| مقـالات
ليس أقسى على المشاعر الانسانية الصادقة التي هي عنوان الجود والبذل والعطاء والتضحية، ليس هناك شيء أقسى عليها من ان تفقد توأمها الوحيد التي تعلقت به وأصبح هو كل شيء بالنسبة لها وتجد نفسها وحيدة بعد ان كانت معه توأما واحدا.
وليس أقسى على تلك المشاعر المرهفة من ان تظل تائهة في دروب الحيرة منتظرة شيئا لا تعلم مدى مجيئه من عدمه، منتظرة ذلك المجهول الذي طالما أضناها انتظاره.
فيا لهذا الفراق الذي نقف معه عاجزين عن التصرف بشيء او التعبير بكلمة يالهذا الفراق الذي حينما يخترق قلوبنا كسهام نجد انفسنا وقد أصبحنا في حالة غريبة من اللاتوازن حالة من الضياع حالة من الوحدة!
يا لها الفراق الذي يكشف لنا أياً من المشاعر الانسانية نمتلكها واي من انواع ذلك الحب الذي نختزنه بداخلنا لمن اختاره قلبنا وفضله على غيره.
ولا اعتقد ان اي انسان قادر على وصف احوال الفراق وتأثيراته السلبية على نفسه ولربما على من هم حوله، وان كان هناك من شخص قادر على وصف مشاعر الفراق، فهي المشاعر نفسها، تلك المشاعر التي جربت السعادة واحست بالفرحة ومن ثم اكتوت بألم الفراق والغياب ومن ثم الحزن والكآبة.
نعم هي وحدها القادرة على تجسيد ما بداخلها من أحاسيس تجاه فراق أحب وأعز وأغلى ما تملك فماذا عساها ان تقول لمن تحب؟ لنستمع اليها وهي تقول:
ايها الانسان الصادق المفعم مشاعر المملوء حنانا لقد وجدت فيك كل ما كنت احتاجه وأتوق اليه واتمناه بعد ان كدت افقد ثقتي في كل من حولي.
وجدت فيك قلبا كبيرا متفهما وعقلا رزينا واعيا وصدرا حنونا متقبلا.
وجدت فيك بساطة متناهية وتواضعا جما وطفولة بريئة جذبتني نحوك وأعجبتني فيك وقربتني منك على نحو لم اتوقعه أو يخطر لي على بال في يوم ما.
وجدت فيك نفسي التي طالما حاولت التقرب منها ومخاطبتها والبوح لها بصوت مسموع دون خشية من حرج او محاسبة من انسان.
وجدت فيك التفاؤل الذي طالما كان جزءاً مني ولكني لم استطع التعبير عنه بالاسلوب الذي رأيته منك وعودتني عليه.
وجدت فيك طيبة الأب وحنان الام وخوفهما وحرصهما على أعز ما يملكان من فلذات أكبادهما.
وجدت فيك الانسان المتفهم الذي لطالما لجأت اليه بعد الله سبحانه وتعالى ووجدته بجانبي يعطيني من وقته ويصغي الي ويحيل دمعتي الحارة الى ابتسامة رقيقة تخفف علي ما اشعر به من معاناة ومن قهر الزمان وقسوة من هم حولي.
الآن وبعد ان تعودت عليك، بعد ان اصبحت جزءاً مني بعد ان احبك كل من حولي تصدمني بفراقك وبعدك عني؟
الآن بعد ان تعاهدنا على ان نظل اصدقاء، احباء، أوفياء، تُحيل تلك المشاعر الجميلة التي تكونت بداخلنا الى سراب؟ الى مجرد ذكرى كأي ذكرى عابرة؟
ان ما بيننا ليس شيئا عاديا يمكن ان ينسى بسهولة، يتقطع ويحترق.
بل يالمشاعر نحن الذين وجدنا انفسنا فجأة نفقد من نحب وليس ذلك فحسب بل وتحامله علينا او كرهه لنا في الوقت الذي لم نزل نحن نحبه بعمق ونتمنى ان نرجع اليه بحكم المشاعر الجميلة الصادقة اللطيفة التي تجمعنا به انه نداء الجود فهل نلتفت اليه؟ هل نرد عليه؟
همسة:
أرجوك..
لا.. ليس الآن..
ليس وقت حاجتي لك..
تتخلى عني..
تتبرأ مني.
***
لا تقل اننا افترقنا..
وان ما بيننا قد انتهى..
لا تقل ان هذه هي الظروف..
وعلينا ان نرضخ لها..
ان نُسلِّم بها..
لا تقل ان هذا هو الواقع..
وعلينا تقبُّله كما هو..
بكل قساوته..
بكل مرارته..
فما هكذا اتفقنا..
وما هكذا تعاهدنا..
هل تذكر؟
***
لِمَ نبخل على بعضنا بتواصلنا..
بسؤالنا عن بعضنا؟
بكل ما يقرّبنا من بعضنا؟
وكيف يبخل أحدنا..
وهو الجود نفسه؟
وكيف يبخل الآخر ايضا..
وهو توأمه.. روحه؟
كيف؟
* * *
لتكن المسافة بعيدة بيننا..
لتكن رغما عنا..
كما هي الآن..
ولكن.. ارجوك..
لا تجعلها تعني الفراق..
لا تجعلها تعني النسيان..
لا تجعلها تعني النهاية..
* * *
انه ندائي اليك..
نداء المشتاق اليك..
اينما كنت..
ومع من كنت..
ندائي.. رجائي..
بالا يشغلك شيئا عني..
بألا يأخذك احد مني..
بأن تتواصل معي..
كي اشعر انك فعلا توأمي..
فما عدت احتمل ألم الفراق بمفردي..
او مجرد التصديق..
بأنك لن تعود لي..
وان ما بيننا اضحى خبرا..
* * *
كم أتمنى ان تحسسني..
اننا ما زلنا لبعضنا..
وكم اتمنى ان تشعرني..
ان الامل ما زال باقيا..
* * *
فما بيننا لا ينتهي هكذا..
بسهولة .. بسرعة..
وكأن شيئا لم يكن..
ما بيننا اكبر بكثير..
وانت نفسك تعرف..
مقدار هذا الكثير..
أليس كذلك..؟
|
|
|
|
|