| مقـالات
لقد تعاطف العالم مع الولايات المتحدة الامريكية، فالذي تعرضت له يعد كارثة بكل ما تعني هذه الكلمة من معان، بل هي مذبحة مدبرة لا يملك عاقل أمامها الا ان يتألم ويتعاطف ويشجب ويستنكر بيد ان مرحلة الفزع والخوف والتعاطف الداخلي والخارجي بدأت تتكشف عن أسئلة كثيرة يخشى ان تكون اجاباتها هي نفس الاجابات التي تجترها الجهات المسؤولة الامريكية منذ مقتل مارتن لوثر كنج، وكنيدي، وسقوط الطائرة المصرية.
والحقيقة ان العالم شهد أبشع جريمة، وأفشل حملة علاقات عامة، وأسوأ تغطية اعلامية، على الصعيدين الرسمي والاعلامي الداخليين فأمريكا التي ينظر اليها دوما على انها القطب الأوحد والقوة العظمى بدت متخبطة تفكر بصوت مسموع جعلها رهينة رد عسكري يتوق اليه الكثير من الشعب الأمريكي في وقت يستعصي فيه مثل هذا الرد في ظل المعطيات المعقدة للأزمة وغياب الأدلة الصريحة ضد مرتكبي الجريمة. والواقع ان مخططي العلاقات العامة والسياسة الخارجية والفريق الذي يدير الأزمة قد وقع في عدة اخطاء فادحة بدأت بتوجيه اتهام سريع ومتسرع الى العرب والمسلمين ما لبث الخطاب الرسمي ان تراجع عنه لتتلقفه القنوات الاعلامية تشحن به المجتمع الأمريكي على الاسلام والمسلمين والعرب والملونين بشكل عام في حملة عنصرية غير مبررة. ثم ادخل الفريق نفسه بعد ذلك في فخ آخر هو مصطلح الحرب الصليبية، وسرعان ما أدرك الفريق ان هذا المصطلح خطأ تكتيكي جسيم ولابد من التراجع عنه بسرعة ولكن بعد ان بدأ يلوك معناه بعض الحمقى من الدخلاء على السياسة والثقافة أمثال رئيس الوزراء الايطالي. ثم وقعت ادارة الرئيس الأمريكي بوش في خطأ ثالث يدل على جهل كبير او تجاهل لثقافة الآخرين الذين يقاسمونهم هذا الكوكب عندما استعمل مصطلح العدالة المطلقة وتحت ضغط المسلمين تم الاعتذار عنه واستبداله بحملة تكريس الحرية.
وخلال أربعة أسابيع بدأ جناح في الفريق الذي يدير الأزمة يتحدث عن الحرب العسكرية في أضيق حدودها في محاولة لتهيئة الشعب لقبول حلول اخرى غير الحرب والدمار. وحتى نكون واقعيين علينا ان نقول كمراقبين لما يجري على الساحة الأمريكية بأن هناك من عارضوا فكرة الحرب التي تبناها الاعلام من أول يوم في الكارثة. وبدأ هذا الفريق من اليوم التالي يوزع المنشورات ويعقد المؤتمرات ويسير المظاهرات والرسالة واحدة وصريحة: أوقفوا الحرب التي يدفع اليها الاعلام لقد وجدت أحدهم عند اشارة المرور يوزع منشوراته بكل ثقة ويؤكد لي انه وفريقه سينجحون في منع هذه الحرب. ومما لفت انتباهي في منشوراتهم اقتباس يتصدر صحيفتهم ترجمته : «لقد دمر الاعلام قيم أمريكا، والاعلام وحده هو القادر على اعادة بنائها».
لقد بدأ الأمريكي يتصل بوسائل الاعلام بعد ان افاق من الصدمة ويسأل عن الأسباب التي تجعل أمريكا مكروهة، وبدأ الكثير يتحدثون عن الانحياز الأمريكي الأعمى لاسرائيل وبدأوا يتحدثون عن ان اسرائيل ليست من المكاسب القومية التي يجب ان تضحي امريكا بسمعتها ومصالحها الوطنية من أجلها. غير ان جميع هذه الأصوات كانت تخنقها اجابات ومداخلات الخبراء والساسة والمثقفين والاعلاميين الذين يحاولون تسويق الشعار القديم الجديد من ان امريكا تدعم اسرائيل لأنها البلد الديموقراطي الوحيد المحافظ على تقاليد الغرب وثقافته في منطقة الشرق الأوسط.
واذا كان لكل أزمة جوانب يمكن ان تكون ايجابية فاننا وبدون تحفظ يمكن ان نقول بأن السحر قد انقلب على الساحر فحملة العداء التي أشعل اوارها بعض الاعلاميين ضد المسلمين والاسلام قد جعلت بعض فئات الشعب الأمريكي تتعاطف مع المسلمين وقضاياهم ولأول مرة تفتح وسائل الاعلام الامريكية أبوابها للمسلمين على الهواء مباشرة وبساعات بث طويلة يشرح فيها المسلمون الاسلام وسماحته وادانته للعنف، ويناقشون بشكل اساس ما تعرض له المسلمون من جراء هذه الأزمة من مضايقات هذا الامر جعل الأمريكي العادي يتنبه الى انه ربما غرر به خصوصا وقد أسفر هذا التخبط والاتهام العشوائي عن تنامي الوعي لدى الأمريكان، ويقول العاملون في مجال الدعوة والمؤسسات الاسلامية ان الطلب على الكتب التي تتحدث عن الاسلام وتعرف به وخصوصا القرآن الكريم لم يسبق له مثيل في تاريخ العمل الاسلامي في امريكا وقد سألت الأستاذ الدكتور جعفر شيخ ادريس عما اذا كان هذا من باب اعرف عدوك فأجاب بالنفي معتبرا ان الأمريكي يود التعرف على الاسلام الذي رأى التهم توجه اليه جزافا من قبل بعض وسائل الاعلام.
