| شرفات
إن الجسم البشري السوي يتكيف بسرعة من التغيرات المناخية ولكن ليس كل انسان يستطيع التأقلم معها. ولهذا ربما كان الحديث عن تأثير التقلبات الجوية على صحة الإنسان، بالنسبة للشباب نوعا من الأوهام ولكن بالنسبة لمن هم أكبر عمرا، وخصوصا الذين يتأثرون بشكل واضح بالتقلبات الجوية هو نوع من التعبير عن حالتهم حيث يتمنى هؤلاء لو وجدوا علاجا يقيهم من آثار تلك التقلبات في الطقس.
لقد عرفت الانسانية منذ عصورها الأولى تأثر صحة الإنسان والحيوان وحالته المزاجية بحالة الطقس. وقد لاحظ الإنسان البدائي كل ظواهر الطبيعة من حوله وأدرك بغريزته الآثار السلبية للتقلبات المناخية فالعواصف المفاجئة المصحوبة بالبرق والرعد والأعاصير المدمرة والبراكين أو الزلازل كانت تنعكس على تصرفاته التي تتسم بالرعب والانزعاج وعلى قناعته بالقوى المدمرة لعناصر الطبيعة. ولهذا كان من أهم شواغل المفكرين القدماء، اليونان والرومان منهم بخاصة، هو تفسير الظواهر الطبيعية ومن بينها عوامل المناخ. وفي كثير من الأحيان كانت تفسيراتهم خاطئة حيث كانت تعزى تقلبات الطقس للأرواح الشريرة منها والطيبة، ولذلك تهافتوا على التقرب إليها بالقرابين والطقوس والصلوات أو غيرها.
أما في عصور تالية فقد كان اختراع أجهزة مثل البارومتر «تورشيلي 1643» والترمومتر الزئبقي «فهرنهايت 1715م» سببا في تأكيد العلاقة الأزلية بين تقلبات الطقس وحالة الإنسان المزاجية والصحية. ومنذ ذلك الحين نشأ علم يعرف ببيولوجيا المناخ «بيوميتيورولوجيا» وهو الذي يحدد العلاقة بين عوامل كثيرة متداخلة تؤثر على صحة الإنسان منها الجاذبية الأرضية وضوء الشمس والإشعاعات الكونية وجاذبية الشمس والقمر فضلا عن الضغط الجوي ودرجة الحرارة والرطوبة.
وعلم بيولوجيا المناخ يفرق بين نوعين مختلفين من الطقس، نوع ذي تأثير إيجابي على صحة الإنسان ذلك الذي يتميز بسماء صافية وشمس ساطعة وبضغط جوي مرتفع، أما النوع الآخر فهو على العكس يجلب آثارا سلبية على الصحة وهو الذي يكون فيه الضغط الجوي منخفضا. ويختلف نوعا الطقس فيما بينهما في التأثيرات التي يحدثها كل منهما والتي تظهر في عدد من الظواهر النفسية من ناحية والعضوية بالنسبة للأحشاء الداخلية المهمة من ناحية أخرى. ولقد لوحظ أن وجود ما يسمى «بالمؤثرات المناخية» يزيد من ظهور الأعراض المرضية حيث تتفاقم آثار الأزمات التنفسية تبعا لانقباض العضلات الملساء في جدر القنوات التنفسية. أما بالنسبة لمرض ارتفاع ضغط الدم فان ضغطهم يرتفع لمستويات أعلى. وأولئك الذين يعانون من قرح الجهاز الهضمي فقد تصل بهم الحال إلى قيء دموي.
وبالمثل فإن الآلام الروماتيزمية تتضاعف حدتها في المفاصل والعضلات خصوصا عند الرجال.
ويعتبر ارتفاع الحرارة والرطوبة في آن معا من أشد العوامل التي يصعب تحملها على مرض الغدة الدرقية والدورة الدموية وذوي الجهاز العصبي المهتز.
هذا من الناحية العضوية وفي المقابل نجد أنه على المستوى النفسي يتزايد الشعور بالإحباط والتوجس وسرعة التوتر العصبي، وترجع أسباب الظواهر النفسية إلى تعطيل زائد أو استحثاث زائد لخلايا القشرة المخية، وفي هذه الحالة يجب اللجوء إلى العلاج النفسي مع تطبيق نظام مناسب للتريض ومثل هذه الطريقة تؤتي ثمارها بشكل أفضل في المناطق الجبلية والخلوية.
وهذه الأعراض تنتج عن تذبذب درجة الحرارة والضغط الجوي الأمر الذي يتسبب فيه ما يسمى بالمنخفض الجوي والذي يتميز بالتقاء كتل هوائية مختلفة الحرارة بفارق كبير «كتل هوائية موسمية مع أخرى قادمة من أوروبا مثلا».
ويضاف إلى ذلك في المدن الكبيرة تأثير تلوث الهواء نتيجة للغبار وعوادم الاحتراق والدخان المحتوي على العناصر الثقيلة.
أما في الأيام التي يكون فيها الضغط الجوي مرتفعا فإن العمليات الحيوية في الجسم تتم بشكل طبيعي وينعكس هذا ايجابا على الحالة النفسية والعصبية للإنسان فيصير سعيدا معتدل المزاج. ولقد لوحظ ايضا ان هذه الحالة المناخية تساعد على التئام الجروح والتفكير المنطقي وسرعة ربط الأشياء ببعضها وزيادة النشاط الذهني.
وبالنسبة لعلاج حالات الطقس المرضية فإن التفكير يجب ان يتجه نحو التخفيف من حدة الأعراض المتمثلة في خلل الدورة الدموية والأزمات التنفسية والحساسية والآلام الروماتيزمية والاضطراب العصبي. في حالة آلام منطقة القلب لا بد من اللجوء إلى الطبيب المختص، أما بالنسبة للأعراض النفسية التي تم التنويه عنها فيمكن تعاطي بعض المهدئات العصبية التي تخفف من حدة التوتر وتساعد على التخلص من السهاد الذي يتسبب عن حالة التوتر.
على أن هذه الأدوية يجب ان تكون من النوع الذي لا يسبب الادمان عند استعماله بشكل متواتر. وفي هذه الحالة تفضل مستخلصات الأعشاب الطبية كبديل عن الأدوية الكيميائية المخلقة.
أما الصداع النصفي فمرضاه ينصحون بالتواجد في الهواء النقي والتجول في المناطق البعيدة عن العمران.
د. أحمد الشاهد
|
|
|
|
|