| عزيزتـي الجزيرة
حين يسافر الشخص يبقى لك أمل في لقائه أما حين يموت فلا أمل إلى لقائه في هذه الحياة وحينما يكون الموت فجأة ولمن هو في مرحلة الشباب يكون وقع المصيبة شديداً ومؤلماً على من فارقهم.
لم يخطر ببالي أنني سأكتب عن وفاته يوماً من أيام الدهر فما أصعب التفكير في فراق حبيب فضلاً عن الكتابة عن فراق لا أمل في اللقاء بعده في هذه الدار الفانية، ولقد ترددت كثيراً في الكتابة حيث لم استطع استجماع قواي بعد سماع خبر وفاته التي كانت فجأة وقد كان كفي يرتعش وقلبي يتسارع نبضه اضطراباً وتفاعلاً مع فقده إلا أن القلم أبى وسال مداده ركيكاً حزيناً كما سال دمع العين قبله ليكتب هذه الأسطر ذكرا لبعض محاسنه، فقد مات ، ووفاءً له وتعزية لي ولكل من فجع بفقده وتعبيرا عن شيء مما يتلجلج في الصدر نحوه.
عرفته منذ عشرين عاما قد جمع خصالا قلَّ أن تجتمع في إنسان هذا الزمان فقد كان شابا صالحا مصلحا، طاهر القلب، عفيف اللسان، حسن الخلق، نقي السريرة، والله ولي السرائر، طيب المعشر، طلق المحيا، بشوش الوجه، محبا للخير داعيا إليه، مبغضا للشر محذرا منه، من عرفه أحبه، ومن ذكره ذكره بخير، ومن تعامل معه علم أنه يتعامل مع شخص طيب صادق واضح لا غموض فيه، قوي الشخصية، ذكيا، طموحا، أهلا لتحمل المسؤولية أمينا في أدائها كما خبره من زامله في عمله، جميل الصوت ولطالما شنف آذاننا رحمه الله بصوته الشجي مؤذنا في جامع السكن الجامعي أسأل الله تعالى أن يرفع ذكره في الملأ الأعلى كما رفع صوته بالحق مناديا بالصلاة، أحسبه والله حسيبه شابا نشأ في طاعة الله وأسأل الله تعالى أن يحقق له وعد نبيه صلى الله عليه وسلم ويكرمه بأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله نسأل الله تعالى من فضله.
ذلكم هو أخي الحبيب وزميلي الغالي وصديقي الوفي الدكتور الفاضل أبو صالح عبدالرحمن بن صالح الحسن الذي انتقل إلى جوار ربه مساء يوم الأحد السادس من شهر رجب من عام اثنين وعشرين واربعمائة وألف للهجرة اثر حادث سيارة وهو في مهمة عمل.
فارقنا أبو صالح وفارق والديه وزوجته وأطفاله وفارق الدنيا بأسرها دون وداع أو استعداد لفراقه ولكنه الموت، ذلكم السهم الموجه إلى جبين كل حي، يأتي بغتة ودون إذن وياله من مرعب. عزائي لكل من عرفه وأحبه بان يعظم الله لنا وله الأجر ويرزقنا الصبر والاحتساب ف«إنما الصبر عند الصدمة الأولى» وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أخانا عبدالرحمن لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون».
اللهم اغفر لأبي صالح وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين اللهم افسح له في قبره ونوِّر له فيه. اللهم امطر عليه شآبيب رحمتك ورضوانك واجعل مآله إلى بحبوحة جنانك. اللهم كن لأمه وزوجته وأطفاله واجبر مصابنا ومصابهم في فقده والطف بهم وأجرهم في مصيبتهم واخلف لهم خيرا منها. اللهم اصلح أبناءه من بعده واحفظهم واجعلهم خير خلف لأبيهم وقرَّ بهم عيني والدتهم. اللهم اجمعنا بأبي صالح في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء الصالحين ووالدينا والمسلمين آمين والحمد لله على قضائه وقدره وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثلاثة حروف (موت، مات، ميت، قبر)
كلمات مكونة من ثلاثة حروف سهلة النطق لكنها تهز القلوب الحية وتقض المضاجع.
موت: كلمة تخبرك عن ضيف سيحل بك رغم أنفك ودون تحديد موعد الزيارة فهو صاحب الشأن بهذا الخصوص قد قصم ظهور الجبابرة وأوسدهم التراب.
مات: كلمة تخبرك عن إنسان فارقك إلى غير رجعة أو لقاء في هذه الدار وأصبح من أخبار الماضي ولم يُبق لك إلا الذكريات وإن كان فارقك منذ لحظات.
ميت: كلمة تخبرك عن أجلك ونهايتك في هذه الحياة الدنيا فهل أنت مستعد لذلك؟
قبر: كلمة تخبرك عن بيتك الذي ستسكنه بعد فراق الدنيا فهل جملته بالطاعة وأثثته بالأعمال الصالحة؟
نشر: موعد الإذن بخروجك من قبرك أشعث أغبر.
حشر: يوم اجتماع بالأولين والآخرين لفصل القضاء لترى مصيرك إما إلى جنة وإما إلى نار.
جنة: منزلك الأبدي إن كنت من أهل الطاعة لتفوز بدار السعادة والنعيم.
نار: منزلك إن كنت من أهل الشقاوة والبؤس إلى ماشاء الله.
سليمان بن إبراهيم الميمان - الخرج
|
|
|
|
|