ان تفسيري الوحيد هو ان الناس في هذا البلد قد شعروا بالخوف مما حدث ولقد أرعبتهم وسائل الاعلام التي بدت مرتبكة ايضا وكانت المذيعات يبكين وهن يذعن الاخبار ويعلقن على الحدث ويدعون الناس الى التوجه الى الله بالدعاء وبالطرق التي يؤمنون بها بل كانت الدعوات موجهة حتى لمن لا يؤمنون بالرب ان يبحثوا عن رب يتعلقون به. هذا الخوف دفع الناس للبحث عن الحقيقة والأمن والاسلام واحد من تلك الخيارات المتاحة خصوصا وانه ربما ولأول مرة يسمع الأمريكان من مسؤولين أمريكيين ان الاسلام هو أسرع الأديان انتشارا في أمريكا.
لقد وقعت الادارة الأمريكية كما أسلفنا في أخطاء كثيرة معظمها تتعلق بالتسرع والاستخدام غير الناضج للمصطلحات السياسية والدينية وكانت تتراجع بسرعة بعد كل خطأ، غير ان اطلاق رصاصة في حرب غير واضحة المعالم سيكون الخطأ الذي لا يمكن التراجع عنه وربما يؤدي الى فشل في ادارة الأزمة وخروجها من يد أمريكا فتوجيه ضربة عسكرية مباشرة لأفغانستان سيقضي على طالبان كحركة حاكمة وسيأتي بحكومة موالية لأمريكا وهذا لاشك فيه وسيعود طالبان واتباعهم الى الجبال والى وادي بانشير لمحاربة السلطة القادمة، وفي وجهة نظرهم سيكون اليوم أشبه بالبارحة، فما الفرق بين نظام جاء بالرصاصة والدولار الأمريكي وآخر جاء بالمنجل والدبابة السوفيتية واذا كنا نتحدث عن ان أفغانستان كانت فخا نصب للروس من قبل الأمريكان وحاربوهم فيها في مقابل توريط الاتحاد السوفيتي لأمريكا في فيتنام، فان أفغانستان ستكون مستنقعا لتوريط امريكا وسيكون الروس والصينيون أول الداعمين لحركة طالبان في اخراج الأمريكان والحكومة التي يأتون بها.
فالصين وروسيا وايران لن ترضى بجوار أمريكا الجديد، سواء من خلال وجود أمريكي حقيقي او من خلال دولة حليفة لامريكا والخيارات الامريكية صعبة خصوصا وان الكثير من الشعب الأمريكي يريد ان يرى آلته العسكرية تدك افغانستان وان كان احد لم يسأل نفسه ماذا ستدك في أفغانستان؟ ان الأخطاء التي صاحبت الحدث كانت جميعها شفهية أمكن التراجع عنها نظريا، ولكن الرصاصة الأولى التي ستطلق في حرب لا أحد يعرف حقيقة ميدانها ولا أبطالها ستكون خطأ استراتيجيا فادحا ربما يقود البشرية الى كارثة مؤكدة. لقد فوجئت بأن الأمين العام للأمم المتحدة لا يعرف عن الأدلة التي تدين المطلوبين لأمريكا اكثر مما يعرف صحفي او متابع للاعلام ولقد اعترف الأمين العام أيضا ان هناك عدم اتفاق على تعريف مصطلح الارهاب وان هناك افهاما متباينة لهذا المصطلح بين دول العالم.
وبالتالي غياب المرجعية لفض النزاعات قانونيا مستقبلا في هذا الامر ولنفترض ان دولة من دول العالم اختلفت مع أمريكا حول هذا المصطلح، فمن سيكون الحكم والمرجعية القانونية لفض الاشتباك؟
في اعتقادي ان العالم يمكن ان يعيش بسلام دون اللجوء الى حرب عسكرية اذ يكفي رفع المظالم وحرص الدول العظمى على العدل في تعاملها مع قضايا العالم، والعمل على فتح حوار بين الثقافات والحضارات وليس اشعال حرب وتهيئة ميدان للصدام بينها. لقد اظهر العالم انه يتألم لبعضه ويعاني من اجل بعضه البعض، ويتعاطف مع الأبرياء عندما يروعون، كما أثبت البعض من الشعب الأمريكي حبهم للتسامح لقد وصلتنا عشرات الرسائل من امريكان يعرضون بعض المساعدة ويتأسفون لما تعرض له المسلمون من اعتداءات بعد الكارثة بل ووصل الامر بجيران بعض المساجد من الأمريكان غير المسلمين ان ذهبوا الى امام المسجد وطلبوا منه الا يقفل المسجد امام المصلين يوم الجمعة فهم على استعداد لتكوين حاجز بشري لحماية المصلين، كما عرضت نساء غير مسلمات ارتداء الحجاب والتجوال في الشوارع لمساندة المسلمات المحجبات صحيح ان نغمة التطرف تنطلق في امريكا كما تنطلق في بعض المجتمعات الاسلامية محملة بالكراهية ولكن علينا كمسلمين ان نتبع الشرع في تعاملنا واعتقد ان علماء الاسلام قد قالوا كلمة الحق في احداث امريكا وبقي على أمريكا وحلفائها ان يتوخوا الحكمة وألا يقحموا هذا العالم في حرب لا أحد يعلم مداها وآثارها الا الله.
|
|
|
|
|