| مقـالات
ولست أدري ما إذا كان «النقد الثقافي»، وهو الصيحة الجديدة، وليست الأخيرة، يعني الانفتاح المجرد على مشمولات الثقافة بوصفها المعرفي، وهي مشمولات ليست متناهية، أم يعني الاشتغال في الأنساق الاجتماعية بوصفها منتجاً ثقافياً متمثلاً، وما إذا كان هذا الانفتاح سيأخذ سمة النقد المتوسل بالأدلة المُدِينة، أم يكتفي بالعرض المعرفي المجرد من الرأي، أو الوصفي المجرد من المؤاخذة؟ والقول في الأنساق لا يحيل بالضرورة إلى الثقافة بمفهومها المستقر في الأذهان، فقد يحيل إلى «الأيديولوجيا»، إذا كان القول في الأنساق العقدية، وقد يحيل إلى «علم الاجتماع»، إذا كان القول في الأنساق الاجتماعية، والقول في سلطة الفحل واللغة الفحولية لا يكون المتصدي لهما قائلاً في الثقافة إلا من طرف خفي. وما قرأناه خليط من قول في السياسة على شاكلة الثوريين وتشنجاتهم، وقول في الاجتماع، وأمشاج من هنا وهناك، تحيل في النهاية إلى ثقافة الوهم. ثم إن الفحولة مصطلح نقدي عربي، لا يمت بصلة إلى التفحلن كما يراه الناقد الثقافي.
وذكورية اللغة، وذكورية الخطاب القرآني، وذكورية الإله وعروبته تصور استشراقي سنعرض له.
وهنا نتساءل: هل يُحدد «النقد الثقافي»، بموضوعه، أو بآلياته ومناهجه، أو بمقاصده وأهدافه؟ وهل لا يكون نقداً ثقافياً حتى يضرب الأنساق الثقافية القائمة أو المفترضة، كما «التشعرن»، أو «التفحلن»؟. وحين يدخل الناقد الثقافي متن النص بأوسع مفاهيمه ومقتضياته وتنوعاته وعلاقاته وعلاماته: لغوياً كان، أو غير لغوي، بوصف النص يمثل البروز والتشخصن المعبر عن ذاته، بما حصره «الجاحظ»، فيما يطلق عليه نظرية «المنازل الخمس»، وهي: «النصبة» و«الخط» و«العقد» و«الإشارة» و«اللفظ»، ثم لا يشتغل باللغة بناء، ولا بالفن شكلاً، ولا بالموضوع معنى، وإنما يشتغل بمكونات النص المضمونية المتمثلة بالأنساق المفترضة وجوداً والمفترضة توجيهاً للسلوك، ونقل المفترض من الحدث الجزئي العارض إلى الظاهرة الكلية الشائعة المتجذرة، وافتراض تشكلها من قيم الشعر الدلالية المختصرة بالأحط من الأخلاق، وانفرادها بالتأثير، أو استخلاصها من «الحكاية الخرافية»، كما هو في «اختراع الصمت نسقية المعارضة 203»، فإنما يشرعن الفاعل لنفسه بهذه الدعاوى الجائرة ضرب الثقافة. والأنساق التي تشكلت مع الزمن ثم تدخلت وفرضت نفسها في تشكل النص: لغوياً وفنياً ودلالياً، أو فرضت ممارسة سلوكية جمعية أممية وتصوراً للأشياء ونمطاً تعاملياً معها لا تكون بالضرورة كما يتصورها البعض مختصرة في مؤثر واحد هو «الشعر»، وفي أسوأ حالاته الدلالية. وهذا بالاختصار المريب نفي لما سواه من المؤثرات، إلا ما يأتي توسلاً