تكملة لمقال سابق في العدد «10563» عن اللون السامري ومنذ الانطلاقة الأولى وتعاونه مع توزيعات الشرق في الستينيات وبداية مع أغنيتي «آه أنا» «وا عذابي» و«ليتني ما شفت في عيونك دموع»
وبعد نزولهما كان لهما صدى واسع في تلك الفترة تولدت لدى محمد عبده فكرة بأن يبحث في الأعماق عن هذا اللون ويختلط بأصحابه
ويسمع منهم هذا اللون من التطريب الجميل والمعاني التي لا تخلو معظمها من الفائدة التي تهم كل من يسمع لهذا الشعر ولهذا التراث وبدأت الرحلة وبدأ ذلك المشوار.
ومع سنوات كثيرة من العمل الفني المتواصل حجز فنان العرب موقعاً خاصاً على الساحة الغنائية وخصوصاً في هذا المجال.
فمعظم المطربين هنا وعلى مستوى الخليج قدموا هذا اللون من الغناء ومع هذا الكم الهائل منه ومع شهرته عند ظهوره وترديد الناس لأغانيه تلاشى في هذا الوقت،
ومع هذا يظل محمد عبده هو الوحيد بكل ثقة الذي أجاد تقديمه وتطويره بالشكل الذي لا يفقده المعنى الجمالي والتطريبي والخاصية الفنية عندما يظهر للسامع..
ولازالت ولا تزال مجموعة تحسب بالعشرات من القصائد مطلوبة في سوق الكاسيت. وعندما نسمع:
يا عين هلي واستهلي وهاتي
هاتي غزير الدمع لا تبخلينه
كم ليلة حرّم عليك المباتي
يسهرك ويساهرك وتساهرينه
فالتكيف مع هذه الأبيات الجميلة أضاف لمسة ابداعية عالية من التلحين لا تجدها مع فنان آخر لو قام بأدائها....!....
وتطويع اللحن ليكون مناسباً مع المعنى هو الذي يفرض على السامع وبدون ارادة أن يتمايل برأسه ويردد معه ما يقوله..!
مثال:
لوعات بعدك يا عيوني كفتني
لو ما شكيت البعد قلبي شكاله
والله منسى كلمة منه جتني
فيها ملك روحي وقلبي صفاله
التصوير لهذه الأبيات من الناحية اللحنية عذبة أضافت لها وجدانيات شاعر محب ذي احساس رفيع اجتمعت فيها مقومات الكلمة ذات معنى وصوت جميل ينساب بثقة من حنجرة محمد عبده..
هوجاس قلبي لتلع الجيد نزاع
وقلبي على شانه يحب الهواجيس
أبو رموش بابيض الخد شراع
بعده يغصب دموع عين محابيس
طريقة تقديمه في الأبيات التالية تغيرت فيها نغمة الأداء حيث أصبح هادئاً بعض الشيء ليعطي المعنى بعداً ويصل إلى المتلقي ولا يمل من سماعها عند ما يقول:
وين انت يا سيد المزايين وين انت
وين انت ياللي شوفتك من حياتي
عز الله انك في عذابي تفننت
خليتني بين الرجاء والمماتي
مثال آخر:
والله لو ما عيش نفسي برجواك
وأجزم وكاد انه يهمك خبرها
مجرى اللحن في البيت الثاني وهو:
لطفي شعاع العمر لا غيب ضياك
عميت عيون ما يطولك نظرها
هنا يتغير ليضفي عليه لمسة لحنية راقية ليكتمل المعنى وهذا بالفعل قمة التميز والابداع في أداء محمد عبده..
إن القليل من الملحنين هم الذين يعرفون هذا السر في التغيير الذي يقوم به محمد عبده في الجملة اللحنية بدليل أن جميع القصائد التي غناها بهذا اللون هي من ألحانه..
عندما نسمعه يقول:
يا مهات الجيد كاملة الوصوف
ذاب قلبي في غرامك ونكوى
وش يفيد الهرج مع كثر الحلوف
لو عذلت القلب عنكم ما قوى
ما تشوف العين مثلك ما تشوف
عقب تفريق الليالي والنوى
في هذه الأبيات الجميلة هناك شيء زادها عذوبة وهو المد القصير الذي طغى على كلماتها وأصبحت كاملة
وأضاف لها نشوة مع حزن خفيف ولمسة حنان لا تمل من سماعها ولأنه يجمع بيتين بيتين ثم بعد ذلك يعيد البيت الثاني مع الثالث وهكذا حتى النهاية..
إن الحديث والكلام يطول ويطول عن هذا الفن الممتع والراقي..
وتظل هذه الألحان وهذه المعاني عالقة وراسخة في النفس والوجدان يرددها كل متذوق لهذا اللون ما دامت الحياة باقية.
وأخيراً لا نقول إلا كما قال فنان العرب: