| متابعة
* واشنطن واس:
أكدت المملكة العربية السعودية إدانتها للارهاب بكافة أشكاله وصوره وتكاتفها مع المجتمع الدولي للوقوف في وجه الارهاب ومحاربته. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها المندوب الدائم للمملكة لدى منظمة الأمم المتحدة السفير فوزي شبكشي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الليلة قبل الماضية.
وفيما يلى نص الكلمة:
السيد الرئيس..
إن ما حدث في 11 سبتمبر 2001م من اعمال ارهابية شائنة استهدفت الولايات المتحدة الامريكية جريمة بشعة بكل المعايير ولا يمكن إلا ادانتها من كل انسان لديه ذرة من الايمان ومن كل الشعوب المحبة للسلام والمؤمنة بالحقوق الانسانية والمتمسكة بالمبادئ والقيم.
السيد الرئيس..
أدانت المملكة العربية السعودية ملكا وحكومة شعبا تلك الاعمال الاجرامية التي نجم عنها خسائر فادحة في الارواح ودمار هائل واضرار بالغة في الممتلكات فقد اصدرت حكومة المملكة العربية السعودية بيانا نددت فيه بهذا العمل الاجرامي الذي يتعارض مع جميع القيم الدينية والمفاهيم الحضارية الانسانية وفي رسالة وجهها خادم الحرمين الشريفين إلى الرئيس الأمريكي أكد فيها استنكاره الشديد وتنديده وشجبه لمثل هذه الاعمال وأعرب عن خالص التعازي والمواساة لأسر الضحايا وللشعب الأمريكي الصديق وعن تكاتف المملكة مع المجتمع الدولي للوقوف في وجه الارهاب ومحاربته بجميع اشكاله وصوره وفي اتصال هاتفي بالرئيس الأمريكي قدم صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني مواساته لفخامته وللشعب الأمريكي على ضحايا الحادث الأليم الذي نتج عن عمل ارهابي ترفضه الديانات السماوية وتزدريه، وأبدى سموه استعداد المملكة العربية السعودية التام للتعاون مع الحكومة الامريكية في كل امر يساعد على الكشف عن هوية المرتكبين للحادث الاجرامي ومتابعتهم.
السيد الرئيس..
لم يقتصر التنديد بهذا العمل الارهابي في المملكة على المستوى الرسمي فحسب بل تجاوزه إلى جميع فئات المجتمع السعودي فقد اكد المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء ان احداث التفجيرات التي وقعت في الولايات المتحدة الامريكية وما كان من جنسها من خطف لطائرات أو ترويع لآمنين أو قتل الأنفس بغير حق ما هي إلا ضرب من الظلم والفجور والبغي الذي لا تقره شريعة الإسلام بل هو محرم فيها ومن كبائر الذنوب.
وأكد كذلك فضيلة رئيس مجلس القضاء الاعلى في المملكة ان ما تعرضت له الولايات المتحدة بهذه الفظاعة والوحشية المتناهية التي هي أبعد من عمل الوحوش وهذه المناظر المرعبة التي شوهدت من آثار ذلك الاجرام مناظر لا يقرها عقل سليم.
وأضاف ان المملكة العربية السعودية عندما تستنكر مثل هذه الاعمال الوحشية فلأنها دولة اسلامية يحكمها نظام الإسلام وانظمتها مقيدة بأن لاتخالف الإسلام وتفعل ذلك من واقع دينها ومن موقفها الإسلامي الذي تقف فيه لانها دولة الحرمين الشريفين ولا غرابة ان تستنكر الفواحش وان تستهجن اجرام المجرمين وان تندد بإيواء كل مرتكب للاجرام أو يرضى بجرمه.
وأوضح فضيلة الشيخ «ان المملكة العربية السعودية عندما نظرت في يوم من الايام في امر اختطاف الطائرات قبل ان يختطف للسعودية أي طائرة قرر علماؤها تحريم هذا العمل ولم يفرقوا بين اختطاف طائرة ركابها مسلمون وبين طائرة ركابها غير مسلمين بل رأوا ان الظلم امر محرم وان العدوان على الناس وارهابهم بغير حق من اعظم الفواحش في الارض والفساد فيها».
السيد الرئيس..
في الوقت الذي تندد فيه بلادي بهذا العمل الارهابي وغير الإنساني فإنها تؤكد على اهمية الابتعاد عن ربط اعمال الارهاب بشكل نمطي بدين أو عرق معين سواء كان هذا الربط صادراً من جهات حكومية أو من جهات إعلامية أو غيرها إذ ان ذلك لن يساعد على مكافحة الارهاب بفعالية كما يعتبر تجني على الحقيقة والواقع.
