| عزيزتـي الجزيرة
من الواضح أن العالم اليوم يشهد في ظل سياسة «العولمة» انفتاحاً محموماً على جميع «القيم» و«المبادئ» و«الرؤى» الغربية، التي تسوقها وبقوة مكنة الإعلام الغربي، وذلك بحكم الخبرات والإمكانات الخرافية لهذه المكنة، إذ بالكاد تخلو محطة تلفزة، على سبيل المثال لا الحصر، أو صحيفة في أي ركن من أصقاع الأرض من فيلم «هوليودي» أو تقرير مصدره «البي بي سي» أو «السي إن إن» أو «الرويتر» والتي أضحت مصدراً للعالم برمته، يستقي منها جل أخباره كما لاحظنا مؤخرا في الأحداث التي عصفت بالولايات المتحدة. إن هذا الانتشار الواسع المذهل لهذه المكنة الإعلامية يجعلنا نحن العرب نعيد التفكير المرة تلو المرة في البحث عن السبيل الأجدى للتعامل مع مختلف معطيات هذه المكنة، ولا سيما أن اليهود قد أجادوا التعامل مع هذا الإعلام بطريقة «مهنية» «فائقة الذكاء والتنظيم»، حيث استطاعوا «دائماً» الاستفادة من مختلف الظروف والأحداث التي تعصف بالعالم و«تجييرها» لخدمة قضاياهم دون سواهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر خلال الساعات الأولى للأحداث التي عصفت بالولايات المتحدة الامريكية مؤخراً ظهر وبقوة الحضور الإعلامي لليهود في مختلف ادوات آلة الاعلام الغربي تلك:
فهذا «يهود باراك» مرة يطل علينا من خلال شاشة «البي بي سي» ثم بعدها بسويعات نرى «طلته البهية»! على شاشة «السي إن إن»....
وفي كل مرة يشغل العالم «بمن» وراء هذا العالم ولا يكف عن الزج بأسماء عربية واسلامية، يحدث هذا والعالم «كل العالم» لحظتها لا يزال مصدوماً بهول الفاجعة والتفكير في «الكيفية» الأفضل لانتشال واسعاف المصابين ولم يشرع أحد بعد في البحث عن «المن» هذه.
هذا عدا عن ذلك الحضور الاعلامي والمكثف للمفكرين وأساتذة الجامعات البريطانية والامريكية المنحدرين من اصول وأعراق يهودية وبعض الساسة الاسرائيليين الذي لم يدخروا جهدا خلال اللحظات الاولى للكارثة في استغلال طلاقتهم اللغوية الانجليزية تحديداً، لغة مكنة الاعلام الغربي الام، «يتحدث يهود باراك اللغة الانجليزية بلكنة يبدو انها «مفرنسة» اما نتنياهو فيتحدث بطلاقة افضل وبلكنة «اقل» في كسب ود الشعب الامريكي وتذكيره المستمر بأحداث «الهولوكوست» و«بغياب عقلانية» العرب، الذين رأينا تلك المكنة الإعلامية «المسيرة» تدير «الفوكس» عليهم في تلك اللحظات العصيبة لنجدهم يرقصون في الشوارع ابتهاجا بالحدث! ألا تلاحظون معي كيف استغل «الفكر» اليهودي المناسبة افضل استغلال.
لقد اشار احد الكتّاب الغربيين الذي نحسبه من اولئك الكتاب القلة الذين استطاعوا في أحيان كثيرة القفز فوق «اسلاك» الهيمنة الصهيونية على الاعلام الغربي وقاموا بنقل احداث منطقة الشرق الاوسط «بحيادية»، اقول لقد اشار هذا الكاتب حقيقة «استغفال واستغلال» الاسرائيليين لعقلية المتابع لمخرجات هذه الآلة الاعلامية في الغرب «والذي بالكاد تتعدى معلوماته حدود الضرائب وحالة الطقس في ولايته» عقودا من الزمن،
وذلك من خلال «التلاعب بالالفاظ والعبارات المتداولة باللغة الانجليزية» حين التعليق على مختلف الاحداث وخصوصا احداث الانتفاضة. حيث اشار الكاتب الاشهر «روبرت فسك» في صحيفة «الاندبندنت» البريطانية «يوم الاحد الثامن من اغسطس للعام الجاري» الى بعض «الالفاظ والعبارات «التي تصر اسرائيل على استخدامها دون سواها، وتمارس بذلك ضغوطا دبلوماسية جمة لثني هذا المحرر او ذاك عن التصريح بما تتطلبه منه مهنة الصحافة بشكها المهني المحايد السليم. حيث ذكر «فسك» ان «البي بي سي» مثلا قدرضخت مؤخرا لضغوطات اسرائيل الدبلوماسية واستبدلت لفظة assassination بلفظة targeted Killings . إن اصرارالآلة الاعلامية الاسرائيلية على قيام مكنة الإعلام الغربية باستعمال لفظة بعينها دون سواها يأتي في سياق حرص اسرائيل على تشكيل ذاكرة القارئ الغربي على «نمطية» معينة تخدم من خلالها قضيتها في سرقة الحق العربي،
وذلك إيمانا منها بالاهمية المتنامية للاعلام عموما في تشكيل وصياغة «الرؤى» و«القيم» و«المواقف»، حيث تشير العبارة السابقة التي تختارها اسرائيل لوصف عمليات قتلها للغرب الى معاني «الاستهداف» اي ان السلطات الاسرائيلية تستهدف هذا الفلسطيني بعينه دون سواه وهي بذلك تريد أن تؤكد شرعية عملها المجرم على اعتبار ان «المستهدف» استهدف بالقتل بسبب قيامه بخرق للقانون يستحق معه المجازاة!
