| محليــات
قبل أكثر من عشرين سنة قدم الفنان سمير غانم وزميلاه في فرقة الثلاثي المرح اسكتشا غنائيا كل كلامه هي )سو سو سو لا لاري(. ولكنه تكشف، على الأقل بالنسبة لي، عن فكرة استشرافية، عظيمة. تنبأ سمير غانم وزميلاه بأنه سيأتي يوم من الأيام يكون فيه المشاهد قادرا على التنقل بين تلفزيونات العالم مثل الرادو. وهو ما نفعله الآن بالريموت كنترول والرسيفر. ورغم اهمية هذه النبوءة التقنية فهي ليست النبوءة الخطيرة في ذلك الاسكتش. الفكرة الخطيرة في ذلك الاسكتش فكرة التناسخ والتشابه والسخف. فكلما تحولت الى قناة ستجد نفس المنظر ونفس الأفكار ونفس الأغنية ونفس الكلمات ونفس النظرة والنغمة مع اختلاف بسيط في ملابس ومظهر المغنين. إذا انتقلت الى قناة امريكا ستشاهد نفس الثلاثة المغنين يلبسون ملابس الكاوبوي الامريكي. ويغنون على الغيثار أغنية )سو سو سو لا لالي( التي لا معنى لها. وإذا تحولت الى قناة عربية ستشاهد نفس المغنين يغنون نفس الكلام على العود. واذا انتقلت الى التركية ستشاهد نفس المنظر ولكن في إطار تركي. ونفس الشيء اذا تحولت الى اليابان وإلى كوريا وإلى امريكا الجنوبية الخ. فالعالم في ذلك الاسكتش حقن بثقافة واحدة وبذوق واحد وبمفردات محددة لا معنى لها.
قبل ان تنقض علينا القنوات الفضائية من كل حدب وصوب كنا نبكي ونشتكي ونتألم من القناتين الأولى والثانية. كنا نحسد إخواننا في الشرقية الذين يتمتعون بمشاهدة قنوات الخليج وايران. وعندما بدأت طلائع القنوات الفضائية في البث تدافع البشر كالمحمومين على محلات بيع الاريلات التلفزيونية. وأخذوا يتطاولون في الأنتلات لالتقاط أي اشارة تائهة في الفضاء السحيق تغنيهم ولو للحظات عن القناة الأولى. وفي صباحات العمل يتباهى كل موظف بمشاهدات ليلة البارحة حتى لو كانت مجرد ذبذبات. وأتذكر ان عائلة استمرت تشاهد القناة الثانية )السعودية( بشكل مشوش وغائم مدة شهر كامل على أساس أنها قناة أجنبية. الآن وبعد تجربة سنوات مع تعدد القنوات اتضح للكثير ان القنوات الفضائية كلها في النهاية قناتان فقط. قناة حكومية مملة ودعائية ساذجة وقناة تجارية مبتذلة ورخيصة. النوع الأول طفش منه المشاهد العربي من المحيط الى الخليج. والنوع الثاني يعتمد على الرخص ولا يصلح إلا للمشاهد الذي تنحصر متعته في الايحاءات الجنسية. فإذا انتقلت بالريموت كنترول ستجد ان ما يعرض هنا هو نفس ما يعرض في القناة التي تركتها. حتى ان المرء بدأ يتعرف على فتيات الفيديو كلب من تكرار الوجوه. وبدأت كل قناة تقلد الاخرى في البرامج الهابطة فتناسخوا العهر. وربما يظن البعض ان انتاج السخف والعهر هو وليد القنوات اللبنانية التي ترى ان التحضر يتجسد في الكريمات ومعرفة فالنتينو والمرأة المبتذلة، ولكن الذي يعرف القنوات التلفزيونية الامريكية يعرف ان السخف والابتسار هو بضاعة الإعلام الامريكي ذكر لي بعض الكتّاب الأمريكان أنه في تاريخ التلفزيونات الامريكية لم تستضف شاعراً او مثقفا.
المضحك المبكي أن الأب اللبناني او الأب الأمريكي يستطيع ان ينجو بذوق وأخلاقيات أبنائه بين فترة وأخرى بأن يأخذهم إلى صالة سينماء أو مسرح وهو ما لا يتوفر عندنا.
للتواصل فاكس 4702162
|
|
|
|
|