| مقـالات
تتشابه المنظمات الإرهابية في العقلية والممارسات، وإن كانت تختلف في الأهداف والمبررات.
ولو عدنا إلى التاريخ القديم والحديث للاحظنا أن للإرهاب «عقلية» واحدة، وأنه يسعى «للإثارة» على أنقاض الجماجم والدماء والفساد والدمار.
المؤسف أن الإعلام الغربي سلّط أضواءه على ما سماه «الإرهاب الإسلامي» وصنع منه «الخطر الأول» على البشرية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.. وذلك في معمعة البحث عن عدو مشترك.
العالم يعج بالتنظيمات الإرهابية والتي يصل تعدادها إلى أكثر من 550 منظمة أمثال «الجماعات الدولية» و«العلم الأسود» و«أبناء الطبيعة» و«طليعة العمال» و«مهما يكن» و«الأشغال الشاقة» و«المتقززون» و«الديناميت» و«قلوب من حديد» و«الفلاح الجائع» وهذه المنظمات كانت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
كذلك هناك المنظمات الإرهابية الثورية أمثال «الألوية الحمراء» وجماعة «بادر مايتهوف» و«الجيش الأحمر الياباني» و«أيلول الأسود»، كما أن هناك منظمات عديدة في الغرب ومنها «اليمين المتطرف» في أمريكا و«النازيون الجدد» في ألمانيا و«المنظمات العنصرية» في فرنسا.. وأمثال هذه المنظمات الإرهابية كثير في العالم منها ما هو دولي ومنها ما هو اقليمي ومنها ما هو محلي.
تلك المنظمات الكثيرة المنتشرة حملت العالم الى النظر للإرهاب على أنه خطر عام، وهو كذلك.. لذلك كانت الهيئات الدولية حريصة على تحديد مفهومه ومحاصرة رقعته منذ بداية القرن العشرين. ومن تلك الجهود ما جاء في المادتين الأولى والثانية في اتفاقية جنيف عام 1936م حيث نصت الاتفاقية على منع وقمع الإرهاب، كذلك اتفاقية طوكيو عام 1963م واتفاقية نيويورك عام 1963م، واتفاقية لاهاي عام 1970، واتفاقية مونتريال عام 1971م، والاتفاقية الأوروبية التي أبرمت في إطار المجلس الأوروبي عام 1977م، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998م.
تلك الاتفاقيات تضمنت أهمية المحافظة على الأنفس والممتلكات والمنشآت والمدنيين والطائرات والدبلوماسيين وأمور مشابهة من السطو والعنف والاختطاف والدمار ومع ذلك سجل حلف شمال الأطلسي في دراسة مختصة (5175) حادثة إرهابية في العالم ما بين عامي 1973م و1983م.
إنها جهود مخلصة تقوم بها الهيئات والدول «متوافقة» مجتمعة لدرء أخطار الإرهاب الذي هو بدوره «يتفق» ويتوافق في «عقليته الانتقامية» التي لا تعترف بالحدود السياسية ولا تفرق بين الأجناس، ولا تستسلم لمبادئ الأديان وتعاليمها.. عندما ترى فيما تقوم به عملا يخدم مصالحها وطموحاتها، وهي تحب الإثارة واستقطاب الدهماء وصنع البطولات بصرف النظر عن العواقب.
عاش العالم مخاطر الإرهاب في جميع مراحله، والإرهابيون ليسوا خطرا على أعداء دولهم وشعوبهم فحسب، إنهم خطر على بني جلدتهم وعلى أقرب الناس لهم، لماذا يا ترى؟ لأنهم يفكرون بعقلية واحدة تبرر ما تقوم به خلاياهم وقواعدهم وأذرعهم من دمار، وهم مستعدون للبدء بأقوامهم قبل غيرهم. المنظمات الإرهابية تبحث عن الشهرة وعن الانتقام وعن الإثارة وعن صنع المعارك الوهمية كما أنها تجرد السلطات والحكومات من الشرعية، وتمنح لقياداتها قانونية التصرف والقيادة والأمر والنهي.
إن الإرهاب قادر على صنع المعاذير والمبررات ودائما يوظف الأحداث الدولية لصالحه، لذلك سعى د. كورت فالدهايم الأمين السابق لهيئة الأمم المتحدة وكان من ضمن الأسباب الأساسية للإرهاب حسب رأي اللجنة التالي:
1 ان اغتصاب حقوق الشعوب المستضعفة ألحق بها ظلما وحرمانا أخفقت الأمم المتحدة في التعويض عنه.
2 ممارسة حق النقض في مجلس الأمن الدولي وتهاون الدول الكبرى عن القيام بواجباتها مما أدى إلى عجز هيئة الأمم المتحدة عن تحقيق أهدافها المحددة في ميثاقها وفي شرعية حقوق الإنسان.
3 إن تواطؤ الدول الكبرى وتمييزها أدى الى فشل المنظمة الدولية في تحقيق التعاون الدولي وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بين دول العالم.
وذكرت تقارير أخرى في هيئة الأمم المتحدة أن من الأسباب السياسية للإرهاب:
1 سيطرة دولة على دولة أخرى (الاستعمار).
2 التمييز العنصري.
3 استخدام القوة ضد الدول الضعيفة.
4 التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى.
5 الاحتلال الأجنبي (كليا أو جزئيا).
6 ممارسة القمع والعنف للتهجير أو للسيطرة على شعب معين.
هناك ظلم وهناك غطرسة من الدول الكبرى وهناك طبقية بين الدول والشعوب، وهناك كساد اقتصادي في مناطق مكتظة بالسكان في العالم.. مما أتاح للإرهاب أن يفرخ وأن ينتشر.