بالخرافة وهو إلى جانب ذلك نفي للقيم الأخلاقية في ديوان العرب، وإن أومأ إليها من باب الاحتراز الغبي، ولم يرها المؤثرة «ص 98»، وهذا الاختصار الجنائي لواحدية المؤثر، تأتي في أعقابه خطيئة أخرى تتمثل في نفي كل مضامين الشعر الشريفة، نفي تأثير لا نفي وجود «ص 98»، وتضخيم لمضمون واحد، يتمثل في «الاستجداء»، و«المدح»، وليس من باب الصدفة إحكام ورقة الاتهام، وكم هو الفرق بين وجود الظاهرة في سياق ظواهر أخرى والتركيز عليها بوصفها الكل المؤثر. إن هذه الاختصارات، في مقابل تضخيم الظواهر، وترتيب المواجهة على ضوئها دأب المناوئين، وعلى سبيل المثال قال الأقدمون ب«الانتحال»، تعويلاً على شواهد محدودة، ولغرض شريف، وأخذه «مرجليوث»، وهو بصدد تحقيق «معجم الأدباء»، لضرب الشعر الجاهلي، ثم التقط الخيط «طه حسين»، فقول « ياقوت الحموي»، ومن قبلَه من الأدباء في الانتحال هو الذي فتح شهية الاستشراق للوقيعة، ومع الاتفاق حول مصطلح الانتحال بين «الحموي»، و«مرجليوث»، اختلفت النوايا والمقاصد والنتائج، وقول «ياقوت»، يختلف عن قول «مرجليوث»، المستشرق اليهودي ومن بعده «طه حسن»، الذي عول على كتاب «مرجليوث»، «أصول الشعر العربي»، واتهم بسرقته والتقنع بتداول المصطلح أو الظاهرة لا يشرعن التعميم والضرب في العمق. وهل لا يكون «النقد الثقافي»، حتى تلفق تهمة «التشعرن»، و«التفحلن»، والإحالة على «الحكاية الخرافية»، و«الإيغال في تجريد النسق الثقافي من الفضيلة»، وفي ذلك ضرب عصفورين في جرة قلم: ضرب الشعر العربي وضرب الثقافة العربية ويبدو لي أننا بحاجة إلى استدعاء المثل «استنوق الجمل»، ونفي التعويل على الخطاب النثري الخرافي المعول عليه في اختراع الصمت للفحل بحضرة الأفحل على حد قولهم للقول بأن الأنساق الاجتماعية، والتي هي ألصق بعلمي السياسةوالاجتماع استنوقت بدخولها في النقد الثقافي، وهذا الجنس المتشكل كما الجنس الثالث مؤشر ارتباك وعدم فهم لمقتضيات «النقد الثقافي». على أن الخروج بالنسق من خصوصيته إلى عموميته الثقافية يعني تمييع الأنواع، تمشياً، مع إلغاء أنواع الفن بمصطلح «الكتابة»، فالنسق يضاف إلى موضوعه، ومن ثم لا يستقل بذاته، لأنه أشبه بالقالب يضاف إلى محتواه، وتبئير النسقية الثقافية لا يكون بالضرورة تحبيساً على «النقد الثقافي»، والنسقية المعيبة والمدانة ظلت الأمة في عمى عنها لقرون، حتى جاء «النقد الثقافي»، كبديل «للنقد الأدبي»، لكشفها «الغلاف الأخير»، وتلك هي إضافة المشروع المزعوم ودعواه، ولست أعرف سر الربط بين أدونيس ونزار من جهة والمتنبي وأبي تمام من جهة أخرى إذ لما يكن أدونيس ونزار من الشحاذين ولا من صانعي الطاغية السياسي.
