| الثقافية
يلقي الأستاذ توماس طومسون، الأستاذ في جامعة كوبنهاجن في الدانمارك، محاضرة بعنوان رؤية جديدة حول تاريخ فلسطين، وذلك مساء اليوم الاثنين 21/7/1422ه (8/10/2001م).
وللدكتور طومسون آراء جريئة في تاريخ اليهود ودولة اسرائيل، ورغبة في تعريف القارئ بهذا الباحث العلمي المتميز، الذي اشتهر بجرأته على المستوى العالمي، فقد أعد الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، تعريفاً بهذا الباحث، والمدرسة التي ينتمي إليها، التي تهدف إلى كشف تزوير تاريخ اسرائيل القديم.
البروفسور توماس تومسون، هو باحث غربي، مادته: العهد القديم. والعهد القديم المحرف والموجود بين أيدينا يستعمل من قبل الصهاينة واليهود لمحو تاريخ، واختلاق تاريخ جديد لليهود وللمنطقة بأسرها.
وفي هذا الجو يناقش تومسون قيمة العهد القديم كمصدر تاريخي قديم، يتغلغل في أعماق التاريخ لأربعين قرناً تقريباً.
وعلينا في ضوء هذه المقدمة أن ننظر في أدلة تومسون لإنكاره وجود دولة اسرائيل المبكرة، وتاريخ المملكة الموحدة، ومملكة يهودا، ومملكة اسرائيل في عهدها المبكر، وكذلك النظر في أدلة مخالفيه في اثبات وجود تاريخ اسرائيل القديم، ووجود المملكة الموحدة، ثم انشقاقها إلى دولتين: اسرائيل ويهودا.
وأحب أن ألفت النظر إلى أننا كمسلمين لا نستقي عقيدتنا وتاريخنا إلا من مصادرنا الأصلية، الكتاب والسنة، ولكن الباحث المذكور سيكون باحثاً غربياً في منهجه، منصفاً لبعض الحقائق التاريخية.
يحيى جنيد
الدكتور محمد مصطفى الأعظمي
تمهيد
ثمة نقاش وسجال حاد ومتوتر حول الجذور التاريخية القديمة لاسرائيل، ويمتد هذا النقاش ليشمل الجامعات ومراكز البحوث والمجلات الأكاديمية والدوريات في أرجاء مختلفة من العالم.
فدولة اسرائيل التي قامت عام 1948م، ما فتئت تفتش عن شرعيتها في التاريخ القديم، مبررة وجودها على أساس من الحق التاريخي والديني في فلسطين ولتأكيد هذه الحقوق التاريخية والدينية، عمل المؤرخون وعلماء الآثار والحفريات على اختلاف مذاهبهم واغراضهم وبخاصة الغربيون منهم يهود ومسيحيون، وحتى قبل قيام دولة اسرائيل على دراسة كتاب العهد القديم وتوظيف نتائج أبحاثهم الآثارية لاثبات صحة ما ورد في هذا الكتاب المقدس، عند اليهود والنصارى، لإيمانهم بأن العهد القديم الموجود في أيدي الناس هو كتاب موحى من الله سبحانه وتعالى، وأنه نقل إلينا كما أنزل، وأن الأسفار الخمسة من العهد القديم هو ما أنزله الله تعالى على موسى عليه السلام.
