراسات الأثرية والكتابات التاريخية إلى التحرر من وطأة الدراسات التوراتية ومسألة أصل اليهود، كما نشط الجدل حول طبيعة تاريخ فلسطين وأهميته بالنسبة إلى من يؤرخ للعصر البرونزي وكذلك وبشكل متزايد وبلغ ذلك الجدل درجة من القوة والحدة حيث شمل قضايا ذات صلة بأصل الشعوب وبوجه خاص قضايا استمرارية الاديان وعلاقتها بالاعراف، ولقد اصبح الباحثون يعتمدون بشكل كبير حول نصوص التوراة في كتابة تاريخ اسرائيل بل ان بعض المؤرخين شككوا الى حد كبير في مدى امكانية ذلك التاريخ أصلاً.
وتساءل الباحث في ورقته حول ذلك الموضوع الذي يستمد جذوره من الادبيات التوراتية التي لا يوازيها من وجهة نظر اكثر علمانية الا سؤال آخر هو في الحقيقة السؤال نفسه لكن بصيغة ثانية وهو التالي: هل بالامكان ان نكتب تاريخ فلسطين باعتبار ان جذوره تمتد بعيدا عن التوراة وتتضح الطبيعة المزدوجة لمشكلتنا التاريخية هذه بمجرد ان نشرع في التساؤل حول تاريخ هذه المنطقة كما تعرضه المصادر الاثرية والتاريخية ذلك ان المشكلات التي تواجه كل من يتصدى لوصف المجموعات السكانية التي كانت تعيش في فلسطين خلال القرن 12 ق.م (ولا نقصد بفلسطين هنا فقط من مناطقها الجبلية التي ضمت المراكز التي شكلت فيما بعد مملكتي اسرائيل ويهوذا. ولكن ايضا بقية المناطق التي شكلت فلسطين الكبرى) تصبح مشحونة بشكل بالغ وخطير بأسئلة وتنطوي على مغالطات تاريخية حول الاصول العرقية (لشعوب المنطقة) فالادوار التنافسية التي شهدها التاريخ والتي لعبها كل من السامريين واليهود في آخر العهد الفارسي لا تصرفنا فقط عن الاهتمام بتاريخ المنطقة ككل خلال العصر الحديدي بل تجعل من الصعب علينا جدا ان نفسرالمعلومات التاريخية التي لدينا عن هذه المرحلة التاريخية المبكرة. سأقوم بتحديد بعض المشكلات التاريخية التي تحيط بتعريف الاصل العرقي الاسرائيلي وكيف انها كانت انعكاسا للتطورات الفكرية التي شهدتها الامبراطوريتان الآشورية والفارسية اللتان كان لهما تأثير على تطور النصوص التوراتية وعلى هذا النحو، سيكون بإمكاني كما آمل أن أعيد من جديد طرح قضية تاريخ فلسطين الذي يعد تاريخ اسرائيل جزءا منه.
وأكد الباحث على ان الانتقال ببؤرة التركيز عند التاريخ لفلسطيني خلال العصر الحديدي بعيدا عن التوراة بوصفها قصة نشأة اليهودية والمسيحية، سيساعدنا على الابتعاد عن قضية ذات طبيعة لاهوتية في جوهرها. وهي قضية *صنع الهوية< أو *ابداع الهوية< فلو نظرنا بدلا عن ذلك في ماضي فلسطين البعيد بوصفه تاريخا لمنطقة جغرافية خاصة يمثل جزءا من تاريخ العالم، فسيكون بالامكان وضع حد لمنهج في كتابتنا لتاريخ منطقة طالما نطرنا إليه على أنه مستقبلها في منظور تاريخ الاديان.
وبين الدكتور توماس ان هناك اهتمامات معاصرة تحتوي على جانب الاغراء بقرائن جديدة ممكنة لكتابة اكثر من تاريخ لفلسطين ما قبل الشتات وفلسطين ما قبل العهد المسيحي وفلسطين ما قبل العهد الاسلامي، فإني افضل عند حدود العصر الحديدي والحديث عن فلسطين ما قبل التوراة وذلك ولو لمجرد الحفاظ على بقية ضئيلة من استقلال العصور القديمة عن مستقبلها وعن الاحداث التي شهدها ماضينا القريب.
ونتساءل ما الذي يدفع بالدكتور توماس الى الاهتمام بهذه القضية فيقول: لست افعل ذلك تجاهلاً مني لدور التاريخ بوصفه رواية النشأة (أو رواية المبتدأ) ولكني أريد أكثر من أي شيء آخر تأكيد حقيقة أن بإمكاني توضيح الدور الذي لعبته فلسطين للعصر الحديدي في تاريخ عالمنا اكثر من الادوار التي تنسبها إليها روايات هي ثمرة مفارقات تاريخية جاءت لتخدم أهدافاً سياسية حديثة.
ويسلط الدكتور توماس الضوء على الأحداث 1300 ما قبل الميلاد المنطقة فيقول: إن أولى المشكلات التي تتطلب منا معالجة نقدية فيما لدينا من وصف لعدد كبير من مراكز الاستيطان الجديدة التي نشأت نتيجة انهيار مدنها يعود تاريخها الى العصر البرونزي ونتيجة انهيار حركة التجارة الدولية التي كانت تستمد قوتها من سيطرة مصر على المنطقة خلال سنة 1300 ق.م فقد كنا بوصفنا مؤرخين، منشغلين بما اذا كان تاريخنا متوافقا مع التوراة الى درجة سمحنا معها بقراءة ساذجة لبعض التوراة نقوم على أساسها بانتقاء المعلومات الاثرية المتوفرة لدينا وذلك حتى عندما نحاول تفسيرها بفكر نقدي وبذلك ورغم وجود اتفاق واسع بين المؤرخين على ان مراكز الاستيطان الجديدة التي نشأت في المناطق الجبلية كانت نتيجة لهجرات سكانية من المناطق المنخفضة (من السهول) فقد انحصر اهتمامنا الى حد كبير في مراكز الاستيطان الواقعة في المنطقة بين رام الله وجنين مما ادى بنا الى تعديل روايتنا عن جذور اسرائيل واغرانا علاوة على ذلك بالسعي جُهْدَنا الى المحافظة على اكبر قدر ممكن من تلك الرواية.
بعد ذلك استعرض الباحث قيام دولة اسرائيل المزعومة في التاريخ وقال: ان وجود الفلسطينيين القدماء كمجموعة عرقية قائمة بذاتها وعلل الدكتور توماس مسمى اسرائيل الذي وجد منقوشاً على العمود الحجري التذكاري للفرعون *مرنبتاح< الذي يعود تاريخه للقرن 13 ق.م حيث انه لا يشير الى جماعة عرقية بعينها من بين الجماعات الاخرى التي كانت تعيش في فلسطين على الرغم من ان النقش يستخدم في الرسم الهيروغليفي الذي يرمز الى معنى شعب.
وأخذ الباحث يسرد قصة اسرائيل عبر اطوار التاريخ وأبنائه الاثني عشر الذين يمثلون فيما بعد قبيلة واللغات التي كانوا يستخدمونها وحكاياتهم الاسطورية حول تقاليدهم وعاداتهم وأنماط سلوكياتهم وختم الدكتور توماس ورقته قائلاً: يجب اعادة النظر في قراءة المرويات التاريخية التي تزعم باستيطان اسرائيل تلك الارض المقدسة.
|
|
|
|
|