| الثقافية
* حوار/ تركي إبراهيم الماضي:
التقيت أ. د. سعد البازعي بعد أيام من إلقائه لمحاضرته الجريئة (أثر المكوّن اليهودي في الثقافة المعاصرة) والتي شهدت حضوراً مميزاً ووجدت صدى مؤثراً على الساحة الثقافية..
وقد وجدتها فرصة سانحة لأسأله عن انقطاعه الطويل عن الساحة الأدبية وبخاصة النشاط المنبري الذي لم يشهد العام الماضي أي نشاط يذكر له، بالإضافة إلى الأسئلة الأخرى التي تطرقت لموضوع المحاضرة.
(انقطاع عن الكتابة الصحفية)
* انقطاعك الطويل عن الساحة الأدبية طوال عام مضى ما أسبابه؟!
لا أعد نفسي منقطعاً عن الساحة الأدبية. كنت فقط منقطعاً عن الكتابة الصحفية المنتظمة، فالعلاقة بالساحة الأدبية تأخذ أشكالاً مختلفة، أهمها التأليف، وكان لي منه نصيب وإن تواضع، وأضعفها المتابعة، كان لي منها نصيب غير متواضع. فأمثالي ممن يحترفون القراءة والكتابة لا يستطيعون الانقطاع أصلاً، لكن تواصلهم ليس واحداً. فإن لم يكونوا يكتبون ما يذكر بحضورهم الصحفي، فإنهم غالباً ما يكونون مشغولين بتأليف أكثر ديمومة.
(حساسية الموضوع)
* محاضرتك الأخيرة عن (أثر المكوّن اليهودي في الثقافة المعاصرة).. ألم تخش من حساسية الموضوع المطروح خاصة في ظل الأحداث الأخيرة؟!
حساسية موضوع اليهود كانت الدافع الرئيس وراء طرحه أصلاً، ليس بالطبع بحثاً عن الإثارة، وإنما تأكيد للأهمية وإلقاء للضوء على طبيعة تلك الأهمية. كل ما كنت أخشاه هو سوء فهم الموضوع، وهذا والحمد لله لم يحدث بالشكل الذي خشيت. نعم كان هناك بعض الاختلاف في وجهات النظر، وهذا طبيعي بل وحيوي، كما هو معروف.
* شارك الحضور بفعالية في محاضرتك وكانت هناك مداخلات جريئة ولكنها لم تخرج عن إطار (أدب الاختلاف) إلام تعزو هذا النضج والتفهم لدى حضور المحاضرة الذين تتفاوت مستوياتهم الثقافية؟!
المداخلات الجريئة كانت مصدر سعادة غامرة بالنسبة لي، وأود أن أضيف أن بعض تلك المداخلات كان متميزاً بالعمق بالإضافة إلى جرأته، وهو ما شد انتباهي، وان مثل تلك المداخلات عادة أن تدعم النشاط البحثي لدى المحاضر بلفت انتباهه إلى جوانب قد تكون فاتت عليه. بل إن أحد أهداف النشاط الثقافي المنبري الذي نطلق عليه اسم «محاضرة » هو هذا التفاعل لأن المحاضر يسعى، كما ينبغي بالطبع، إلى تفاعل لا يكون بموجبه مرسلاً فحسب، وإنما متلق أيضاً، وإلا لكانت الكتابة أنسب. والحق أن ذلك كان هدفاً أساسياً بالنسبة لي يضاف إلى هدف إلقاء الضوء على مسألة ثقافية أحسبها مهمة. وكم كنت سعيداً وأنا أخرج بكل تلك الحصيلة من الآراء والانطباعات، وكم هو شكري جزيل لمن أسهم بها.
(غياب النقاد)
* لا يزال النقاد متهمين بعدم الالتفات إلى الإصدارات المحلية التي تتزايد يوماً بعد يوم دون أن تجد قلم ناقد يتعرض لها بالقراءة النقدية الواعية.. لماذا؟!
لا ألوم النقاد، كما لا ألوم من يلوم النقاد. وأقصد الناقد الأدبي، قارىء مثقف ومدرب في ميدان اهتمامه ومن ثم فهو مطالب بتقديم ما لديه لا سيما في مجال المتابعة لما ينشر.
لكني في الوقت نفسه لا ألوم النقاد ان لم يتمكنوا من متابعة كل ما ينشر، بل وحتى معظم ما ينشر، لكثرته بطبيعة الحال. غير أن للمسألة وجهاً آخر يفوت على الكثيرين فيما يبدو. وهو أننا لم نصل بعد إلى تحديد هوية الناقد الذي نقصد. فالنقد يأخذ عادة واحداً من وجهين: نقد منهجي بحثي أقرب إلى الدرس الأكاديمي العلمي الذي يتوقف عند الظواهر ويرصدها عن بعد وعلى فترات طويلة نسبياً، ونقد متابعة على المستوى اليومي، مهمته رصد النشاط الأدبي على الساحة بشكل سريع وإن لم يكن بالضرورة انطباعياً.
معظم الذين يعملون في الساحة النقدية لدينا هم من الفئة الأولى، أما الفئة الثانية فتكاد تكون غائبة، أو هي لم تتطور بعد. وجزء من المسؤولية في ذلك يقع على الصحافة الأدبية التي لم تلتفت بعد إلى هذه المهمة التي لن تقوم إلا باحتضان مواهب من هذا النوع تقوم بما يمكن أن نسميه «نقد المراجعات» أي النقد الذي يقوم على قراءة ما ينشر أولاً بأول وبالقدر الممكن وإعطاء تقويم سريع، قد يكون أولياً وقد يخالطه بعض الانطباع، لكنه مهم كردة فعل أولية يبحث عنها الكتّاب (وإن لم تسعدهم دائما!). وهذا بالطبع ليس مما ينتظر من ناقد الفئة الأولى، التي أعد نفسي ومعظم الزملاء في الجامعات، منها. فنقدنا نقد النفس الطويل أو المدى الطويل إن شئت، نقد يتمخض عن أبحاث أو أوراق، أو كتب.
غير أنني على الرغم من كل ذلك لا أرى أن الفئتين المشار إليهما متباعدتان كل التباعد، بل إن هناك تداخلا كبيرا، لأنه ليس هناك ما يمنع باحثاً جامعياً من متابعة بعض ما ينشر، والعكس بالنسبة لمن يتابع اليومي. فالمسألة ليست مسألة وظائف معزولة عن بعضها البعض.
أخيراً أقول إن الصحافة الثقافية مسؤولة عن تطوير النقد المتابع، فحري بها أن تستكتب من تتوخى فيهم الاهتمام بدفع بعض النتاج إليهم وطلب كتابة مراجعات في فترات زمنية محددة. فالموهبة النقدية، شأن غيرها من المواهب، تنمو بالرعاية المعنوية والمادية معاً. البحث والطلب وتقدير ما يكتبه الناقد رعاية معنوية، وتقديم المكافآت المجزية دعم معنوي يستحقه من يقدم الجيد المفيد.
|
|
|
|
|