ونظراً لان نتائج دراسات هؤلاء المؤرخين العلماء تخدم اغراضاً دينية وسياسية، فقد حصلوا على الدعم المطلق المالي والمعنوي المطلق من الجامعات ومراكز البحوث الغربية، فازدهرت نشاطاتهم وتوسعت حتى ظهرت إلى الوجود مدارس فكرية واضحة المعالم تختص بدراسات آثار العهد القديم، فأصبحت هي المرجعية العلمية التي يعترف بنتائج أبحاثها ودراساتها، وأصبحت سلطة علمية لا تتيح لمن لا تتوافق نتائج دراساته مع أفكارها الظهور، أو حتى الاعتبار العلمي لأنه لا يخدم أغراضها الدينية والعلمية والسياسية، ومن أشهر هذه المدارس السائدة في الأكاديميات الغربية هي مدرسة اولبرايت التي تنسب إلى الأمريكي وليم فوكس اولبرايت، وهي المدرسة التي تهيمن على دراسات العهد القديم الأثرية، وتنطلق من الافتراض بصحة العهد القديم، ومن ثم الاعتماد عليه مصدراً تاريخياً لتاريخ الأرض المقدسة (فلسطين)، وتاريخ وجود دولة اسرائيلية في تلك الأرض. وأصبح العالم أمام نظريات اعتبرت مسلمات حول تاريخ فلسطين ومنطقة الشرق العربي، فاختلق تاريخ جديد لليهود وللمنطقة بأسرها.
بداية تكفيك نظريات واطروحات تاريخ
اسرائيل القديم
على الرغم من أن المسلمين قالوا بتحريف كتب اليهود والنصارى منذ القدم، وأنها ليست صالحة لان تكون مصدراً تاريخياً، إلا أن أحداً من اليهود والنصارى لم يتلفت إليها، ولكن في أثناء القرن التاسع عشر الميلادي بدأ بعض الباحثين الغربيين يحللون النصوص المقدسة، فقد جاء «فلها وزن» اليهودي بفرضية وجود أربعة مصادر للتوراة، وأنها أي التوراة عبارة عن مجموعة من كتابات لأربع فئات أو أشخاص على الأقل، قامت الأجيال التالية بجمعها وتنقيحها، مع حذف بعض المواد واضافتها حسب الحاجة. واختلف الباحثون حول عملية التنقيح وتاريخ حدوثها، فبعض الباحثين اعتبر أن حدوثها قد حصل قبل سبي اليهود واخراجهم إلى بابل. والبعض الآخر اعتبر أن عملية التنقيح حدثت بعد عودة اليهود من بابل، ثم تتابعت عملية التنقيح والحذف والاضافة في نصوص العهد القديم حتى القرن الأول الميلادي، ويرى كاتب هذه المقالة الأعظمي أن عملية التنقيح قد استمرت حتى القرن العاشر الميلادي، كما شهد نهاية القرن التاسع عشر نقد نصوص العهد القديم، تواصلت عملية النقد هذه خلال القرن العشرين، مما أدى إلى حدوث تراكم معرفي نقدي، وظهور نظريات تناقض السائد من نظريات حول تاريخ اسرائيل ومدى مصداقية الاعتماد على نصوص العهد القديم مصدر لذلك التاريخ. فبرزت في هذا الجانب مدارس فكرية جديدة تقدم رؤى تختلف عما قدمته وتقدمه مدرسة اولبرايت وغيرها. ولعل أهم وأشهر هذه المدارس مدرسة كوبنهاجن وشفيلد لدراسات العهد القديم، تمحورت رؤى هذه المدرسة حول الأعمال والكتابات العلمية لجماعة من الباحثين الغربيين الذين من أهم المؤرخ الأمريكي توماس تومسون.
توماس تومسون
ومساهماته في تفكيك التاريخ القديم لإسرائيل:
يعد البروفسور توماس تومسون من أبرز الباحثين الغربيين في مجال دراسات العهد القديم، وهو أمريكي من مواليد سنة 1939م.
بدأ تومسون مسيرته العلمية في مجال دراسات العهد القديم، بكتابة رسالته للدكتوراه في جامعة توبنغن بالمانيا عام 1967م، وأكملها في سنة 1971م. وفي بداية كتابته لرسالة الدكتوراه كان اتجاهه العلمي منسجماً إلى حد بعيد مع ما كان سائداً من الأفكار والنظريات المتعلقة بتاريخ اسرائيل والعهد القديم. وكان سببه أن حضارة نوزي، وقوانينها الاجتماعية والعادات والتقاليد الموجودة في تلك البيئة وجدت أشياء مماثلة في العهد القديم ترجع في تاريخها إلى تلك الحقبة من حضارة نوزي. ولذلك نظر الباحثون إلى أنه من الممكن جداً من الناحية الحضارية أن المنطقتين، يعني فلسطين ونوزي شهدا تطوراً مماثلاً في العادات والتقاليد، والقوانين. لكن تومسون تبين له فيما بعد أن النصوص المكتشفة في حضارة نوزي قد قرئت خطأ، وفسرت تفسيراً خاطئاً عمداً، لايجاد تشابه بين نصوص العهد القديم ونوزي. وبعد اكتشاف هذه الحقيقة تغيرت نظرة تومسون إلى الموضوع، وبدأ يدرس العهد القديم من جديد، وفي ضوء تلك الدراسات انهارت النظريات العديدة المتعلقة بالعهد القديم.
ولقد انتهى البروفسور توماس من رسالته للدكتوراه عام 1971م، حيث فوجئ برد فعل عنيف ضد كتاباته ونتائجه، وثبت له أنه من المستحيل أن يحصل على شهادة الدكتوراه من أوربا، أو ينشر كتابه في أمريكا.
حيث رفضت بشكل كامل على أساس أنها لم ترق إلى المعايير الأكاديمية لدور النشر كم انقلت جريدة الحياة، وعلى كل فقد نشر الكتاب في ألمانيا عام 1974م، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تمبل بالولايات المتحدة 1976م، ولكن الذين وقفوا في وجهه في أوربا، حضر بعضهم إلى جامعة تمبل وقت المناقشة، وحاول اقناع البروفسور هناك بعدم منحه الشهادة، انظر جريدة الحياة 24/12/1421ه.
وفي هذه الفترة أي عام 1975م نشر باحث كندي اسمه جون فان ستر بحثاً عنوانه ابراهيم في التاريخ والأعراف والتقاليد John Van Seter, Abraham in History and Tradition . ونتائج أبحاثه أيدت ما كان يذهب إليه تومسون، بأن قصص العهد القديم ترجع في أصلها إلى القرن السادس قبل الميلاد، أو حتى متأخرة عن هذه الفترة، ثم ظهر كتاب آخر، اشترك في تأليفه عدد من الباحثين، وكانت النتيجة التي توصلوا إليها بأنه لا يمكن الاعتماد على العهد القديم كمصدر تاريخي، ووافقت ما قاله تومسون، وعلى هذا فقد انهارت الاسطورة بأن العهد القديم يشتمل على الحقائق التاريخية.
وفي عام 1975م رجع تومسون من ألمانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ونظراً للمعارضة الشديدة لآرائه في الأوساط العلمية الأمريكية، حرم من التدريس في الجامعات الأمريكية، وهو يتحدث عن نفسه في جريدة الحياة فيقول: تقدمت بأكثر من 200 طلب توظيف خلال 12 عاماًَ من 19741986م، لكن لم تسنح لي الفرصة خلالها إلا لمقابلة جدية واحدة. ولكسب العيش فقد تحول إلى عامل للدهان في بيوت الناس، وعامل يدوي يشتغل حيثما يوجد العمل، وعلى الرغم من ذلك لم ينقطع عن البحث، فقد كان ينفق وقته في المساء، وكذلك. عطلة نهاية الأسبوع في دراسة العهد القديم، ولقد استمر الوضع هكذا لمدة عشر سنوات، حتى عين أستاذاً مساعداً في المدرسة اللاهوتية بالقدس عام 1985م، واستمر في هذه الوظيفة قرابة سنة، وفي هذه الفترة اشترك في البحث مع غونسالفيز الذي كان يعمل استاذاً هناك أيضاً عن أسماء المواقع الفلسطينية، حيث بدآ سوياً في عمل تمهيدي عن التغيير في أسماء المواقع الجغرافية منذ عام 1948م، ووصلا إلى نتيجة مفادها وجود برهان على عمل مبرمج ودؤوب لتجريد كافة أنحاء فلسطين من أسماء المواقع العربية. ومن ثم فقد استغني عن خدماته، ورجع تومسون مرة أخرى إلى صبغ البيوت والأعمال اليدوية الصغيرة، ثم حصل على منحة للبحث من الوقف القومي في عام 1987م، ونشر دراسته كاملة عن العهد القديم في سنة 1992م بعنوان The Early History of Israelite People وقد سبب هذا الكتاب رد فعل أعنف من سابقه.