إن القول «بالتشعرن»، أو «بالتفحلن»، ثم تخويل الذات ضرب الثقافة واللغة يعني: الاتهام والمحاكمة وتنفيذ الحكم من طرف واحد. وما الثقافة المدانة؟ إنها ثقافة أمة لما تزل في حرب مستحرة مع ثقافات متعددة. ومواجهة الثقافة واللغة بعد تلفيق التهم غزو من الداخل، كشف سوآته مفكرون نذروا أنفسهم للدفاع عن أجوائهم المخترقة بمواطأة من الداخل، ومثل هذا التهديم يحفز على ضرورة التقصي والتساؤل. وليس في التحفظ والتبين تزكية مطلقة للثقافة أو الحضارة، وليس فيه مواطأة على صناعة الطاغية، فالثقافة العربية وسعت الشعوبية والباطنية والفلسفية المصادمة للوحي ووحدة الوجود وأدب المجون وسائر الطوائف من ملاحدة وفرق ضالة، تعقبها حماة الحضارة، وكشفوا عن زيوفها. والعلماء الذين تصدوا لبعض الجنح في الحضارة العربية لم يناصبوها العداوة والبغضاء ولم يتذيلوا لغيرهم وإنما دخلوا في معمارها، شخصوا الداء دون افتراض تشعرن ودون اختصار للشعر في الأرذل من القول، والتشعرن والتفحلن ليسا بدائين قائمين. وهل أحد يسلم بمحاسبة اللغة والثقافة بدعوى الفحولة والتشعرن؟ ثم إن الفحولة مصطلح نقدي، وليس مصطلحاً اجتماعياً، يخترع الصمت. والثقافة العربية ليست الخيرية فيها «فترة استثنائية نادرة 103»، وليست «في حال من التناقض 212»، حين تحث على الصمت، وهي التي تقول: «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، وتأمر بتغيير المنكر باليد واللسان والقلب وفق الطاقة والإمكان. كما لا يسوغ التعويل على الخرافة في التوصيف، ولا أحسب راشداً يرضى أن تتشكل أنساقه الثقافية من الحكاية الخرافية؟ ومن الذي يقبل التأسيس على الوهم. وما القطع بأن ثقافة سطعت شمسها على كل الحضارات وغفت ملايين مخطوطاتها أسيرة المكتبات العالمية مدانة بمقولة غير مسؤولة وغير راشدة تحيلها على العاطفة والشحاذة والمدح والخرافة إلا تأسيساً على الوهم؟.
و «النقد الثقافي»، مع هذا وبعده مصطلح يفقد الجمع والمنع، ومن ثم يكيِّفه كل ناقد على حسب فهمه وهدفه والدور المرسوم له، ليحقق من خلال منهجه وآليته ما يخفي صدره. إن هناك اشتغالاً بالثقافة من خلال أي آلية نقدية، وهناك آلية نقد ثقافي، تشتغل في أي ظاهرة ثقافية، وهناك آلية نقد أدبي لا تشتغل إلا في أدبية النص وشعرية اللغة أو اللغة الشعرية المتعالية. ولكل مفكر وأديب ومثقف وجهته، حين يتخذ مصطلحاً حمَّال أوجه، فالثقافة تتأبى على الحد والمعوِّل عليها لا يؤطره موضوع، وبين «النقد الأدبي»، و«النقد الثقافي»، علاقة عموم وخصوص، والقول بموته لا يضيف شيئاً للبديل إذ هو داخل فيه، ولأن مشاهدنا مستباحة للتجريب والتخريب والإحياء والإماتة فإن بإمكان أي منشئ للكلام قادر على التعبير أن يقول مثل قول الجنائزيين، يقول بموت «الماركسية» و«الوجودية» و«الداروينية» و«الفرويدية» و«البنيوية» و«الحداثة»، و«النقد الثقافي»، وليس عليه حق البينة ولا اليمين، ولم لا والمشهد الفقهي الأشد حساسية وخطورة يتسلقه المتسرعون بحجة: «نحن رجال وهم رجال»، ومن ثم تتلاحق الفتاوى بالحظر والإباحة والقتل والردة، وفي اللحظة يخرج نقيض ذلك، ممن يخولون أنفسهم حق الفتيا ونقضها.وصراع المشيخات القنواتية والموقعية «الأنترنتية»، والطائفية والأضوائية في جزر ومدّ، وكل شيخ أو متمشيخ له أشياعه وأتباعه ومواقعه، والمشهد الثقافي والأدبي والإعلامي ك«ملاعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان»، ولما يعد في هذه الظروف التي أحلت الفوضوية محل الحرية، والرذيلة محل الفضيلة من يقدر على استبانة المحق من المبطل، إلا من رحم ربك، وإذا كنا نعيش تحت وابل القول الفردي في قضايا الشريعة وحكم النوازل والقول المناقض ممن يجهلون أركان الفتيا المهمة: وفقه الواقع. وفقه التنزيل على النازلة. فإن القول المماثل في قضايا الفكر والثقافة والسياسة والأدب يتخذ ذات المسار. وفي هذه الأجواء المشحونة بالتوتر يجب على القادرين المبادرة لتنوير الرأي العام، والحيلولة دون تزوير وعيه وغسل مُخِّه والعمل على تحذيره من الركض وراء السرعان الذين لا يحترمون الوحدة الفكرية للأمة.
