| مقـالات
الأحداث الكبرى المدهشة المفاجئة للبشر لا تكون شرَّاً محضاً، بل إنَّ فيها من جوانب الخير والموعظة والذكرى وتحطيم حواجز الغفلة ما يجعل جانب الخير فيها واضحاً..
كم من حدثٍ مؤلم في حياة الناس أيقظ الغافل، وأعاد رشد الغاوي، وحرَّك ضمير الباغي، ونبَّه المصلح والمرشد إلى طرقٍ في الإصلاح والإرشاد ما كان لينتبه إليها لولا وقوع ذلك الحدث.
إننا بمتابعتنا لما يجري في العالم الآن بعد حدث أمريكا لنرى من مظاهر توجُّه كثير من الناس في أوروبا وأمريكا إلى دراسة الأسباب، ومحاولة معرفة الجناة ودوافعهم، وطرح أسئلة كثيرة حول تلك الأسباب والدوافع، كما نرى من الدراسات والتحقيقات والمناقشات الدينية والثقافية عبر وسائل الإعلام المختلفة ما يشعرنا بيقظةٍ لضمير الإنسان في تلك البلاد تعدُّ إلى حدٍّ لا بأس به إيجابيةً في توفير جوٍّ من الاستعداد الذهني والنفسي لتقبُّل ما يمكن طرحُه من الأفكار البنَّاءَة، ومن التوجيه الروحي السليم لإنسان أغرقته المدنيَّة الغربية المعاصرة في أوحال من الأوهام، والأحلام التائهة، والفراغ الروحي، والانكسار النفسي، والشتات الذهني حتى صار هذا الإنسان أحوج ما يكون إلى التوجيه والإرشاد.
لا شك أن الإعلام الصهيوني بخطابه الإعلامي الطاغي استطاع أنْ يوجِّه أحداث أمريكا الأخيرة توجيهاً ألقى بالمسلمين في خضمِّ الأحداث وعرضهم بصورةٍ مؤلمة في الواجهة، مستغلاً تلك الأسماء التي يشتبه أنَّ لها علاقة بما جرى في الحادي عشر من سبتمبر. وقد لاحظنا إلحاح ذلك الإعلام الصهيوني على هذه القضية، حتى استطاع أن يخدِّر المتلقي ويوهمه أن مسؤولية المسلمين عن الأحداث أصبحت حقيقةً لا مجال للشك فيها مع أننا إلى الآن ما نزال نرى في التصريحات الرسمية الأمريكية كلمة «يشتبه» و«المشتبه فيهم» بارزةً مع كل تصريح أو خبر.
إنَّ خطورة الإعلام الصهيوني تتمثَّل في التخطيط القويّ لتوجيه الحدث توجيهاً يصرفه عن الحقيقة التي «ربما تكون قد اختفت تحت رُكام بُرجي نيويورك إلى الأبد»، وهو توجيه جعل المتلقي ينسى وهو يتابع الأحداث والأخبار كلمة «يشتبه» التي تدلُّ على أن الأمر لم يخرج عن دائرةِ الاشتباه ولذلك خرجت أسماء كثيرة من دائرة الشبهة، وتبيَّن أنها بريئة من التهمة، ولا علاقة لها بالأحداث من قريبٍ أو بعيد.
إنها الآلة الإعلامية القويَّة التي يحاربنا بها الأعداء حرباً عنيفةً لا هوادة فيها.
لقد طُرح اسم «الإسلام» و«المسلمين» مع أحداث أمريكا الأخيرة بصورة توحي بأن وراء الأكمة الإعلامية الغربية ما وراءها.
ولا شك أن الأسى يصيبنا ونحن نرى ضعف الأداة الإعلامية الإسلامية التي تقف في مواجهة الإعلام الصهيوني «الغاشم».
ومع كل ذلك فإن هنالك نقطة مضيئة في ليل الأحداث الحالك جديرة بالتركيز عليها حتى تتسع لتصبح شمساً ساطعة تكشف جحور الثعابين، وتبرز وجه الحقيقة لتراه العيون التي أعماها البريق، وحال الدخان بينها وبين رؤية الحق.
إن الإنسان الغربي يتجه الآن أكثر مما مضى إلى معرفة الإسلام والاطلاع على حقيقته، ومعرفة الكنز الروحي العظيم الذي يجعل أهله يحملونه بهذه القناعة، وبهذا اليقين.
صحيح أن بعضهم يريد أن يطَّلع على حقيقة الشحنات الروحية التي ينفثها الاسلام في قلوب أهله حتى تدفعهم إلى الاستشهاد والتضحية بالنفس دون خوف أو تردُّد، وفي ذهن هذا «البعض» أن وراء الأحداث الأمريكية التي وقعت أيدي إسلامية هي التي خطَّطت ونفَّذت، ولكنه يؤدي في النهاية إلى وجود رغبة جامحة عندهم في معرفة الدين الإسلامي بصورة أعمق، وهنا تكمن خطورة المسؤولية التي يحملها العلماء والدعاة والمثقفون، وتحملها الدول الإسلامية لتوجيه خطاب إسلامي متكامل موضوعي يوصِّل الصورة الحقيقية المضيئة للإسلام إلى أذهان أولئك الناس، الصورة التي تؤكد براءة الإسلام من كل عمل إجرامي لأنه دين الحق والعدل والخير.
الأحداث الدامية وقعت، وأثرها السلبي حصل، وبرغم كل الشُّبَه الموجَّهة بتطبيل إعلامي صهيوني إلى أسماء إسلامية، فإننا لسنا على يقين من أنَّ الفاعل الحقيقي هو مسلم، وعلى افتراض أنَّ التهمة تصح فيما بعد فإن الدين الإسلامي بريءٌ منها ولا يصح أن يحمل أكثر من مليار مسلم مسؤولية عمل إرهابي يقوم به اثنان أو ثلاثة أو أكثر أو أقل.
وهنا يبرز أمامنا السؤال الأهم:
ماذا سيقدِّم المسلمون للإنسان الغربي في ظلِّ هذه الأزمة الكبيرة؟وما الخطط المعتمدة للدعوة والتوجيه في العالم الإسلامي؟؟
وأين الأداة الإعلامية التي تبلِّغ الناس بحقيقة الدين الإسلامي الخاتم؟؟
وكيف نغتنم هذه الفرصة الكبيرة التي جعلت الإنسان الغربي يفتح ذهنه وقلبه لاستقبال معلوماتٍ تعرِّفه بالإسلام ديناً وعقيدة وثقافة؟؟
آلاف الكتب التي تتحدث عن الإسلام تنفد من الأسواق الثقافية في أوروبا وأمريكا، فهناك إقبال كبير على القراءة عن الإسلام والمسلمين بعد أحداث أمريكا الأخيرة، وسؤالنا هنا:
يا ترى ما الذي سيقرؤه الغرب عن الإسلام؟
وما مدى سلامة الفكرة والهدف الذي تتضمنه تلك الكتب؟
وكيف سيصل الإنسان الغربي إلى حقيقة الإسلام الناصعة حينما تقع يده على كتاب يتحدَّث عن الإسلام برؤيةٍ علمانية، أو ماركسية. أو بأية رؤية أخرى منحرفة؟ ولا سيما أن بعض المفكرين المسلمين المعروفين غربياً يحملون أفكاراً مشوّشةً منحرفة عن الإسلام الصحيح.
أسئلة كثيرة تُؤلمنا وتثير الأسى في نفوسنا وتشعرنا بالتقصير الكبير الذي نعاني منه في خدمة ديننا.
هنالك آلاف الكتب عن الإسلام تُوزَّع من قبل المراكز الإسلامية وسفارات المملكة وبعض الدول العربية الإسلامية الأخرى، ولكنها بلا شك لا تفي بالغرض لأن القضية تحتاج إلى الملايين.
وهناك جانب آخر مهم في الموضوع وهو: الخطاب الإسلامي المناسب الذي يؤثر في ذهن المتلقي الغربي.
ألا يستحق الأمر دراسة جادة سريعةً من وزارات الشؤون الإسلامية ووزارات الثقافة والإعلام في العالم الإسلامي للوصول إلى تحديد أسلوب الخطاب الأمثل للإنسان الغربي في هذه المرحلة والمراحل القادمة؟؟
ربما كان من الأنسب إصدار كتاب أو كتابين تتوافر فيهما الشمولية في الأفكار، والدِّقة في التعبير، والحرص على استخدام الأسلوب الملائم لتوصيل الرؤية الإسلامية الصحيحة إلى الآخرين.
وما الذي يمنع من عقد ندوةٍ أو مؤتمر دعوي سريع لصياغة هذه الفكرة صياغة علمية، وتحويلها إلى عمل منفَّذٍ يلبِّي هذه الحاجة الماسَّة، ويسدُّ هذه الثغرة المهمة.
لماذا نبقى دائماً تحت ضغط الأحداث التي يصنعها غيرنا لنا، ولماذا لا نملك زمام المبادرة في هذه القضايا المهمة التي تمسُّ عقيدتنا وفكرنا، ورؤيتنا الإسلامية الصحيحة؟؟
إننا بحاجة إلى الاقتحام الثقافي والإعلامي لأننا نحمل المادة الثقافية والفكرية السليمة التي فيها دواءٌ ناجع لكل الأمراض الفكرية التي انتشرت جراثيمها في خضمّ الصخب المادي الغربي المعاصر.
والسبيل الأمثل لتحقيق ذلك هو العمل الدعوي والثقافي والإعلامي الموحَّد إسلامياً، أو المتعاون المنسَّق إذا لم يكن توحيده ممكناً، حتى لا تضطرب الرسالة الإسلامية التي تصل إلى الآخرين.
الدُّول الإسلامية، والمراكز الثقافية، والمنافذ الإعلامية، ومراكز الدعوة والإرشاد، كلُّها تقف الآن في مواجهة المسؤولية الكبرى فماذا ستصنع يا ترى؟ .
|
|
|
|
|