كما اشتغل في جامعة ماركويت وجامعة لورنس، وهما جامعتان كاثوليكيتان، وخاضعتان للجهات التبشيرية، وبما أن أبحاثه وتوجهاته كانتا في سمت مخالف للجامعة الكاثوليكية، فالجامعة قررت الاستغناء عن خدماته، وحسب القول رب ضارة نافعة، عين تومسون أستاذاً لتدريس العهد القديم في جامعة كوبنهاجن بالدانمارك، وكان ذلك في عام 1993م وهو لا يزال في منصبه هناك حتى الآن.
وإني لا أعرفه شخصياً حتى الآن، ولو أنني تعرفت إليه منذ سنين على صفحات مجلة BAR الأمريكية، إذ أقرؤها منذ عقد من الزمن، وهذه المجلة تعتني بشؤون آثار فلسطين.
وفي عام 1997م نشر كتاب بعنوان «هل يمكن كتابة التاريخ الاسرائيلي»؟
Can A History of Israel be written? وهذا الكتاب في الواقع حصيلة أبحاث المشاركين في الندوة الأولى الأوربية عن المنهج التاريخي، وكان من بينهم : كائت وايتلام من انجلترا، وفيليب ديوس من انجلترا، ونائل بيتر ليمش من الدانمارك، وتوماس تومسون من الدانمارك.
وهؤلاء الأربعة ربما هم الأكثر شهرة من بين المشاركين في الندوة، وهم أكثر من عشرين عالماً، ويمثلون مدرسة كوبنهاجن شيفلد ويسميهم اليهود ومن شايعهم عادة MINIMALiSTS أي مقللون. علماً بأن هذه المدرسة ترفض هذا اللقب، ولم يكن أحد الباحثين من المشاركين في هذه الندوة من اسرائيل أو جامعات أمريكية. وقد أشار «غيري ريدنبرج» إلى ملاحظة أخرى مهمة، حيث قال إنه لا يوجد في هذه المجموعة يهودي، وربما كان هؤلاء ليسوا من المسيحين، ولكن اليساريين اللادينيين، والسمة البارزة فيهم هي اللاسامية، واللاصهيونية، وقد تجاوز العالم الكراهية ضد الصهيونية، الذي كان سائداً في السبعينيات في هيئة الأمم، ولكن هؤلاء لا يزالون يعيشون في أوهام الماضي، وقد عفا عليه الزمن. هكذا كانت ملاحظة غيري ريدنبرج.
ولقد نشر كائت وايتلام كتاباً بعنوان:
THE INVENTION OF ANCIENT ISRAEL: THE SILENCING OF PALESTINIAN HISTORY LONDON .1996
«اختراع الإسرائيل القديم: إسكات لتاريخ الفلسطينيين« ذكر فيه وايتلام بأن تاريخ الفلسطينيين القدامى قد أخرس لأجل مصلحة إسرائيل.
لقد انزعجت مجلة bar من هذا الاتجاه لأنها متخصصة في الدعاية لإسرائيل ، وخاصة في مجال الحفريات، فجمعت العلماء من الاتجاهين المختلفين. حيث كان يمثل مدرسة كوبنهاجن شيفلد الأستاذة:
تومسن، وليمش، وكلاهما من جامعة كوبنهاجن.
وكان يمثل الطرف الثاني:
1 الأستاذ وليم ديور من جامعة اريزونا، وهو يعتبر ذا شهرة عالمية في مجال دراسة الآثار في فلسطين.
2 والأستاذ كائل ميك آرثر من جامعة جون هوبكنز.
ونشرت المناقشات التي دارت بين الفريقين على صفحات مجلة bar نفسها في يوليو/ أغسطس 1997.
حيث رأينا في المناقشة أن الأستاذ ديور اعترف بأنه قد حصل التنقيح والتعليق والحذف والإضافة في العهد القديم، وكما استمر هذا العمل إلى القرن الثاني قبل المسيح.
