أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 4th October,2001 العدد:10598الطبعةالاولـي الخميس 17 ,رجب 1422

عزيزتـي الجزيرة

صورة الوطن في قصيدة «راية التوحيد» للدكتور «عبدالرحمن العشماوي»
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الموقر
الوطن.. ما أعظم الوطن.. ما أجمل الوطن.. وما أعزَّ الوطن.. وهل تستقر النفس أو تعطي دون وطنٍ يُسكّنُ حيرتها ويحتضنها، أم هل يستطيع الإنسان أن يحيا دون أرض ينتمي إليها فتكون مرجعه الدائم أنَّى ذهب، وأنَّى طال به الترحال.
إذن.. ما أجلَّ الوطن في نفوس أبنائهِ.. فكيف إن كان هذا وطناً كموطننا حماه الله لا شك أنَّ الانتماء والتعلق الوجداني سيكونان أكبر، وأعمق.. فترى المتحدث عنه كأنما يرسم لنا لوحة مخضرَّةً أصيلة الفن والخطوط، أصيلة المعنى، ويعرضها دونما إطار.
ومن هنا استدعت النفسُ المحبَّة قلمي ليبحث عن صور الوطن وما أكثرها في نفوس بعض أبنائه، فكانت لي هذه القراءة المتأنية في قصيدة «راية التوحيد» للدكتور عبدالرحمن العشماوي حفظه الله وهو الغني عن التعريف أحدُ أبناء هذا الوطن الذين حملوا راية الدعوة والإصلاح والجهاد بالقلم الصادق الأصيل ولا أزكي على الله أحداً ، يقول العشماوي في مطلع قصيدته مخاطباً الحبيبة الراحلة:


إن كنتِ راعية الودادِ فعودي
ممزوجةً بدمي وحبل وريدي
عودي إليَّ كزهرةٍ ريفيَّة
تُسقى بأصفى منبعٍ مورود
كالظبي يرمقني بأجمل مقلةٍ
ويُديرُ حين أراه أحسن جيدِ
لا تغلقي الأبواب نحو مشاعري
وتكحلي عينيَّ بالتسهيدِ
هذي يدي جادت بما في وسعها
ولأنتِ صاحبةُ العطاء فجودي
شتان بين يدٍ تقدم زهرةً
ويدٍ تقدم شحنة البارودِ
أنا ها هنا في قلب نجدٍ لم تعد
تجتاز خارطة الوفاء حدودي
بيني وبينك من عبير خزامها
لغةٌ تترجمها رمال «نفود»

أدعوك، عودي.. من هنا من موطن قلبي حين استقرت نفسي.. أدعوكِ، فعودي هل ينشأ الحبُ في قلبِ امرئ دون أن يستقر هو وينشأ في وطن؟!
يقول: عودي يا من أرى في إقبالها ونفورها شأن الظباء، عودي فلن تجدي في القلب إلا حبا عميقا ووفاء سُقيتُهُ من هنا من أرضي، فاسمعي لعبير خزامها حين أنشدت لحن حبي.. وشهدت بصدقي بيداء النفود.
فكأن سؤالها يقول: وما نجد.. وما حكايتها، وأرضك؟! تحدث إليَّ أيها الشاعر واسلك لي من نظام شعرك عنها عقداً لؤلؤياً، ثم أصدق، لعلي أعود، ومن هنا يبدأ الشاعر الحكاية في راية التوحيد، يقول:


وأكاد أحلف أنَّ كلَّ ثنيَّةٍ
فيها تصافحني بكفِّ مُشيد
وأظلُّ أنشدها قصائد لهفتي
فيثير لهفتها سماع نشيدي
من أين تبتدئ الحكاية، ربما
منذ انطلاقة صرخة المولودِ
أو منذُ أن أبصرت نخل إبائها
يُلقي بطلعِ من جناهُ نضيدِ
أو منذُ أن عانقتُ زهو نخيلها
وقرأتُ فيه عبارة التأييدِ
أو منذُ جادت غمائم حُسنها
بالغيث فابتسمت شفاهُ البيدِ

لبلادي معي حكاية.. ولبلادي كذلك حكاية عشتُها يوماً بيوم، عشتُها منذ ولادتي أو ربما منذ أن أبصرت كل ركن فيها وسمعتُ كل شيء فيها يحدث عن عراقتها.. وربما ابتدأت الحكاية بغير ذلك..


من أين تبتدئ الحكايةُ ربَّما
كانت بدايتها بداية عسيدِ
ولربما سرد الرواة فصولها
ما بين مبتدئ وبين مُعيد
وأنا أتابع ما رووه وفي يدي
قلمٌ يحرك ريشة التأكيدِ
من أين تبتدئ الحكاية، ربما
كانت بدايتها ثبات شهيدِ
ولربما بدأت بدمعة خاشعٍ
جادت بها عيناه وقت سجود
ولربما بدأت بصوتِ مؤذنٍ
غسل المسامعَ من غناء بليد
ولربما بدأت بوثبة فارسٍ
في سيفهِ رهقٌ لكل حقودِ

إذن .. لهذه الأرض قصة شريفة في أصلها، ثابتة قواعدها على دين وقيم صحيحة، وعدالةٍ وجهاد..وبعدُ؛ ينخرط الشاعر في سرد فصول قصته، فهي ليست بالعادية، ولا كل يوم نجد لها مثلاً، هي قصة بدأت منذ أزمانٍ وأزمان.. لكنها ليست قديمة، وليست أرض حضارة جديدة المنشأ.. بل هي أرض لها تاريخ عتيد وجذور ثابتةٌ في الأرض، ولها فرع بل فروع سامقة في السماء ومعذقة، وهذا ما أراد العشماوي وفقه الله تسجيله في أبياته، كما نلاحظ إشارة الشاعر الى بعدين لا ينفكان عن بعضهما من خلال وصفه وتصويره لموطنه.. وهما البعد الديني المتأصل في هذه الأرض، وكذلك البعد التاريخي، وسيأتي تفصيلهما إن شاء الله يقول:


هي قصة سُردت على سمع المدى
فوعى معانيها بذهن عميدِ
وروى حكايتها كأحسن ما روى
راوٍ أمين النقل غير كنودِ

ثم يعيد نفس التساؤل السابق:


من أين تبتدئ الحكاية في يدي
قلم يحدثني حديث سعيدِ
ويجيد رسم مشاعري وأنا الذي
أهدي تحياتي لكلِّ مُجيدِ

فيا أيها القلم الأصيل الفصيح، ومن أين لك هذه الأصالة إلاَّ من فيض هذه الأرض جُدْ علينا بسيلك، وخُطَّ من إبداعك، وشنف الأسماع:


ماذا تسطِّرُ أيُّها القلم الذي
أوقفتهُ زمناً وراء سدودي
فأجابني وهو الفصيحُ إذا جرى
فوق السطور يخطُّ كلَّ جديدِ
أنا لا أسطر غير أعجب قصة
نُقشت على بوابة التمجيدِ
نفضت غبار الوهم وافتتحت لنا
درباً الى باب الهدى الموصودِ
فتحت لنور الحق نافذةً إلى
أعماقنا وبنت قلاع صمودِ

ويعيد التساؤل أخرى ليفتح بذلك باباً لمعانٍ جديدة وبداية متجددة، يقول:


من أين تبتدئ الحكاية من هنا
من مكةٍ من بيتها المقصودِ
منذ استدارت شمس ملّتنا فلم
تسمح لجفن إبائنا برقودِ
منذ استقرت نفس أفضل مرسلٍ
بيقينها وسما عن التقليدِ
ألفٌ ونصفُ الألفِ منذ تحركت
عزماتُنا من بعد طول ركودِ
منذ استراحت مكة ورحابُها
من جور طاغوتٍ وظلم عنيدِ
نزل الكتاب فلا تسل من بعدهِ
عن نصِّ إنجيلٍ ولا تلمودِ

قصة بلادنا كما بدأها شاعرنا العشماوي بدأت من مكة، من مركز الهداية، ومهبط الوحي، ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، من المركز الذي انبعثت منه أنوار التوحيد والتقوى لكل أصقاع الأرض، حكايتها.. هي القديمة الجديدة لها من السنوات ألف ونصف لكنها لا تزال تتوقد كأنما بدأت لتوها.
ومن خلال هذه الأبيات يتجلى لنا إصرار العشماوي على ربط نشأة هذه البلاد حفظها الله بالدين الحنيف وسيرهما معاً.