اما محاذير الكلمة الاخرى بالنسبة لاسرائيل التي تصر على عدم استعمالها في سياق وصف اعمالها الوحشية ضد الفلسطينيين فلأنها تعني في القاموس اللغوي الاعلامي الغربي «قتل شخصية دينية او سياسية رفيعة المستوى»
ومن الواضح ان في التخلص من هذه الشخصية تضمين لمعاني «غيابية روح التسامح وتعددية الرؤى و«انحسارية في مساحة وجهة نظر الآخر» على خارطة سياسة الدولة المعنية ..
وهي أمور تؤكد اسرائيل وباستمرار على نفيها وتصر على إلصاقها «بالآخر» فقط.
إن الضغوطات التي يمارسها رؤساء التحرير في الوسائل على الصحفيين والمراسلين وذلك كاستجابة للضغوطات التي تمارسها بعض المنظومات اليهودية المتنفذة تجعل وسائلهم في كثير من الاحيان تقع في منطقة ما دون الحد المتفق عليه لمعايير الصحافة بشكلها المهني الصحيح، يظهر هذا جليا حين تقوم آلات هذا الإعلام بنقل احداث معينة بصورة غير منطقية وغير واقعية.
فنحن نقرأ في تلك الوسائل او نسمع بأن فلسطينيين قاموا «بقتل» اسرائيليين... فحسب؛ في حين نقرأ وفي السياق عينه ان فلسطينيين قتلوا اثناء «مصادمات» clashes مع الفلسطينين!
ومحاذير استخدام هذه اللفظة اعني «مصادمات» هي ان فيها تضمينا لمعاني «الحيادية» و«التكافؤ» في القوة بين الاطراف المعنية، فكلاهما يقارع الآخر بطيارات الإف 16 وبدبابات الاباتشي!
ومن الواضح ان الواقع يتحدث بشيء آخر مغاير لا يخفى على أحد: تلك الدبابات والصواريخ والطائرات يقابلها حجارة بأيدي صبية جلهم طر الشوارب!
وهكذا تستمر العقلية اليهودية المنتفدة في استغلال وسائل الاعلام الغربي لتظهر اسرائيل في خضم كل حدث حتى وإن كان في اقصى الأرض على اعتبار انها الحمل الوديع المعتدى ابدا عليه من قبل جيرانه العرب ولتحولها من مجرم معتد الى مسكين معتدى عليه! انظر مثلا الى اصرارها حين امتدت يد جنودها الآثمة لقتل محمد الدرة على استخدام لفظة crossfire «تبادل لاطلاق النار» لوصف ظروف مقتله، وكأنها بذلك تجعل نفسها في حل من جريمة ازهاق روحه على اعتبار ان ما حصل كان بسبب تبادل الطرف الاسرائيلي اطلاق النار مع.. ربما جسد محمد الدرة!!
والحقيقة الماثلة للعيان الآن هي ان ذلك الكم الهائل من «الالفاظ» و«التراكيب اللغوية» التي تتلاعب مكنة الاعلام الخاضعة للنفوذ الصهيوني بها بشكل يومي لا يمكن حصرها في هذه العجالة؛ إلا انني ألفت الانظار الى بعضها بشكل سريع، إذ كثيرا ما نسمع ذلك الاعلام يطلق على اراض فلسطينية عربية بحتة عبارة: disputed land أي اراض محل نزاع.. هكذا!!
وكأنها بدون مالك محدد. كذلك يعمد الى تسمية المستوطنات المقامة على الاراضي العربية باسماء منها neighborhood أي اراضي «جوار». وكأنها توحي للقارئ بأن «اللص» قد اضحى «جاراً»!!
إن سياسة التضليل التي يتبعها صنّاع القرار في هذا الاعلام الخاضع للمؤسسات الصهيونية العالمية الجيدة التنظيم يعلمون جيداً انها لن تدوم للابد.
فهذا البرفيسور الامريكي اليهودي الاصل «نورمان جي فنكلستاين» يؤلف كتابا بعنوان THE HOLOCAUST INDUSTRY أي «صناعة الإبادة الجماعية لليهود» ومن الواضح ان العنوان يلخص مرمى الكاتب الذي يرى ان ما يسمى بالهولوكوست، على اعتبار صحته تاريخيا، قد تحول الى صناعة تستخدمها الدوائر المتنفذة في اسرائيل لابتزاز الحكومات وشعوب وبنوك الدول الغربية وذلك خدمة لمصالحها.
اضف الى ذلك بروز اصوات عديدة حول العالم لا يقرون ما يفعله اولئك الشرذمة المستوطنة فلسطين، نشاهدهم وقد رفعوا لافتات «على استحياء» في كثير من دول الغرب خصوصا فرنسا قريبا رأينا لافتاتهم في جنوب افريقيا اثناء مؤتمر الفصل العنصري في العالم.
كلهم لا يقرون ما ذهب اليه الصهاينة في فلسطين.
خلاصة القول .. أن العرب مطالبون دائماً باعادة النظر في علاقتهم«اللغوية» مع وسائط الاعلام عموما والاعلام الغربي خصوصاً، من حيث البحث الجاد عن «المفردة» المناسبة حين مخاطبة قارئ تلك الآلة الاعلامية؛
ولا سيما أنه قد ثبت تنفذ هذا الاعلام وقدرته الخرافية على صناعة القرارات في مختلف المؤسسات الفاعلة في الغرب والعالم عموماً والتي ظل تحول العالم الى قرية تنعكس علينا نحن العرب والمسلمين إن آجلاً أو عاجلاً.
فهد مشاري الرومي
ماجستير في تدريس اللغة الإنجليزية
الولايات المتحدة
كلية الملك فيصل الجوية عضو هيئة التدريس
|
|
|
|
|