واعترف الأستاذ ديور أيضاً بأنه تخلى عن فكرة إثبات إبراهيم كجد أعلى لإسرائيل، وكذلك موضوع فتح إسرائيل لأرض فلسطين. وهو يقول عن نفسه انه قد ترك البحث في هذه الموضوعات. لكن نشأة دولة إسرائيل هو موضوع حيوي وتاريخي، لا يمكن التخلي عنه.
كما وافق رئيس تحرير مجلة bar أن العهد القديم لم يكن جامد النص إلى القرن الأول الميلادي، بل حصل فيه التغيير والتبديل والحذف والإضافة حسب الضرورة إلى القرن الأول الميلادي.
إما تومسون فقد صرح أنه لا ينكر وجود إسرائيل قديماً، لكن وجود إسرائيل شيء، ووجود دولة إسرائيلية أمر آخر.
ولقد أنشئت مدينة ليكش وتم تسويرها في حدود 900 قبل المسيح، ولم تصبح يوروشليم مدينة رئيسية إلا بعد خراب ليكش في سنة 701 ق.م. ولم تكن هناك كثافة سكانية في تلك الحقبة من الزمن في المنطقة التي يسميها الناس دولة يهودا. ومعلوم أنها سميت حسب رواية العهد القديم دولة يهودا، بعد ما انشطرت الملكية الموحدة بعد وفاة سليمان إلى دولة إسرائيل ودولة يهودا.
وبما أن الروايات تذكر يوروشليم عاصمة الملكية الموحدة التي كان على عرشها داود وسليمان«عليهما السلام»، وبما أن يوروشليم لم تحتل مكانة مرموقة إلا بعد خراب ليكش في سنة 701 ق.م. فإذن لا يمكن أن تكون يوروشليم عاصمة للمملكة الموحدة في القرن العاشر قبل الميلاد.
ولقد ذكر الباحث الإسرائيلي اسيكشن، ووافق عليه فينكلشتائن أيضاً بأنه لا يوجد في الحفريات البقايا من الأواني الفخارية من القرن العاشر قبل الميلاد، أي من عصر داود وسليمان ، ولذلك استنتج ليمش أن داود الملك المذكور في العهد القديم لا يمكن إثباته تاريخياً.
* قال ديور في مناقشته: لم لا تقول انه من الممكن أن يكون، ومن الممكن كذلك أن لا يكون؟
* قال ليمش رداً عليه: لأن العهد القديم يصوره امبراطورا، كان يحكم من الفرات إلى النيل، وقد أضاف سليمان إلى هذه الإمبراطورية مساحات أخرى،لذلك لا يمكن أن يكون داود شخصية تاريخية.
* ووافق ديور نفسه على هذا القول، واتفق مع ليمش بأنه لا يوجد داود وسليمان بهذا المفهوم.
* كما تدخل رئيس تحرير مجلة bar قائلاً: ألا يجور أن تكون هناك إمبراطورية ولكنها أصغر حجماً؟
فرد عليه ديور قائلاً: أنا لا أسميها إمبراطورية، ولكنها دولة.
* أجاب ليمش ردا على ديور: ان«مملكة يهوذا» في ذلك الوقت لم تكن تتجاوز ألف كليو متر مربع إذن من إحدى نتائج مدرسة كوبنهاجن شيفلد هو إثبات خرافة إمبراطورية داود عليه السلام الممتدة من الفرات إلى النيل.
قضية أخرى
وقد وُجد نفق في القدس، فيه نقش حجري يسمى نقش سائيلوم siloam lnscrlptlon يدعي الباحثون الذين يزيفون التاريخ بأن النقش راجع إلى عهد الملك حزقيال «727 698 قبل المسيح» ولو أن النقش لا يحمل تاريخاً، ولا يذكر حتى اسم الملك الذي وضع في عهده الحجر المنقوش، وثُبت في النفق، والحجر الآن في استانبول.