ألف ونصف الألفِ منذ تسامقت
أشجارنا وبدا اخضرار العودِ
وتحدثت بطحاء مكة بالذي
أخفتهُ من شغفٍ ومن تمجيدِ
وروت لنا قصص الثبات على الهدى
ممن يتوق إلى جنان خلودِ

إنَّ ارتباط هذه الأرض حماها الله بالدين القويم وتأصله فيها، قد أخرج منها شعوباً ورجالا أصيلي التعلُّق بهذه الأرض، وأصيلي الديانة، ومن هنا ينشأ الجهاد في أنفسهم وتنشأ العزة والعزمات، والثبات على الحق والسعي إليه.
ثم بدأ الشاعر يضرب بعض الأمثلة من رجالات وأقوام هذه الأرض الكريمة، مبتدأً بهابيل.. يقول:


وتحدثت عن ياسر وسمية
وعن التحرك بعد طول جمودِ
لله يا بطحاء مكة ما جرى
فتجملي بثباتكِ المعهودِ
للمؤمنين مع البلاء حكايةٌُ
أزلية مهمورة بصمودِ
عزمٌ وتضحيةٌ كهابيل الذي
رسم المدى وكقصة الأخدودِ
وكصبر إبراهيم لم يجزع لما
جلبت عليهِ شراسة النمرودِ
وكتضحيات الهاربين بدينهم
في الهجرتين برغم كل جحودِ
قصصٌ من الهمم العظام روت لنا
بدر حديث لوائها المعقودِ
وتحدث النّصر المبين بما جرى
لكتائِبِ الإسلام من توطيدِ
لو كان لابن الحنظلية رجعةٌ
لرأى انتعاش الروض بعد همودِ
ولظل يسمع كلَّ يومٍ صيحة
من فارسٍ متمرسٍ صنديدِ:
يا صخرة الألم العظيمة إننا
بالصبر واجهنا الصعاب فميدي
من باع بالدنيا هداه فإنَّهُ
ثمنٌ ورب الكون جدُّ زهيدِ

ياله من تسلسلٍ في السرد بديع، يختمه بحكمة لطيفة، لتؤكد أنَّ الذي خاطبنا ما هو إلا رجل من رجالات هذه الأرض، نشأ أصيلا صادقا متطبعا بطباعها وقيمها، وللمعلومية فابن الحنظلية المذكور في الأبيات السابقة هو «أبو جهل».
هذه بداية الحكاية، وما زالت هناك فصول ستروى ما دامت هذه الأرض قائمة بإذن الله، ولنا أن نقول: أيُّ شرفٍ لهذهِ الأرض التي رسم خُطاها نبي ومجاهد وشهيد، أيُّ أرضٍ هذه التي استحقت هذه المنزلة، ونالت هذا الشرف العظيم من الله سبحانه وتعالى فأصبحت خير ديار الدنيا، دينا وأصالة، وتاريخا ورجالا.
هنا أعرني أيها القارئ الكريم انتباها، وتأمل معي كيف بدت لنا صورة هذا الوطن حين جادت بهذه اللوحة ريشة الشاعر سدده الله :


ألفٌ ونصفُ الألفِ كانت لوحة
رسمت بسيف مجاهدٍ وشهيدِ
وغدتْ بها الصحراء أنضر واحة
تحمي جناح الطائر الغريدِ
وتحصّنت بالدين حتى أصبحت
مأوى لكل مروَّعٍ وشريد
من قال انَّ الرمل من جنس الحصى
فيها، فرأي واضحُ التفنيدِ
ما رملها إلا من التبر الذي
تهمي عليه سحائبُ التحميدِ
مرّت به قدم الرسول فحوَّلت
معناهُ حتى ضاق بالتحديدِ

وكيف لا تكون بلادنا كذلك وهي الأرض التي بارك الله فيها بنص قوله سبحانه وتعالى وتظللها بركة دعوة نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام حين قال «رب اجعل هذا بلداً آمنا وارزق أهله من الثمرات».
فأين من يتشدقون، وبالكذبِ ألسنتهم يلوون، وعلى هذهِ البلاد يتقولون، أين هم من هذه الحقائق وهذا الوهج الرَّباني الذي كسا هذه الأرض، وليسمعوا أخرى لقول شاعرنا د. عبدالرحمن العشماوي الذي امتزجت دماؤه بحب هذه الأرض وأبت نفسه إلا أن تنطق بالحق، يقول:


قُل لي إذن أنَّ الجزيرة دوحة
من تحتها تجري منابع جودِ
وتفيضُ منها للأنام هداية
تهدي الصفاء لقلب كلِّ مُريدِ
هي مركزُ الدنيا ومصدر ضوئها
وهي العمود لجسرها الممدودِ
رُفعتْ مكانتُها بمهبط وحيها
وبما حَوَتْ من طارفٍ وتليدِ
حملت منار العلم لم تبخل بهِ
بل قدمتهُ لسيدٍ ومسودِ
وترعرعت فيها عناقيد الهدى
ما أروع الإثمار في العنقودِ

هنا.. هل انتهت الحكاية.. هل أسدل الستار على آخر فصولها، وانقضت، لا، بل لا تزال مستمرة، وسيظلُّ هناك فصل جديد وعهد جديد مرتبط بالماضي وتصافح يمناه المستقبل..


ها نحن نقرأ في سجل حياتها
ما سطرته عزيمة بن سعودِ
لما امتطى ظهر الجواد وكفهُ
مرفوعةٌ للخالق المعبودِ
وجد الطريق أمامهُ مفتوحة
ومشت إليه كتائبُ التأييدِ
ومضى يلوثُ عمامة عربية
رُبطت على حزمٍ ورأي سديدِ
من أين أقبل؟ من قواعد همة
عُظمى ومن إصراره المعهودِ
ماذا يريد؟ لدى الرياض حكاية
تروى معطرة بأطيب عودِ

إنها قصة المؤسس «الملك عبدالعزيز آل سعود» رحمه الله، ملك نشأ كما نشأ الأبطال من قبله، إيمان وعزيمة وصبر وجهاد، هكذا كان، وكانت يعينه تحمل سيف حقٍ يحركهُ رأي سديد، وقلب مؤمن يحمل كتاب الله، وفي اليد الأخرى يحمل راية التوحيد لهذه البلاد التي طال بها التفرق..


مئة من السنوات يزحم بعضها
بعضاً وترفعُ راية التوحيدِ
ويسطِّرُ التاريخ عنها قصةً
مدعومةً بأدلةٍ وشهودِ
مئة تسافرُ في البناء شهورها
ولها من العزمات خير وقودِ

مئة عام مضت، والأرض باقية على أصالتها، مئة مضت لكنها لم تكن لعباً ولهوا بل أقامت بالبناء أيدٍ لا تعرف الملل والرقود..


مئة تعهدها السحابُ فقربت
أغصانها الخضراء كل بعيدِ
قالت لنا بلسانِ حالٍ صادقٍ
إني رعيتُ مبادئي وعهودي
أنا واحة خضراء روَّاها الهُدى
وبه بلغتُ جلالة المقصودِ
لما حباني الصقر غاية جوده
أقسمتُ أن أعطيه غاية جودي

وهل يصدر الوفاء إلا عن أهل الوفاء؟!، وهل تعطي الأرض خيرها وتجود إلا انْ رأت عين ترابها كف مجتهد قد تشققت، وجبينا يلجمها عرق الجهد والإخلاص، ويحسُّ قلبها بقلبهِ المعلق بها..


مئة رمالُ البيد تشهد أنَّها
مئةٌ من التأسيسِ والتشييدِ
مئة من الواحات فوق غصونها
يمتدُّ تاريخٌ من التغريدِ
من يعرف الصحراء يعرف أنّها
دربُ الهلاك لخائفٍ رعديد
لكنها درب النجاة لمن أبوا
إلا صعوداً لاصقاً بصعودِ
ألقى لها عبدالعزيز رداءه
وبنى بعون الله صرح أسودِ
لغةٌ موحدةٌ ومملكةٌ جرتْ
فيها سواقي الخير منذ جدودِ
وبخدمة الحرمين نال ولاتُها
شرفاً، وأسمى منزلٍ محمودِ
حبلٌ من التقوى يجمِّعُ شملها
أكرم بها وبحبلها المشدودِ

