| فنون مسرحية
الجزيرة مكتب القاهرة عمر محمد
خالد بلحاج مخرج مسرحي من الجزائر.. تمرس في دهاليز المسرح الفرنسي ثم عاد إلى وطنه بحثا عن الهوية.. عن مسرح يعبر عن همومنا وقضايانا دون أن يفتقد أحدث التقنيات.. لم يكتف بلحاج برغد العيش في باريس أو التفلسف وطرح الأفكار عن بعد.
بل عاد ليواجه الواقع في وطن جريح.. يجمع أطفال المدارس ويسقي المواهب من ينابيع الخبرة أملا في صنع مسرح عربي يليق بقرن جديد. ونجح في تكوين مسرح «البليري» مع زملائه وتلاميذه، وهو مسرح حروراءه كفاح وحكاية..
* وكان السؤال في البداية عن معنى«البليري»!
البليري اسم زهرة تنبت في الربيع، ويحملها كل جزائري معه أثناء السفر لأنها توحي بالربيع ولا تحتاج إلى عناية.
* وهل هناك فلسفة خاصة لمسرح البليري؟
هو مسرح يعتمد على جهود الأساتذة في مجال المسرح والموسيقى.. وهو عبارة عن مسرح مدرسي لتنقية المواهب الشابة والأطفال. ولدينا أصغر تلميذ في فن التمثيل عمره ست سنوات ونصف ويمثل بمعنى الكلمة، كما يستطيع هذا المسرح الحر أن يقدم عروضه بأقل الإمكانات المادية.
أنشأنا فرقة مسرح البليري في قسنطينة وهي فرقة تتجول في الأحياء الشعبية والجامعات والمؤسسات، وفي شتى الولايات بما في ذلك الجنوب ودفعنا إلى هذه الفكرة عدم استقرارنا كفنانين مع مسرح الدولة، الذي كان من الممكن أن يغلق أبوابه في وجوهنا في أي وقت.
* ومن أين تحصل الفرقة على التمويل خاصة في ظل ظروف لا تسمح بوجود مصادر للتمويل حالياً؟!
تكلفة المسرح تعتمد بالدرجة الأولى على مبيعات المنتج المسرحي، فنحن نحاول دائماً الحصول على مقابل مادي لعروضنا، كما نحصل أحيانا على دعم من بلدية قسنطينة. ومؤخراً تمكنا من توفير مصدر للتمويل من خلال شركة إلكترونيات تشرف على أعمال الإضاءة والصوت وتوفر لنا مقراً للبروفات، كما ساعدت في وجود هيكل إداري مستقر للفرقة.
* هل هذه الشركة الخاصة جعلتك كمخرج ومدير لمسرح البليري تتجنب عيوب مسرح الدولة.. وماهي هذه العيوب من وجهة نظرك؟
بالطبع هذا ما حدث.. بالنسبة لعيوب مسرح الدولة فهي تتلخص في الإدارة وانعدام المعرفة بالواقع الفني واحتياجاته ولذا تنعدم أية استثمارات في هذا المجال، ويظل مسرح الدولة متقوقعا يخشى من استضافة عروض خارجية تنمي ذائقة الجمهور، كما يخشى أن ينتج أعمالا مبتكرة ومختلفة عن السائد. من هنا يمكن القول إننا في الجزائر نعيش حالة فراغ تحتاج إلى رجال جدد في ظل ما يسمى باقتصاد السوق.
فالذين يسيّرون المسرح عادة لا علاقة لهم بالفن المسرحي وانما هم أشخاص ينتظرون الحصول على المرتبات فحسب!
* من المعروف عنك أنك بدأت حياتك المسرحية في فرنسا.. فلماذا لم تستمر كممثل على خشبة المسرح الفرنسي؟
شعرت في فرنسا بالملل، وتساءلت مع نفسي.. ماذا قدمت لبلدي؟
وبدأت أفكر في هويتي، وفي القيام بعمل داخل البلد وفي تقديم تصور جديد للمسرح والاستقرار بأطفالي في وطنهم.
* وما الذي أفدت من تجربتك مع المسرح الفرنسي؟
بجانب التدريب والاطلاع على فئات النصوص المسرحية العظيمة والوقوف على خشبة المسرح، هناك جانب مهم تعلمته من الفرنسيين ويتعلق بمنهجية تسيير المسرح أو العمل المسرحي.. ففي عام 1985م درست على يد أساتذة فرنسيين العمل كمدير فني للمسرح وهذا ساعدني كثيراً في تكوين كوادر لمسرح البليري وإدارة ناجحة له.
* قرار العودة إلى الجزائر كان عام 1989م إي إبان الأزمة المعروفة.. فما تأثير ذلك عليك؟ وكيف استمر نشاطك المسرحي في ظل هذه الأزمة؟
رجعت إلى بلادي في نفس توقيت الأزمة السوداء المعروفة للجميع، ومع ذلك هممنا بالاشتراك مع زملائي على أن نقدم شيئا ما ولم ننغلق على أنفسنا مثلما حدث مع مؤسسات الدولة التي شلّت تماما، بل قمنا بالعرض المسرحي في مناطق وعرة ودون سلاح سوى الاعتماد على الله. ووصل جمهورنا في بعض العروض إلى ألفي متفرج رغم أننا لسنا فرقة تليفزيونية مشهورة، بل إننا نرفض طريقة التلفزيون في التعامل معنا ونفضل الاستقلال عنه.
والملاحظ كما قلت أن أغلب المؤسسات مغلقة وخاصة أن أغلب الجزائريين تعودوا وتطبعوا على اللجوء إلى الدولة.. من هنا يعد عملنا عملا رائدا وله مصداقية تفوق مصداقية الفرق الحكومية في ظل الوضع الراهن غير المستقر.
* وبعد العودة.. هل كان هناك وقت كاف للاطلاع والوقوف على حركة المسرح العربي بشكل عام؟ وكيف ترى خريطة هذا المسرح؟
كنت أظن أنني سألحق بالمسرح في سوريا أو مصر أو تونس بسهولة.. كما كنت أتصور أن الانطلاق من الجزائر سهل.. لكن المسألة ليست شراء تذكرة والذهاب إلى مصر لمشاهدة عدة عروض، أو الذهاب إلى سوريا.. المقصود هو التعرف عن كثب على مداخل المسرح العربي والالتقاء معه. في فرنسا كنت أكسب المال من عملي كممثل وأكون بعض الملاحظات البسيطة.. الآن الوضع بالنسبة لي تغير كثيراً، المخرج ومدير الفرقة.. والتعرف على المسرح العربي ليس يسيرا.. هناك مسرح متميز في تونس، وهناك اهتمام في مصر رغم سطحية بعض العروض والخوف من البوح.. وبوجه عام المسرح العربي يهتم بالسياسة، ويتغنى «بفضيلة» القومية أكثر من اهتمامه بتقديم مسرح حقيقي له دور ملموس.
هذا التسييس للمسرح يضعف الفرص في إيجاد حركة متطورة، كأنه قصر من رمال ينهار سريعا. كذلك هناك عقدة في الأذهان تجاه الغرب، فالغرب لايتكلم عنا بتاتا ونحن نظل نتكلم عنه.. نظل نتساءل هل التجريب تبعية أم لا؟ الغرب يسير ونحن نتكالب مع أنفسنا. أنا أعرف الغرب وأعي ما أقول.. الغرب لا يملك أن يعطي أو يمنع، فلماذا نربط حركتنا دائما به؟ ولماذا نسمع خطابا سياسيا ولا نرى مشاهد مسرحية؟
نحتاج إلى جهد للمخرج من هذه الحلقة المفرغة! وبمنتهى البساطة، مرحبا بالغرب من خلال المشاركة والمنافسة دون تبعية أو عقدة نقص.
* من ميزات فرقة«البليري» إعطاء فرصة للأطفال الصغار في الوقوف على خشبة المسرح.. فهل إعدادهم تطلب منك جهدا كبيرا؟!
ليس الأمر صعبا كما يتخيل البعض.. فالعمل مع الأطفال بالأساس عمل تربوي يعتمد على اختيار الطفل الذي يملك إحساسا مرهفا، والذي يلاحظ عليه نوع من الموهبة. وبمعاونة أولياءالأمور يعطي أغلب الأطفال نتائج مبهرة مع مراعاة ألا تؤخرهم دراسة المسرح عن دراستهم العامة، وحتى لو لم يحترفوا المسرح فعلى الأقل نكون قد أنشأنا جيلا قادراً على مواجهة الجمهور، قادراً على الثقة بالنفس.
* يلاحظ أيضا اعتماد عروض الفرقة على الحركة التعبيرية أكثر من الاعتماد على النص أو الكلمة؟
أريد بالأساس التواصل مع الجمهور، والجمهور بصفة عامة لا يحب كثيرا أن يطغى النص أو الخطاب، فندرة النص في العرض المسرحي تيار جديد يعطي الصورة والموسيقى فاعيلة تجعلنا نتغاضى قليلا عن النص ويكفي أن يستوعب المتفرج واحدا بالمائة من العرض، فأنا لست مدرسا أريد تزويده بالمعلومات، فهذا أبشع شيء في المسرح.
* أحدث عرض مسرحي قدمته فرقة البليري اعتمد على ثيمات من شخصية الإمام عبدالحميد بن باديس.. فلماذا هذا الإمام الجليل؟!
عبدالحميد بن باديس عالم جليل طاف بالمشرق وزار مصر والسعودية، وكافح ضد المستعمر ولصالح الوطن والإسلام، ولكننا نعيش في الجزائر مأساة فادحة، إذ لا نتذكره إلا يوم رحيله في 16/4/1940م، رغم أن هذا الرجل نجح في إقامة 500 مدرسة تعتمد على اللغة العربية والدين الإسلامي. هذا الرجل الذي رفض الاستبداد بطريقة أخلاقية سامية ورفيعة هو أبو الثورة الجزائرية الحقيقي. من هنا أردت أن أعيد الاعتبار لابن بلدي قسنطينة ولابن العروبة والإسلام. بدلا من الاهتمام بالغرب ومعاركه الفارغة. فأخذت من مسيرة هذا الرجل بعض المواقف وجعلت منها عملا مسرحيا يعتمد على الصورة والتجريب أكثر من الكلام والسرد.
|
|
|
|
|