وفي شهر سبتمبر 1996 نشر مقال في مجلة أمريكية علمية شهيرة وهي
biblical archaeologist, ameriecan schools of oriental research تتعلق بنقش سائيلوم بقلم جون روجرسون وفيليب ديوس، من جامعة شيفلد، إنجلترا.
حيث ذكر الباحثان أن هذا النقش في أصله يرجع إلى القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد، وليس من القرن الثامن قبل الميلاد.
وبما أن هذا النقش يعتبر مقياساً لكافة النقوش التي تدعي أنها من القرن الثامن قبل الميلاد، فهدم هذا الأساس بسبب انهدام أشياء كثيرة جداً.
وبما أن فيليب ديوس يمثل مدرسة كوبنهاجن شيفلد، إذن فهو يمثل إتجاهاً خطيراً ضد الاتجاه الصهيوني السائد لتزييف التاريخ الفلسطيني، ولذلك كان من المستحيل السكوت عليه، لأجل هذا قام رئيس تحرير مجلة bar هرشل شنكس بحشد عدد كبير من العلماء، ذوي الشهرة العالمية لإنقاذ الأساس من الانهيار. وفي مجلة bar نشرت المقالات في الرد على فيليب ديوس وزميله، في شهر مارس/ إبريل 1997م.
وكان من كتابه، كل من:
1 جوابن هيكت
2 فرنك موركروس
3 كيلي مايك كارتر
4 أديا يارديني
5 اندريه ليمر، وقد قال: هل نحن مستعدون لهدم هذا الصرح العظيم؟
6 اشترشيل.
7 اوى هروتز.
ولب الموضوع أنه تحدد أولاً أن هذا النقش يرجع في أصله إلى القرن الثامن قبل الميلاد، علماً كما ذكرت من قبل أنه لا يحمل التاريخ ولا اسم الملك الذي في عهده كتب هذا النقش، ولكن عندما اتفق «الباحثون» و«الخبراء» على أنه يرجع إلى القرن الثامن قبل الميلاد، فأصبح من ذلك الحين مقياساً معتمداً لتحديد تاريخ كثير من النقوش غير مؤرخة. لذلك كان لابد من التصدي، وحشد هذا العدد الكبير من العلماء ذوي الأسماء اللامعة، والحجة الوحيدة أن الحرف أ أو ه أو م وغيرها كان يكتب في الكتابات اليهودية قبل القرن الثامن بالرسم الفلاني، وفي القرن الأول قبل المسيح كان يكتب بالشكل الفلاني.
ولي على هذا بعض الاستفسارات ، ليس هناك نقش واحد ثابت تاريخياً بأنه يرجع في أصله إلى القرن الفلاني، كلها حدس وتخمين، واتفاق بين الأساتذة ذوي الأهداف السياسية المعروفة، فعند عدم وجود كتابة مؤرخة ثابتة التاريخ، أو حتى التي تحمل تاريخ الملك لايمكنك إثبات أن الحرف الفلاني كان يكتب بالشكل الفلاني في القرن الفلاني، وفي القرن كذا بالشكل الفلاني، لأنه ليس لدينا نقوش كثيرة مؤرخة لنبني عليها تلك الفرضيات. ثم إذا أخذنا نقشاً واحداً فقط ونحلل ما فيه فإننا نجد أن حرفاً واحداً يكتب في نقش واحد مع بعض الاختلافات، ولذلك فإن اعتباره دليلاً قطعياً في أن هذا النقش يرجع في أصله للقرن الفلاني، ثم اعتماده كمقياس لمعرفة مامضى من الكتابات فهو تمويه في تمويه.
وحتى رسم الأحرف من قبل البروفسور فرنك كروس لإثبات نظريته يشتمل على الخداع، وليس هذا موضعه، وإلا إذا جئنا بحرف واحد من نقوش سائيلوم أو نقوش أخرى، ثم بدأنا بالمقارنة بذلك الحرف بنفس الحرف من نفس النقش نجد اختلافاً في الرسم، فما قاله فرنك ليس في محله.