وستظلُّ هذه البلاد بإذن الله خير بلاد الأرض مادامت معتصمةً بحبل الله، وما دام ولاتها سددهم الله يحكمون بشرع الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
وأخلصُ من هذه القراءة السريعة لقصيدة «راية التوحيد» للدكتور عبدالرحمن العشماوي الى أمور:
أولاً: العمق الديني الواضح في جميع أبيات القصيدة تقريبا وهو ما أراد الشاعر به إثبات أنَّ هذه البلاد ومهما طالت الأزمان ستبقى مركز التوحيد، ومشرق نور الهداية بتوفيق الله سبحانه وتعالى ثم بتسخيرهِ للدعاة من رجالها، وترى هذا في عدد من الأبيات أمثال:
. ولربما بدأت بدمعةِ خاشعٍ وقوله: ولربما بدأت بصوتِ مؤذنٍ، ووضح لنا أيضا حين ابتدأ حكايته عن هذه الأرض بمكة، مهبط الوحي، وأول بيت وضع للناس، وفي غيرها من أبيات القصيدة.
ثانياً: العمق التاريخي العريق للجزيرة العربية وأهلها، فلا يستطيع أيا كان فصلها عنه، ومهما حاول، لأن هذه الأرض أرضُ بطولاتٍ، وجهادٍ وإيمان، نجد هذا في إيراد الشاعر لبعض القصص التاريخية وإشارته إليها ابتداء من قصة هابيل، وقصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، وأشار كذلك الى قصة أصحاب الاخدود، ثم مبعث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والهجرتين وصبر الصحابة رضوان الله عليهم فغزوة بدر .. إلى أن يصل الى المؤسس رحمه الله ثم أبنائه من بعده..
وهذا الارتباط التاريخي لم يأتِ عبثا بل تأكيدا على أصالة هذه الأرض، وعمق جذورها، ولولا أنَّ الله أراد بها خيرا ما هيأ لها من أبنائها من يحملُ سنا الإسلام ويسير به.
ثالثاً: المصداقية التي بنى العشماوي قصيدته عليها، فخرجت عميقة المعاني، عذبة الإيحاءات، والعشماوي من الشعراء الذين يجعلون الصدق شرطاً لأصالة الشعر وعذوبته وجودته.
رابعا: الأسلوب الفني البديع في اختيار الألفاظ وتراكيبها، وتنسيق الجُمل، والكلمات، حتى بدت قصيدته كنظامٍ من جوهر مرصوف لا تكاد أحجاره تختلف إحداها عن الأخرى.
وأتقن كذلك تسلسل إخراج الصورة للمتلقي، فقد بدأ منذ منشأ هذا الدين القويم، وانتهى الى استمرارية هذه الأرض باستمرار تمسكها به.
وأجاد كذلك أسلوب التشويق في سرد فصول حكايته حتى لا يملَّ السامع أو القارئ، حين كرر تساؤله: «من أين تبتدئ الحكاية» فنجد المتلقي ينتظر بعدها الجديد، والأعمق معنى، فلا ينفكُّ حتى ينهي قراءة القصيدة كاملة.
خامساً: لابد لحكمة العشماوي من ظهور.. وتظهر معها أصالته الشعرية، والأدبية، فكم من حكمة وقولٍ رزين وشّى بهما قصيدته كان لهما الأثر الأعمق في النفس.
أخيراً.. يقول الدكتور عبدالرحمن العشماوي مختتما قصيدته:


إني لأرفعُ دعوةً ممزوجةً
بالحبِّ خاليةً من التعقيدِ
شُلتْ يدٌ تسعى إلى تمزيقها
وتحطمت نظرات كلِّ مسودِ
لكِ يا بلاد الخير رأسٌ شامخ
فخذي زمام المكرماتِ وقودي

أقول.. اللهم آمين.. وهل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان، ولولا أنًّ طباع الكرام تُحدِّثُ عن نفسها لتحدثت عن هذا الشاعر وملأت صُحُفاً..
وصفحات، لله درُّ الشاعر حينما ينثر فوق بساط الصدق سلسبيلا عذبا طيب الطعم، طيب المنشأ، وبورك للشاعر في قلمه الأصيل.
دلال بنت هواش العنزي - الرياض

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved