| العالم اليوم
قبل أيام قليلة نشرت الصحف الإسرائيلية صورة لأب وابن من الطائفة اليهودية الأرثوذكسية يحتفلان ب (يوم كيبور) أو عيد الغفران، وقد أمسك الأب بديك أبيض أداره مرات عديدة فوق رأس ابنه بتقليد طقوس يرمز إلى انتقال ذنوبه إلى الديك مما يسوغ ذبحه،وقد دفعت هذه الصورة الرمزية أحدهم إلى التعليق بقوله هل الفلسطيني ديك أبيض؟!
من وجهة نظر مجرم الحرب قاتل الاطفال والنساء أرييل شارون فإن الفلسطيني ديك أبيض وعليه أن يحمل جميع أوزار وخطايا شعب الله المختار ثم يقدم على المذبح، فرب الحرب والجنود يعلن في العهد القديم أن عهده في لحم بنيه عهد أبدي، أما شارون فيعلن ان عهده في لحم الفلسطينيين عهد أبدي..!! ومن هنا جاء قراره بعمليات الاغتيال اليومية للأطفال والنساء والشيوخ ونشطاء وكوادر الانتفاضة وقصف منازل المدنيين الفلسطينيين ومقار ومؤسسات أجهزة السلطة بصواريخ الطائرات وقذائف الدبابات وتدمير البنية التحتية الفلسطينية!!
ولكن هل شارون ومن قبله مجرم الحرب ايهدوا باراك حالة استثنائية في الكيان الإسرائيلي الذي يعتبر الفلسطيني ديكاً أبيض؟
إن تاريخ الحركة الصهيونية منذ المؤتمر الأول لها في بازل بسويسرا عام 1897م الى عهد دولة المافيا التي يديرها شارون وبن اليعازر وموفاز يشير الى أن الاسرائيليين حكومة وشعبا وأجهزة متمسكون بسياسة الإرهاب الرسمي والتي تدعمها وترعاها الدولة العصابة بكل ما أوتيت من القوة، وإن هذا الإرهاب يرتدي طابع العنف المقدس الذي يبحث عن اضحية تجد تعبيرها في الديك الابيض الذي عليه ان يحمل جميع خطايا شعب الله المختار وليطهرهم منها، والديك هنا هو الشعب الفلسطيني أينما كان وأينما وُجد.
لقد كان الإرهاب الصهيوني ولا يزال أحد المكونات الرئيسية للسياسة الصهيونية، وأحد الدعائم التي استندت إليها الصهيونية في تحقيق اهدافها في فلسطين، وقد اقترن قيام الكيان الإسرائيلي كدولة بأبشع أشكال الارهاب الذي مارسته الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، وضد كل من حاول ويحاول ان يعرقل تحقيق اهدافها، وكان إرهابا مدروسا ومنظما مارسته المنظمات الصهيونية الإرهابية في البداية، ثم مارسه الكيان الصهيوني بعد اغتصابه فلسطين.
فالإرهاب والقتل لم يكونا وسيلة استخدمتها الصهيونية لإقامة دولتها فحسب، بل جزءا اساسيا من تكوين الفكر الصهيوني والتقاليد المتوارثة من هذا الفكر.
فالدولة العبرية والإرهاب متلازمان، ووجهان لحقيقة واحدة، والإرهاب بالنسبة الى إسرائيل أسلوب عمل إضافة إلى كونه من مقومات إيديولوجيتها، وإذا كان الإرهاب نزعة شاذة في السلوك البشري، فهو ليس كذلك في العرف الصهيوني الذي يعتبر الإرهاب ركيزة يستند إليها نظام الفرد والمجتمع الاسرائيلي، ومن هذا المبدأ ارتكزت المذابح الجماعية التي قامت بها الدولة العبرية في جميع مدن وقرى ومخيمات فلسطين على مدى اكثر من نصف قرن على اعتماد قانون (الحق المطلق) الذي يضع الصهيونية في جهة أعلى من بقية البشر، وعلى الإيمان بالحقد الأعمى على العرب، ونقض حقوقهم الطبيعية نقضا كاملا إلى درجة تصبح فيها جريمة إبادة الجنس العربي هدفا مطلوبا بحد ذاته.
هذا الإرهاب هو الذي وصف السفاح باروخ جولد شتاين بأنه (كان أطيب رجل، إنه لم يكن يستطيع ان يضر قطة)!! ولكن هذا الطيب استطاع قتل عشرات من الفلسطينيين وهم يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي الشريف متمثلا قصة الديك الأبيض!!
إن بصمات الإرهاب الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني لم ولن تمحوها الأيام فإسرائيل هي التي فرغت الأرض من أصحابها الأصليين بالقتل والطرد في العراء، وهي التي استخدمت كل اساليب القمع وما تفتقت عنه عبقرية جنرالاتها من وسائل وحشية لإخماد الصوت الفلسطيني من اغتيال القيادات الفلسطينية والكوادر العلمية العربية، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين واستخدام القنابل المحرمة دوليا، وإحراق شباب الانتفاضة من خلال وضعهم في إطارات مشتعلة ودفنهم أحياء، وتسميم مياه الشرب وقطع الماء والكهرباء عن أحياء كاملة لأشهر طويلة، وإغلاق المساجد ودور العبادة وإحاطتها بالاسلاك الشائكة ومنع الفلسطينيين من إقامة الصلاة فيها، وإجهاض النساء الحوامل، واقتحام المدارس وقاعات العلم وإغلاقها لسنوات عدة، وفرض منع التجول على مناطق واسعة من الأراضي المحتلة لمدة طويلة، وحرب التجويع والحصار ضد المدن والقرى والمخيمات التي وصلت إلى حد المجاعة، وقصف منازل المواطنين بالطائرات وبالصواريخ المضادة للدبابات وقذائف المدفعية، ونسف البيوت على رؤوس سكانها من المدنيين العزل في مثال واضح على المفهوم الإسرائيلي للسلام.
هذا الإرهاب الإسرائيلي المنظم هو الذي دفع بالمفكر والسياسي اليهودي إسرائيل شاحاك الى القول: (إنه لا يوجد شيء جديد في الحقيقة القائلة بأن إسرائيل دولة إرهابية، فمنذ قيامها استخدمت الموساد للقيام بأعمال عنف وإرهاب بما في ذلك الاغتيال الذي تعتبره ضروريا لتحقيق رغباتها، وإن جميع الحكومات الاسرائيلية قد مارست الإرهاب وأن جميع الاحزاب الإسرائيلية تؤيد هذه الممارسات).
ومنذ مؤتمر مدريد وما تبعه من اتفاقات فلسطينية إسرائيلية اتسعت اشكال الإرهاب الإسرائيلي وتطورت وأخذت مجرى أكثر انتظاما وبرمجة، وصنفت إسرائيل الفلسطينيين إلى طيب وسيئ، الأول يجاريها في مفاوضات مصيرها مجهول وقد تستمر لعشرات السنين عندها لا يتبقى شيء نفاوض عليه، والثاني تقتله دون هوادة!!
وكان (لسلام الشجعان) شروط أقسى مما كان الموقعون عليه يعتقدونه، فالصراع والتفاوض مع المحتل يحمل في طياته بذور صراع داخلي مع عدو يصر على مواصلة الإرهاب والقتل اليومي للفلسطينيين، في الوقت الذي يطلب فيه من الديك الأبيض المذبوح أن يدافع عن الإرهاب الإسرائيلي وان يصادر الحلم ويحاصر الأمل ويخنق نسمة الحرية ويستجدي المحتل في إعطائه أمتارا قليلة ليصنع منها وطنا حدوده ممتدة بين اليأس والفشل والإحباط!!
وفي انتفاضة الاقصى المباركة استعمل العدو الإسرائيلي كل ما يملك من أسلحة للقضاء على منجزات الشعب الفلسطيني في تطبيق فعلي وعملي على نظرتهم للفلسطينيين، والتي اعلنوها مرارا على ان الفلسطينيين (حشرات وصراصير مسمومة في زجاجة، وقردة وخنازير وأفاعي وتماسيح ونمل)، وظلوا على قناعة بأن هذا (الفلسطيني) لن يكون إلا في شكل الضحية المستسلمة لموتها يسهل الإجهاز عليه إذا ما حاول الدفاع عن نفسه، وفي أقصى الأحوال فإن كل ما قد يمتلكه من قوة يمكن تدميره بسهولة.
وقد أثبت الشعب الفلسطيني بصموده وتضحياته وشهدائه على مدار عام كامل حجم الوهم الإسرائيلي الذي تحول الى حماقة كبرى جعلت جنرالات الجيش الإسرائيلي يعترفون بأن انتفاضة الأقصى هي حرب جديدة يخوضها الفلسطينيون ضد المحتل، متفقين على عجز الآلة الحربية الصهيونية والوسائل العسكرية من الانتصار في هذا النوع من الحرب، بعد أن أدرك شهداء الانتفاضة وجرحاها أن موتهم لا يختلف بأثره أبداً عن موتهم في عملية (استشهادية) بل إنه أكثر قدرة على إلحاق الهزيمة بعدونا الأبدي والأزلي.
a_aduhashim@hotmail.com
كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
|
|
|
|
|