أما التزوير في الآثار في إسرائيل فحدث ولا حرج، والقارئ العربي على وجه العموم لا يعرف شيئاً عن الآثار الفلسطينية، وإلا لذكرت للتزوير عشرات الأمثلة بدون مبالغة.
ولكن هناك تزوير من نوع آخر، وهو تحليل شيء حسبما يوصل إلى الهدف. وسأذكر مثالاً واحداً طريفاً:
وجد طبق مصنوع من فخار في مقبرة قرب بيت شمس عام 1911/1912 وقد حدد جبريل باركي تاريخه القرن الثامن قبل الميلاد، يحتوي هذا بالطبق على الرموز التالية«.....» وقد قرأها باركي «أ خ ك»، بقي هذا الطبق في المتحف بالقدس بدون أن يفسر، حتى فسره جبريل بثاقب نظره، والمختصر المفيد في هذا المجال هو هذه الرموز «أ خ ك» هي الأحرف الصامتة، وهي تقرأ«أخيك» أو «لأخيك».
وبما أن العهد القديم يحث على مواساة الفقراء والمعدمين من اليهود، فكان هذا الطبق لجمع ما تجود به نفوس المتصدقين، إن كان التفسير هكذا، فربما يكون معقولاً، ولكن كاتب المقال وضع عنواناًthe world's oldest poorbox أقدم صندوق للفقراء في العالم وهذا العنوان ينحرف عن الأصل 180 درجة، ويمكن أن يقال:«أقدم طبق للشحاته في العالم».
وبهذه المناسبة فأود أن اتحف القارئ ببعض الطرف، وذلك «لتصحيح المعلومات»، أو«لتهويد الإيمان» إن شئت:
لقد ادعى البروفسور وانسبراؤ من جامعة لندن في كتابه دراسات في القرآن، والذي نشر في عام 1975م بأن القرآن الكريم هو تأليف مجتمع المسلمين خلال القرنين الأول والثاني من الهجرة، ولم يصل إلى ماهوعليه إلا بداية القرن الثالث، وبالرغم من أنه أثبت في زعمه هذه الحقيقة التاريخية، لكنها كانت تنقصها الدلائل الملموسة. وبعد ذلك قام بهذه المهمة الشاقة عدد من الباحثين اليهود، فقد وجدوا حسب ادعائهم في حفريات في النقب، وبعض الكتابات على الصخور باللغة العربية، كتبها اليهود والنصارى، في القرن الأول والثاني العربي/ الهجري، ثم صارت تلك الكتابات مادة أساسية لتأليف القرآن حسب زعمهم.
واكتشاف آخر ذو أهمية بالغة في النقب حيث وجدت آثار حسب زعمهم تنطبق عليها صفات الكعبة المشرفة، كما جاء في دواوين الجاهلية، بينما لا تنطبق هذه الصفات على الكعبة الموجودة في مكة ومعنى هذا الاكتشاف في نظري ياأيها المسلمون هلموا إلى قبلتكم الجديدة، لأنكم أخطأتم في معرفتها من عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى الآن.
واكتشاف ثالث هو أن المسجد الأقصى في الجعرانة وليس في القدس.
وهذه الاكتشافات غيض من فيض، تنشر في المجلات العلمية الألمانية وغيرها، وتنفق الأموال السخية على إجراء البحوث وتنقيب الآثار، فإذاً عملية طمس التاريخ الإسلامي، واختلاق تاريخ شيطاني صهيوني عملية مستمرة.
وخلاصة القول:
أولاً: نحن لا ندرى كثيراً عما يكتب عن الإسلام والمسلمين والعرب في هذا المجال.
ثانياً: نرى من السخافة أن نرد على أمثال هؤلاء.
ثالثاً: هناك غيرنا ممن يحاول أن يصنف التاريخ، ويبين وجه الحق، فعلينا على الأقل أن نشجعه على المضي قدما. ومدرسة كوبنهاجن شيفيلد من هذا النوع حتى الآن ، وهي ميزان التعادل، وعلى رأسهم الدكتور توماس تومسون.
|
|
|
|
|