| محليــات
أُشيع بين أبناء اللُّغة العربية أنفسهم أمر «صعوبتها»، وانتشر الاعتقاد في ذلك... فأقبل عليها القليل، وتجنَّب دراستها الأكثر، ولأنَّها اللُّغة الأساس التي يُنفَّذ بها التعليم النظامي في المؤسسات التعليمية، فلقد أخذ يدرَّسها المدرسون )كمادة علمية( تماثل بقية المواد، يكون الهدف منها )التحصيل الدراسي( ولم يُعن عند تنفيذ تعليمها بهدفٍ أولٍ هو أنَّ على المعلم والمتعلِّم على حدِّ سواء ضرورة إتقانها وممارستها، ولأنَّ اللُّغة تحتاج إلى )شرط لازم( هو الممارسة، فإنَّ المعلم من الضرورة أن يكون قدوة عند الممارسة في التدريس، وعند الحديث في أي لحظة ومكان بلسان عربي فصيح، ولأنَّ هذا لايحدث عامة، ولايحدث داخل الفصل التعليمي على وجه التحديد إلا عند التَّمثيل، والقراءة، ونقل الخبرة إلى المتعلمين حسب مادة الدرس في علوم العربية، فإنَّها تظل في خندق الصعوبة، ذلك لأنَّها لا تُدرَّس بطريقة فعالة، ولا تُمارس بشكل تلقائي، فألسنة القوم خاصتهم فما بال عامتهم تعجز عن الممارسة..
لذا ترسَّخت فكرة عقيمة عن صعوبة اللُّغة العربية في أذهان الناس وامتدت هذه الفكرة لتشمل المجتمعات البشرية وتنتشر في )أروقة( المؤسسات التعليمية فيها، فلا نكاد نجد برامج تعليم اللُّغة العربية فيها إلاَّ عند أولئك ذوي الأغراض الاستشراقية والأهداف التوسعية ممتدة النَّظر، محدَّدة الغرض..
وانطلاقاً من )فكرة( أو )شائعة( صعوبة هذه اللُّغة نسبةً إلى الناطقين بها، ومن ثمَّ إلى سواهم ممن لاينطقونها، فإنَّه من البدهي أن تكون صعبة نسبة لهؤلاء..، وانتشار هذه الفكرة، ووصم العربية بها جاء من أبنائها، ذلك لأنَّ أبناءها والمختصّين في علومها، والملمّين بخصائصها، والمُتْقنين لها، قراءةً، وكتابةً، بنحوْها، وصرفها، وقواعد بلاغتها، وأشكال تراكيبها، ويحسنون توظيف مخارجها، ولا تفوتهم مجالات معارفها، لم يعملوا كما ينبغي حديثاً على تيسيرها، وإيضاحها، واختصار السبل لتمكينها في مخارجها، ولإتقانها على الألسنة، وذلك بعمل البرامج المختلفة ذات الاستفادة من معطيات الحضارة التِّقنية، والوسائل العصرية المختلفة لجعلها مهارة نطق، وتعبير، وتفكير، وتذوق في الممارسة الشفاهية والكتابية بين الناس، كما لم يعملوا على بسط معقّدها، وإيضاح غامضها، وتليين جامدها، وتقريب بعيدها، واستئناس وحشيَّها، وصيد أوابدها، بما يناسب في عصر طغت فيه اللغات الأخرى بأساليب لم يتفكر فيها خاصة أبناء العربية فيحاكوها محاكاة العامة لآخر ما دلفته سيول الاتصال البشري في كافّة جوانب الحياة حتى وجدنا الصغير ابن الأشهر الناطق لأول مرة ينادي دميته )البوكي( ولقمته )البرجر( وحذاءه )الشوز(!!
إذ لم توضع البرامج لذلك، بل اعتمد في تدريسها لغةً على ما يتم )استيراده( من برامج اللغات، بل مناهج التدريس، تلك التي درجت المؤسسات التعليمية في )أمريكا( والغرب على استخدامها، وما يناسب اللُّغة الانجليزية، أو الصينية، أو الفرنسية، أو سوى هذه اللغات )قد( لايتَّفق تناسباً مع طبيعة اللُّغة العربية، وخصائصها، في تراكيبها، ومضامينها، وحروفها، وأصواتها، وشكلها، ورسمها، بل في إنسانيتها الأكثر شمولاً والأقرب أداء، والأحوى استيعاباً لحاجات الإنسان، ولأي جيل على الفطرة، لأنَّها لغة الفطرة.
من هنا وضعت للعربية أسوارأحيطت بها، ضربها حولها بدءاً أبناؤها حتى ظنَّ أهلها ومعهم من هم ليسوا أهلها بها الظنون ولم يُنظر لها على أنَّها مناسبة للتبادل العالمي لصعوبتها حتى غدت في المجتمعات العالمية محدودة، في الاستعمال وأبعد من أن تكون لغة فكر، وحديث، إذ يُنظر إليها بحذر، ولم تأخذ وضعها كما ينبغي لها من السيادة والصدارة وهي لغة خير أمَّة أُخرجت للناس..، كان الأجدر بهذه الأمَّة ألاَّ تجعلها في ركب اللُّغات الإنسانية في آخر المقاعد، وهي الأقوى والأجدر بالصدارة، لأنَّها الأجدر بالممارسة فهي اللُّغة الباقية التي لا تندثر.
)يتبع(
|
|
|
|
|