والمتابع للمشاهد تتبدى له لعب محكمة التدبير والتقدير ينجر وراءها مغفلون ومواطئون وفارغون، وأوجب ما يجب على من تمكنوا من فك بعض الشفرات أن ينذروا قومهم إذا قدروا على ذلك. واللعب المحكمة من بعض المنظمات والتيارات تستزل أقدام الأكثرين طيبة، ممن لا يملكون جلد المنافقين، وتحت وابل تلك الظروف المليئة بالدخن أود لو أن الذين مكن الله لهم في سوح العلم والفكر والأدب ملؤوا فراغات المشاهد، لكيلا يدعوها خالية لمن لا يحسنون تدبير أنفسهم، والراصد المتابع لا تتشابه عليه اللعب الذكية والغبية.
لقد ركن البعض إلى «الخرافة»، تهافتاً على مكيدة الاستشراق الرامية إلى اختصار تراث الأمة وأمجادها وتميزها فيها، واتهم الشعر واختصرت مشمولاته، وسوي عالم الغيب بعالم الشهادة، وألّه العقل، ووثِّن العلم، وكُذِّب الأصدق قيلاً وكل ذلك تعويل على حرية الفكر. وحين تختصر الثقافة في الخرافة ويختصر الشعر في الشحاذة وتشكل الأنساق منهما تضوى حضارة أمة بلغت مشارق الأرض ومغاربها. نحن لا ننكر أثر الشعر السيئ ولا نتحرج من الاستئناس بالأسطورة والخرافة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، والمفسرون الموغلون في الأسطورة تعويلاً على هذا الحديث أساؤوا إلى التفسير وفتحوا ثغرات لضربات الاستشراق، وسوف نكشف في بحث لاحق عن ظواهر مريبة كالإعلاء من شأن الخرافة، وإجهاض الكلمة الطيبة بالعبث أو بالغموض، وتدنيس المقدس، وأنسنة الإله، وضرب الثوابت ليقف المترددون على الأشباه والنظائر، والتواطؤ على الهدم وفق ما تسمح به الجغرافيا الفكرية، على أن هناك لعباً أكثر فقاعة ونكاية، لعل من أكثرها إيذاءً ما يتعمده الفارغون من مواجهة للتيار، لمجرد الإثارة على كل المستويات الدينية والأدبية. فالذين لا يملكون موهبة فنية، ولا لغة شعرية أخاذة، ولا ثقافة عميقة ولا قضية هامة وليست لهم مكانة في المؤسسات الفاعلة، يتقنون لعبة الاستفزاز عبر السقوط الأخلاقي لاستقطاب المراهقين، والانحراف الفكري لجذب المرتابين، والحركات البهلوانية لشد انتباه المتفرجين، والاستفزاز السياسي لتأليب الناقمين، ثم يجدون نقاداً يشرعنون لذلك القول فالفجور والفحش والتهتك يحال على الصراع الحضاري «اقرأ الصراع الحضاري في الرواية العربية لعبد الفتاح عثمان»، والانحراف العقدي وتدنيس المقدس وأنسنة الإله يحال على حرية الفكر، «اقرأ مطارحات نصر أبو زيد وجابر عصفور»، ومنازعة السلطة مهماتها وتفريق كلمة الأمة يحال على حرية الرأي والتعبير. والحركات البهلوانية لشد الانتباه «اقرأ النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية»، وبهذه الجنايات التي أفسدت الذوائق والأخلاق والفكر والفن وكشفت عن الوعي المنقوص، يشغلون المشاهد بالجدل حول مشروعية قولهم، وهذه الممارسات تحرف ذكي، إذ هم به لا يثيرون «النقد الأدبي»، للبحث في مستوى إبداعهم وقيمهم الفنية واللغوية، وبهذا التحايل التعويضي يفرضون وجودهم بتخاصم الناس حول أمور لا تتعلق بفنيات الفعل. ومثل هؤلاء من يطلع على الناس بمحاولات فجة، يسميها مشروعاً، وما هي إلا شروع في فعل غير مشروع، فضلاً عن أن تكون تأسيساً لمشروع.
