| مقـالات
من المفارقات المضحكات المبكيات، أنه بينما نتعرض عربا ومسلمين لأشرس حملة إعلامية ضارية، تستغل حوادث الإرهاب الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحاول باستماتة تشويه ثوابتنا واتهام حضارتنا، تطلع علينا إحدى فضائياتنا ببرنامج تستضيف فيه شخصاً يدّعي قدرته على كشف دواخل الإنسان وأسراره عن طريق قراءة كفه، وحتى وهو جالس في «الأستوديو» يستطيع قراءة كف فتاة من جماهير المشاهدين في البيوت بعد أن أمرها على الهاتف برفع كفها الأيسر إلى الأعلى والأكثر غرابة أن الرجل لا يكتفي بسرد أحداث من الماضي وهي حوادث عمومية مشتركة بين البشر بل يتنبأ بالمستقبل أي «الغيب»!! وحين داخله أحد المشاهدين على الهاتف موضحا له سفه مايدَّعي، نهره بوابل من عبارات التوبيخ، وقال لمداخل آخر: مادمت لا تقتنع بكلامي فلماذا اتصلت بي؟! وفي هذا السياق نسمع من يفسر أحداث الإرهاب الأخيرة على أنها تحقيق لنبوءة«ديموس» المنجِّم الفرنسي الشهير الذي جاء في كتابه انه مع نهاية القرن العشرين يأتي لهب حارق يضرب القوة الأعظم! وحين يصل البعض إلى هذا الحد من السفه، وحين تروج لهذا السفه إحدى فضائياتنا، يجب أن ننتبه إلى ما يلحق أدمغة شبابنا ويرسخ في تكوينهم وهم يستقبلون مثل هذه الشعوذات «المثيرة» ومدى تأثرهم على المدى الأبعد بها! وفي الوقت ذاته ألسنا بذلك نساهم نحن بكلتا يدينا في حملةالتشويه المسعورة ضدنا، ونبدو في عيون الآخرين سذجا بلهاء؟! أتصور أن تسارع مثل هذه القنوات إلى التطهر من هذه«التشوهات»، وتعكف على أداء رسالتها الحقيقية لمواكبة الأحداث الحاضرة بإعداد برامج«حية» تسهم إسهاما فعالا في تصحيح مفاهيم «الآخر» عنا وبلغته، تلك المفاهيم الناشئة عن قصورنا في الدعوة والإعلان عن هويتنا، حتى غدا ذاك«الآخر» في جهل مطبق بالإسلام وعباداته، حدثني أحد المبتعثين للدراسات العليا في جامعة أوكلاهوما الأمريكية، انهم حين اعتذروا لإخوانهم الأمريكان عن دعوة على الغداء في احد أيام شهر رمضان المبارك، لم يكن الأمريكان قد سمعوا عن الصيام في الإسلام، بل لم يكونوا قد سمعوا أصلا عن الإسلام ذاته! وفي ظل غياب الصورة الحقيقية لدى الغرب عن الإسلام ومنهجه، لم يكن من الصعب على أبواق اللوبي الصهيوني أن تصورنا جميعاً كإرهابيين وسفاحين دمويين، بينما يقول الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، المصدر الأول للتشريع الإسلامي:«من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات، ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون«المائدة: 32»، فهل هناك شرع يجرم قتل الغيلة على هذا النحو من تضخيم الجرم، وتغليظ العقوبة بالضرورة؟! ومع هذا فإن أعمالا تخريبية يدَّعون نسبتها إلى شخص أو عدة أشخاص منسوبين إلى الإسلام لا تزال تفتقر إلى الدليل إلا أنهم يجرمون بها عقيدة مليار ونصف المليار مسلم، بينما لا يجرمون شعبا يحظى فيه السفاح شارون بأغلبية انتخابية تمكنه من سدة الحكم، وإدارة خطته الفاشية الفاشلة للتفريع العرقي للفلسطينيين، معتمدا وسائل القتل الوحشي دون أن يستثني شيخا ولا امرأة ولا طفلا! ولا يمكن أن ننكر مسؤولياتنا في قلب هذه المعادلة بسبب قصورنا الإعلامي الذي يتحرك في دوائر داخلية مقفلة ومشعَّبة ببرامج هامشية، وافتقارنا إلى خطة واعية لتعريف «الغير» بالأمة وثوابتها على الوجه الحقيقي، وإلى أن يحدث هذا فإني أدعو أبنائي وبناتي من الشباب الذي تغريه مثل هذه البرامج أن يمتنعوا عن الاتصال والتواصل معها، وبذلك يسقط هذا البرنامج وأشباهه سقوطا ذاتيا من داخله، إذ لا يمكن أن يكون هناك برنامج بلا جمهور! ويتجنبوا، بذلك غضب الرب سبحانه وتعالى وسخطه ونكون بحق خير أمة أخرجت للناس.
|
|
|
|
|