| القوى العاملة
يكثر الحديث عن انخفاض كفاءة الأداء في بعض الأجهزة، وتفاقم عيوبها، مع ما يتبع ذلك من ضياع للوقت والجهد والمال« عبثاً» رغم الحاجة الماسة إلى ذلك، وعادة ما يعزى هذا الانخفاض إلى «الروتين» وانتشاره في مختلف الأجهزة، وقد أدى جمود بعض اللوائح والتعليمات إلى تفاقم هذه المشكلة، كما أن إصرار بعض الموظفين على عدم تطوير قدراتهم، واستمرار بعض الجهات اتباع أسلوب معين في الإجراء ورفض كل جديد، كل ذلك أدى إلى تفاقم هذه المشكلة، وزيادة آثارها السلبية على مستوى الأداء، مما قلل فرص التطوير، وأضعف مستوى الإنتاج.
وهناك مشكلة أخرى وإن كانت تبدو غير ظاهرة لكنها ذات تأثير على مستوى الأداء في بعض الأجهزة، ألا وهي: انخفاض الروح المعنوية لدى بعض الموظفين الذين رغم حداثة تعيينهم إلا انهم تكيفوا مع اسلوب من سبقهم رغم علات هذا الأسلوب، حتى لا يثيروا سخطهم واستهجانهم، وأصبحوا صوراً طبق الأصل لهم، وامتداداً لما كانوا عليه، دون ان يستفيدوا من فكرهم العلمي ويخلطونه مع تجارب هؤلاء السابقين لهم وخبراتهم العلمية للوصول إلى مستوى أداء أفضل، كذلك لا ننسى دور الاعتبارات الشخصية في مجال العمل، وما تؤدي إليه من خلل في الأداء.
إن انخفاض كفاءة الأداء تعود بالدرجة الأولى إلى الموظفين أنفسهم ، ولعل أكبر سبب في ذلك هو التمسك بقواعد وإجراءات العمل وكأنها أشياء مقدسة، والنظر إليها كما لو كانت غاية في ذاتها، وليست مجرد وسيلة لإدراك أهداف الجهاز، هذه النظرة هي التي أدت إلى إغفال الأهداف العامة، وجمود النظام الإداري، والانتقاص من مقدرته على تحقيق غاياته.
يجب ان ندرك ان شدة التمسك بالأنظمة والتعليمات تجعل الموظف «جامداً» كالصخرة، وتفقده التصرف في المواقف التي تحتاج إلى نوع من المقدرة وإبداء الرأي وفقاً لمقتضياتها.
إنها تؤدي إلى التقليل من كفاءة الاداء، وإلى الضعف في الإنتاج.
إن الأنظمة والتعليمات الخاصة بالإجراءات إنما وضعت لأهداف عامة من أجل قيام المسئولية، ومن أجل ضبط الهيكل العام لأجهزة السلطة، لأنها تهتم أصلاً بالقواعد العامة وليس التفاصيل، ولذلك نجد كل نظام له لائحة، وكل لائحة لها مذكرة تفسيرية، وهذا يعني أن هناك عدة مفاهيم للنص الواحد، والمجال واسع للاجتهاد، ويبقى دور الموظف فيها هو المهم.
لاحظوا كيف يتسبب التمسك الأعمى بالإجراءات في ضياع بعض الحقوق، والإضرار بالمصلحة العامة!!
كم مرة أنفقت بعض الأجهزة الحكومية الكثير من الأموال لتطالب بريالات قليلة تستحقها لدى الآخرين؟؟
كم مرة ضاع على صاحب الحق حقه، أو طال انتظاره للحصول عليه لمجرد نقص أو خطأ بسيط وقع في شكلية الإجراء، رغم إمكانية إنهائه بشيء من التفكير والتعقل وبذل الجهد؟؟ يشير د/ ماجد الحلو في كتابه «علم الإدارة العامة» إلى قصة طريفة في هذا المجال:
يقول: إن مسافراً أرسل أمتعة له من الخارج في عدة حقائب على إحدى الطائرات ، فلما وصلت إلى المطار وذهب لتسلمها أتضح أن الموظف الذي ملأ استمارات الشحن كان قد أخطأ فكتب اسم: المرسل إليه مكان اسم الشارع الذي يقيم فيه، وكتب هذا الأخير محل اسم المرسل إليه، فبدل أن يكتب محمد أحمد، شارع جابر بن حيان، كتب: جابر بن حيان شارع محمد أحمد، ورغم قيام المسافر بشرح الموقف وتقديم الأدلة وإثبات الشخصية وصحة عنوان منزله، وأن جابر بن حيان قد مات من زمان، فإن الموظف لم يوافق على تسليم الحقائب، واستمرت إجراءات التصحيح والمراسلات شهوراً طويلة، وتعرضت الأمتعة للتلف، ومصالح صاحبها للإهدار إلى أن تم تصحيح الخطأ المادي اليسير الذي بالإمكان تصحيحه بأدنى تفكير وإدراك!!!