إن المشاريع الفكرية والسياسية والأدبية، حين يعلنها أصحابها، أو حين يتصورها قراؤهم، تحتاج إلى ريادة وتأسيس واستجابة طوعية لحاجة الأمة، وتحتاج إلى تأصيل علمي وتواصل جماهيري متفاعل وإضافة معرفية وثبات موقفي وتجاوز لما هو سائد، وانطلاق من التراث، وانطلاق به في عملية استبطانية لا احتسابية، دون إماتة لمفرداته أو تجريم لأنساقه، والجنائزيون يتصورون أن الشروع في الشيء مشروع، وهذا تصور لا يتفق معهم عليه إلا الدهماء والغوغاء.
ولما كان لبعض المفكرين العرب مشاريع فكرية وأخرى أدبية نتفق مع بعهضا ونختلف مع البعض الآخر، فإن الاختلاف لا يمتد بالضرورة إلى كفاءات أصحابها ولا إلى قيمة المشروع المعرفية يكون أصحابها أساطين فكر، وتكون القيمة المعرفية عريقة وعميقة، ولكنها مع هذه الإمكانيات الذاتية والمعرفية لا تكون مع الحق، فرفضها لا يقتضي التجهيل. غير أننا في مشهدنا المتسطح نعايش أدعياء كلما كتبوا دراسة أو استدعوا قضية أو جمعوا مقالات في كتاب سموها مشروعاً، وإذا اختلفت مع أحد منهم، استدبروا مجال الخلاف إلى ذات المخالف محققين ظاهرة التفحلن مخترعين الصمت الذي يحاربونه ويتهمون الثقافة باستفحاله.
لقد روج البعض لمذاهب نقدية هبت أعاصيرها من الشرق أو من الغرب واستغلوا الخليين والمبتدئين والمتسلقين كي يصفوا هذا الفعل بالمشروع النقدي أو الفكري، وما عهدنا النقل من الآخر والترويج لمشاريع سبق القول فيها وعنها فيما نعلم يسميان بالمشروع. واعتراضنا ليس على مشروعية النقل أو الترويج وإنما هو على وصف هذا الفعل بالمشروع وتخويله أحقية الهيمنة، وتهميش الآخر، والدخول في مأزق المفاضلة. ظهر «النقد الحداثي»، بكل جناياته واستشرى «النقد البنيوي» بكل ضوائقه، ثم تناسل منه «التفكيك» و«التشريح» و«التقويض» و«التحويل» و«النصوصية» و«الأسلوبية» و«التكوينية»، وأخيراً داستنا حوافر «النقد الثقافي»، ليموت «النص»، ويلحق به «النقد الأدبي»، وكان «المؤلف»، قد أميت من قبل، فهل من أثارة تثبت المبادرة وتحرير المسائل والثبات عند حد؟ وما الذي يحلو لأولئك أن يوصفوا به.
هل نقول عنهم إنهم حداثيون أو بنيويون أو نقاد ثقافيون أو علماء اجتماع تشابهت عليهم الأمور؟ اشتغلوا بالفن، ثم اشتغلوا باللغة، وامعنوا في نفي ما قبل النص والمضمون، وهاهم اليوم يستدبرون الفن واللغة، ويتهافتون على المضمون وانعكاساته السياسية والاجتماعية، ويشتغلون بالمهمل والمهمش وبالطبقات العميقة وبالحكاية الخرافية.
وإذ لا نجد بداً من القول بأن «النقد الثقافي»، حين يمكن من الخروج من ضوائق النص: بنيةً وبناءً وشكلاً، يحفز على الاهتمام بما هو خارج النص، ويطيل الوقوف عند المضمون ويكشف خبايا الأنساق الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية، فإننا لا نستطيع المضي إلى أبعد من ذلك بحيث ندعي الجدة لهذا الاهتمام ونبارك الادعاءات العريضة، إذ المؤكد أن «النقد الثقافي»، لم يكن جديداً ولم يكن مبادرة عربية فضلاً عن أن يكون مبادرة إقليمية، توصف بالمشروعية، وتنشأ حولها حلقات الدرس. فنقد الأنساق منتمية لأي مُسمَّى همُّ المفكرين والعلماء والمصلحين وليس في ذلك جديد، وكيف تكون الجدة والقادرون يكتبون في مختلف المعارف: اعتراضاً أو مسايرة.
|
|
|
|
|