| مقـالات
أسوأ ما عرف الإنسان خلال تاريخه الطويل في علاقاته بالآخرين أو بالقوى المجاورة له هو الحرب. فكم جنت عليه وعلى مجتمعه وحتى كونه إن عاجلا أو آجلا. ولولا الحرب ومضعفاتها ومشتقاتها ومتلازماتها لكان هذا الكون جنة من التكامل والتضامن ... ولكنه بالحرب كلما خرج من دورة حربية انتقل إلى أخرى سببتها الماضية أو مهدت هي للقادمة ظلم وظلمات من الحروب والمآسي يأخذ بعضها برقاب بعض يحار فيها الأفراد والمجتمعات ولكن تبقى قوى خلف الكواليس تشعل أوارها كل حين وتوظفها في كل مجال.
والغريب في وتيرة الحروب وفي محكم تاريخها أنها من صناعة الأقوياء فالضعفاء أفرادا أو مجتمعات ودولا لا يبدؤونها ولا يحتملونها وليسوا في مستواها فلهم من ضعفهم وجهلهم وفقرهم وحتى مرضهم شاغل وأي شاغل يكدحون نهار دهرهم مع ليله في سبيل لقمة العيش ومقتضياتها جيلا بعد جيل أما الأقوياء فهم في نهم مزيد كل يوم أوكل مرحلة خشية نقص مستوى معيشتهم أو المنافسة فيه ولذلك يغلب عليهم سعي إلى القوة والحرب للآخرين خشية أن تمتد آمالهم وطموحاتهم إليهم ومشاركتهم في رغيد الحياة أو في سبيل التكثر والاستزادة بما لديهم واستغلال ما تعجز إمكاناتهم عن ا ستخراجه وإدارة أصحابه وربطهم بمدينتهم وجعلهم وقودا ينضح المزيد له في مجالات مختلفة أو يشعلوا الأقوياء الحرب ضد الأقوياء الآخرين منافسة على الضعفاء والفوز أو حتى تقاسم الثروة والنفوذ في ديارهم.
فإذا ما حدث أن بلدا أو مجتمعا ضعيفا أو مجمع ضعفاء قام بالحرب فهو يكون دائما في موقع ردة الفعل والدفاع عن الذات ومصائرها ومقدراتها ومحاربة أساليب الاحتواء والالتفاف والتلون والانتقاء في بلده التي يقوم بها الآخرون الأقوياء نحوه ومن ثم طفح بها الكيل ولم يعد يحتملها الصبر الاجتماعي والمصيري لديه.
ونسي الأقوياء أو تناسوا بالتأكيد أن هذا السلوك والسياسات هي أبعد ما تكون عن الحضارة المدعاة لديهم من قبلهم وأنه إذا كانت الحضارة بهذا المفهوم فإن أحدا لن يتحضر وأن قيمها مثل العدل والمساواة والأخوة والحرية هي مجرد هراء لا قيمة له ولكن لحسن الحظ أن أمما وشعوبا أخرى عرفت الحضارة وتطبيقاتها السامية في مجالات عديدة في عصور وقارات أخرى وتفيأت القوة أحقابا من التاريخ وعاملت أقوياء اليوم وضعفاء الأمس معاملة حضارية حقيقية بعيدة عن مفاهيم العلية والتسامي والغطرسة عليهم لعلة بسيطة أن هذه المفاهيم تتنافى والسلوك الحضاري وتصادمه وتودي به.
وقد غاب عن الاثنين الضعفاء والأقوياء اجتماعيا وأمميا أن الأقوياء بمثل هذه السياسات والمواقف والمناورات والتلون التعاملي إزاء الآخرين إنما يرتكسون وكل يوم يضعون لبنة في صرح كرههم عالميا وسقوطهم شاءوا أم أبوا وغاب عن الاثنين أيضا أن واقع الضعيف وتحدي الأقوياء له يحفزه تدريجيا على الارتفاع والارتقاء والقوة فكثرة الضغط تولد ما تولد والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبة ما دامت القوة أو الضعف لأحد على الرغم من عنف المواجهة بين الجانبين أزليا هذه «سنين» الحياة وناموس كونها لكن إنسان الاثنين خُلِق عجولاً.
|
|
|
|
|