استفادت المنظمات الإرهابية من «العولمة» فوظفت الأجهزة الحديثة للربط بين أجنحتها وتوفير المعلومات اللازمة لكوادرها وكان قدر العرب والمسلمين أن يكونوا في عين العاصفة.
إنهم يحسون بالقهر والظلم من مواقف الدول الكبرى من حيث التحيز ضد قضاياهم العادلة، ومن حيث دعم الحكومات السلطوية التي أهملت واجباتها تجاه شعوبها ومن حيث الوقوف دائما مع أعداء العرب والمسلمين. إسرائيل عبثت وأفسدت وكانت تستهدف القيادات الفلسطينية وتصطادها كالعصافير بل أنها أحالت الأطفال إلى أشلاء ممزقة أمام بصر العالم ولم ير العرب والمسلمون جدية من القيادات الغربية في الضغط على إسرائيل وإنصاف الشعب الفلسطيني المشرد المكبوت المظلوم. هذا لا يبرر الأعمال الإرهابية ضد المنشآت في أمريكا أو غيرها إلا أنه يأتي في سياق مسارات الإرهاب الذي يوظف الأحداث والآلام والمآسي لما يريد مع العلم أن ما حدث في نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001م من دمار وخراب وإرهاب لن يقدم العرب والمسلمين شبرا واحدا ولن يخدم قضاياهم العادلة، وذلك يعود لسبب رئيس وهو أن الإعلام لم يطرح أسباب ما حدث وإنما طرح ما حدث من فظاعات وطرح بالتفصيل أسماء وجهات وانتماءات العناصر التي قامت به «انهم عرب ومسلمون» و«انهم شرقيون» و«انهم متطرفون» و«انهم لا يؤمنون بالقيم الحضارية» و«انهم ينتمون لحضارة متخلفة» بدون الحديث عن لماذا؟ وغني عن القول ان «منظمة القاعدة» المتهمة من قبل السلطات الأمريكية ومن قبل الرأي العام الغربي ليست «مفوضة» من قبل العرب والمسلمين بل إنها لا تحظى بالتعاطف فضلا عن المساندة والدعم من عموم الدول العربية والإسلامية.
إن الإرهاب بشكل عام لا يسير حسب المعقول، ولا يلتزم بالأنظمة، ولا يعترف بالأخلاق، إنه عبر التاريخ تعبير عن الروح اليائسة، والعقلية الانتقامية والنزعة الفوضوية.
استطاعت حفنة من الإرهابيين في اليابان أن تقضي على العشرات من البشر في أنفاق القطارات عن طريق تفجير قارورة من الغاز السام واستطاع منفذو العمليات الإرهابية في نيويورك وواشنطن أن يغيروا مجرى التاريخ وأن يدخلوا أمريكا في حرب.. مع أنهم لم يوضحوا مطالب سياسية محددة ولم ينتصروا لقضية معينة. والمشكلة أن الأمتين العربية والإسلامية في كل مكان ستدفع ثمن ذلك الجرم في الحاضر والمستقبل.
إنه لأمر محير.. فلماذا يرتكب المجرمون مثل ذلك العمل بدون أن يجنوا ثمارا له؟
لو كان لي أن أقترح على «طالبان» لقلت لها أخرجي رجالك ودعي قوات التحالف تدخل.. لتسلم أفغانستان من ويلات الحرب ويمكن أن يعود رجالك في المستقبل كتجمع ديني وسياسي بدلا من تعريضهم لمعركة خاسرة تجعل منهم جثثا محروقة بأفتك الأسلحة وأعتى الجيوش.
المسلمون في كل مكان «متحفزون» ليس أسفا على «منظمة القاعدة» ولا القائمين عليها من أئمة السراديب والمغارات والرؤى والمنامات والتكفير والتهويل، وليس أسفا على حكومة طالبان التي أعادت أفغانستان الى الوراء ثلاثة قرون من الزمان وأعطت نفسها حق تفسير الدين وحرمت الأفغان من العيش في أرضهم وقدست «أمير المؤمنين» المسكين وعزلت أفغانستان عن الماضي وعن الحاضر والمستقبل مع احترامي لنواياهم الطيبة وإنما «التحفز» لدى المسلمين لأن الغرب بقضه وقضيضه حرَّك أساطيله وطائراته وجنوده وأقماره الاصطناعية لمواجهة فئة مسلمة ضعيفة لا تعرف عما حصل شيئا، ولا حول لها ولا قوة، ثم إن السياسات التي ستسنها الدول المتقدمة «أمريكا والدول الأوروبية» لخمسين سنة قادمة «ستعقد» حياة العرب والمسلمين، وستهمش القضية الفلسطينية، وستحرم العرب والمسلمين من حقهم في المشاركة في صناعة مستقبل البشرية الذين هم يشكلون 23% من تعدادها.
إنه «الإرهاب» يهدم ولا يبني يؤخر ولا يقدم، يفكر بعقلية واحدة لذا يمكن القول «الإرهاب ملة واحدة» فهو في حقيقته مبدأ ومنهج حياة وسلوك وذو أطر ومراسيم.. لا تختلف عن بعضها مع اختلاف الأزمنة والأمكنة والحضارات!!
الإرهاب «نقيض» الإسلام، والعرب والمسلمون من ضحاياه، ولنطمئن.. فالعرب والمسلمون أمتان باقيتان وصاحبتا حق، والحرب على الإرهاب عارض سيزول بإذن الله وسيتجاوزه الزمن بل يمكن أن نصنع من تلك الحرب «نوافذ» واسعة للتعريف بمبادئنا الحضارية الصحيحة المشرقة وبقضايانا العادلة.
dralkhalil@hotmail.com
|
|
|
|
|