| عزيزتـي الجزيرة
شاب يبلغ من العمر 19 عاما، يدرس في المرحلة الثانوية وكان من المتفوقين في دراسته وعلى درجة كبيرة من الذكاء، ملتزم في صلواته.. وعلاقته بوالديه طيبة جدا، ولكنه لم يكن اجتماعيا، فعلاقاته بأصدقائه محدودة وخروجه من البيت قليل، معظم اهتمامه بالدراسة فقط.
وفجأة تدهور المستوى الدراسي له وأصبح لا يأبه لأي شيء، لا ينتظم في المدرسة، ولا يدخل الاختبارات، لم يعد ينام الليل ويظل سهران في غرفته وحيدا لا يتكلم ولا يستجيب لنداءات والديه.
توقف عن الذهاب للمسجد ولم يعد يطلب الأكل، وعندما يدخل عليه أبوه الغرفة يجده واقفا لساعات طويلة أمام الحائط ينظر إلى فراغ وأحيانا يتكلم، وكأن هناك شخصا آخرمعه، يرى أشياء لايراها غيره.
استمر الشاب على هذا الحال شهرين وتصور والداه أنها كانت عيناً ولكن أصابهم الرعب عندما أظهر ابنهما عدوانية شديدة تجاه والدته وأنه كاد أن يضربها بعد أن اتهمها بأنها تتجسس عليه وتقرأ أفكاره.
وعند هذه اللحظة جاء والد الشاب إلى الطبيب النفسي يشرح له الوضع، ويؤكد أن ابنه يرفض أن يأتي للطبيب متهما والديه بأنهما هما اللذان بحاجة للعرض على طبيب نفساني وليس هو، كانت حيرة والده شديدة وطفق يضرب كفا بكف، متسائلا: كيف ولماذا وصل ولده إلى هذه الحالة، ثم ما العمل؟
وهل سيعود ابنه إلى حالته الطبيعية أم لا؟ وقد ذكر أبوه عند سؤاله أنه يوجد فعلا لابنه خال أصيب بالحالة نفسها التي يعاني منها ابنه وأنه تحت العلاج.
ü التعليق: حالة هذا الشاب مثال واضح لمرضى الفصام، وقد بدأ المرض في سن مبكرة نحو 18 عاما، تكون فيها صفات الشخص انطوائية ولايحب العلاقات الاجتماعية، مستوى الذكاء ليس له علاقة بالمرض.
ففي حالة هذا الشاب نجد أن ذكاءه مرتفع ومع هذا أصيب بالمرض.
التغير الفجائي في صفات وتصرفات الشخص دليل قوي على وجود حالة نفسية تستدعي العلاج، والمهم هنا هو استمرارية هذا التغير لمدة طويلة شهرين في حالة هذا الشاب.
الساعات الطويلة التي يقف فيها الشاب بدون حراك هي جزء من المرض وتسمى «كاتاتونيا» وكذلك الهلاوس السمعية والبصرية وهي تظهر في كلامه مع أشخاص غير موجودين ورؤيته أناسا وهميين أيضا لديه ضلالات أن أحداً يتجسس عليه وكاد أن يتعدى على أمه بسبب تصوره أنها تريد أن تؤذيه.
ولحسن الحظ أن علاج هذه الحالات ممكن ويعطي نتائج جيدة جدا مع العلاج الدوائي. مضادات الفصام هي أدوية تعيد مادة الدوبامين إلى وضعها الطبيعي في المخ، بعد أن تسبب زيادة إفرازها في ظهور الأعراض المختلفة للمرض.
ويبدأ المريض في التحسن خلال أيام من البدء في العلاج، وفي هذه الحالة فقد حصل الشاب على علاج بالحقن إلى أن استقرت حالته ثم أصبح يحصل على الدواء عن طريق الفم.
ü لماذا حدث ما حدث؟
من الناحية العلمية، فإن هناك عوامل وراثية مؤكدة لانتقال المرض، وكما ذكرنا سابقا فإن خال الشاب كان مصابا بالمرض نفسه، ويبدأ ظهور المرض عادة في سن مبكرة، نحو 18 سنة.
ü هل سيحتاج العلاج لمدة طويلة؟
نعم، ربما لسنوات، وفي أغلب الأحوال يكون العلاج مدى الحياة ومثله في ذلك مثل علاج مرض السكري إذا توقف العلاج عاد المرض سريعا.
ولكن حالة الشاب عادت طبيعية تماما بعد نحو شهر من بداية العلاج ولم يظهر عليه إلا القليل من الآثار الجانبية للأدوية مثل زيادة الوزن، وأحيانا الخمول.
وعادت الابتسامة إلى وجه الوالد عندما عاد ابنه إلى المدرسة بعد انقطاع طويل وعادت درجاته في الارتفاع، وأصبح يواظب على صلاة الجماعة في المسجد مرة أخرى..
اعتذر الابن لأمه عما بدر منه، وسامحته لأنه لم يكن في وعيه عندما أغضبها ولم يكن مسؤولا في تصرفاته.
الجدير بالذكر، أن الأدوية الحديثة لعلاج مرض الفصام قد أحدثت طفرة كبيرة في التخلص من الآثار الجانبية للأدوية التقليدية، فبينما كانت الفكرة السائدة أن مريض الفصام يشبه الإنسان الآلي «الروبوت» من جراء الأعراض الجانبية، إلا أن الأدوية الحديثة أعطت فاعلية الأدوية نفسها التقليدية مع وجود آثار جانبية قليلة.
ومن أمثلة هذه الأدوية: ريسبيردون، وأولانزابنين، وجميع هذه الأدوية لها فاعلية تساوي فاعلية الأدوية التقليدية، ولكنها تسمح لمريض الفصام بالحياة بطريقة طبيعية والزواج والعمل والدراسة بدون مشاكل تذكر.
وهذا هو هدف الأدوية الحديثة: إعادة مريض الفصام إلى الحياة بطريقة طبيعية.
د. أحمد جاد
أخصائي الطب النفسي
مستشفى الملك فيصل التخصصي
|
|
|
|
|