ماهو ذنب الأنظمة والإجراءات في هذه الحقيقة، كيف تكون الأنظمة قادرة على معالجة مثل هذه القضايا عندما تقع بين يدي موظفين «جامدين» باسم الإجراءات وباسم النظام.
كم تهدر من أموال عامه بسبب التمسك الأعمى بالإجراءات، وإحساس بعض الموظفين بقيد هذه الإجراءات، دون أن يدرك دوره في ذلك.
إن تعاملنا مع هذه المشكلة ظاهر، وقد تسبب ذلك في تولد القناعة عند البعض أن مثل هذا التصرف سليم«100%»، لأنه على الأقل يحميك من الإشكال والمساءلة!!
هل يصل بنا التفكير إلى هذا الحد؟ وهل ذلك فعلاً هدف نسعى إليه؟
إننا موظفون مؤتمنون على أعمالنا، ومسؤولون أمام الله وأمام الناس عن مثل هذه التصرفات التي لا يقرها أحد، وتتسبب في ضياع حقوق الناس وإنزال الضرر بهم باسم النظام رغم ان النظام منها بريء.
علينا أن نحاسب أنفسنا دائماً، ونجعل المصلحة العامة هي الهدف، وأن ندرك ان الدولة إنما وضعت الأنظمة من اجل ضبط القواعد العامة، وليس الحجر على الأفكار وتعطيلها.
هناك أمور بإمكاننا أن نسهل إجراءاتها بمجرد الواقعية في التعامل مع الناس!!!
لنقدم الخدمة للآخرين على أنها حق لهم، وليست منة منا!! ولنجعل العقل البشري يخدم الإجراء ولا يقيده.
أرجو الا يفهم ذلك بأنني أنادي إلى عدم التقيد بالأنظمة والتعليمات، أو التجاوز عليها، لا...، وإنما أطالب بالتعامل مع هذه الأنظمة بشيء من الواقعية بما يخدم المصلحة العامة والهدف الذي وضعت من أجله هذه التعليمات، لأن شدة التمسك«بالروتين» والإجراءات وإن خالفت المنطق والصالح العام إنما يرجع إلى سببين:
أحدهما: تجنب المسؤولية وظهور الموظف بمظهر من يحترم عمله ويطبق قواعد العمل كما هي موجودة، فإذا كان بها عيب أو قصور فإن مهمة إصلاحها أو تعديلها لا تقع على عاتقه وإنما يختص بها غيره، ولهذا تجد البعض ينفذ الإجراء الذي أمامه وهو يرى أنه يؤدي إلى عكس المطلوب وإلى نتائج غير مقبولة، وأن هناك سبلا ميسرة ومناسبة يمكن اتباعها، ومع ذلك يصر على تطبيق هذا الإجراء خشية المسئولية.
الثاني: الكسل وعدم الرغبة في بذل الجهد للبحث عن الحل السليم للمشكلة القائمة، إذ ان تطبيق الإجراء الذي تعود عليه الموظف وأصبح يؤديه بطريقة شبه آلية أيسر له بكثير من محاولة كشف سبل أخرى أكثر ملائمة.
والمشكلة في ذلك أن مثل هذه النوعية من الموظفين يعتقدون جازمين أن السبب في ذلك إنما هو الأنظمة والتعليمات، وهذا الاعتقاد هو الذي يؤدي إلى التمسك بالروتين، والنتيجة انخفاض كفاءة الأداء وضعف الإنتاج.
والله المستعان
|
|
|
|
|