كما انها تشعر بالقلق ازاء محاولة استغلال بعض وسائل الإعلام ورجال السياسة هذه المأساة لالقاء التهم جزافا على المسلمين والإسلام فالإسلام بريء كل البراءة ممن قام بمثل هذه الاعمال الاجرامية التي تعتبر انتهاكا صارخا للقيم الدينية والمبادئ الاخلاقية الإسلامية.
وتشعر ايضا بقلق بالغ للمظاهر المتفشية في بعض المجتمعات والتي تهدف إلى التمييز ضد المعتقدات الدينية وخاصة الإسلامية منها وكذلك محاولة الربط بين الإسلام وبعض الظواهر السلبية مثل الارهاب والتعصب متناسين ان الاسلام يدعو إلى نبذ الارهاب والتعصب ويحث على التسامح والتعاون.
السيد الرئيس..
لقد عانت المملكة العربية السعودية من عمليات ارهاب في الماضي ولذلك فهي تشعر بما تعانيه الولايات المتحدة الامريكية وعملت منذ مدة طويلة على مقاومة هذه الآفة الخطيرة وقامت ولاتزال تقوم باتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة ظاهرة الارهاب على جميع المستويات فعلى المستوى الداخلي سنت الانظمة التي تعاقب مرتكبي الارهاب وجعلت مادة مكافحة الارهاب احد المواد الاساسية التي تدرس في بعض المناهج الدراسية في الجامعات والكليات في المملكة وعلى المستوى الاقليمي فقد كانت المملكة العربية السعودية من اوائل الدول الموقعة على الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب الصادر عن الجامعة العربية سنة 1998 وكذلك على معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الارهاب وعلى المستوى الدولي فقد انضمت المملكة إلى العديد من اتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بالارهاب ومنها معاهدة قمع الاعمال غير المشروعة التي تشكل تهديدا لامن الطائرات معاهدة «مونتريال» وهي في طريقها للتوقيع أو الانضمام إلى اتفاقية قمع اعمال الهجمات الارهابية بالقنابل وإلى اتفاقية مكافحة تمويل الارهاب.
وترى حكومة بلادي ان الانضمام إلى الاتفاقيات المتعلقة بالارهاب يجب ان يلازمه صدق النوايا لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة والقضاء عليها وهو ما ندعو إليه جميع الدول الاعضاء بان تقوم بالادانة القاطعة لجميع اعمال الارهاب الذي يشكل انتهاكا خطيرا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة ويهدد الامن والسلم الدوليين ويعرض العلاقات الودية بين الدول للخطر ويعوق التعاون بينها.
السيد الرئيس..
انطلاقا من اهتمام وحرص حكومة بلادي في مقاومة هذه الآفة الخطيرة فإنها تؤيد جميع الجهود الذي تبذلها هذه المنظمة من خلال اصدار القرارات والاتفاقيات ذات الصلة ومن ذلك قرارا مجلس الامن رقم 1368 «2001» ورقم 1373 «2001» الذي ادان بصورة قاطعة وبأقوى العبارات الهجمات الارهابية المروعة التي وقعت في الولايات المتحدة الامريكية وإلى المساهمة في تطوير اعمال مقاومة هذه الظاهرة الخطيرة.. فوفد بلادي يؤيد ايضا الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للارهاب ونعتقد ان الحاجة ملحة والوقت قد حان لعقد مثل هذا المؤتمر وان تكون من بين مهامه الرئيسية وضع تعريف محدد للارهاب يفرق بين الارهاب كظاهرة خطيرة تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي وبين حق الشعوب في النضال والمقاومة ضد الاحتلال وفق ما نص عليه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
السيد الرئيس..
على الرغم من ان الشعوب العربية والاسلامية تتعرض لعمليات ارهابية فإن هناك محاولات آثمة لالصاق تهمة الارهاب بالعرب والمسلمين وتردد بعض وسائل الإعلام المغرضة مقولات ظالمة مثل الارهاب الإسلامي والخطر الإسلامي والقنبلة الإسلامية وكأن الارهاب لا يوجد إلا من المسلمين ولم نقرأ ان للقنابل ديانات وللارهاب مذاهب دينية.. لا يردد هذه الفرية إلا مكابر وحاقد وجاهل بالتاريخ ولا يمكن رمي العرب والمسلمين بالارهاب لأن احدا أو جماعة منهم ارتكبوا ارهابا فالارهابيون من كل ملة ومذهب ويتواجدون في كل المجتمعات البشرية والإسلام يحرم الارهاب لان الله عز وجل حرم الظلم على نفسه وبين عباده وجرم عز وجل القهر والاعتداء على غير الجاني وقتل الابرياء من الجرائم الكبيرة ومن قبل الافساد في الارض واهلاك الحرث والنسل.. يقول المولى عز وجل «كل نفس بما كسبت رهينة» ويقول جل وعلا « ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى» وايقاع العقوبة الجماعية في نظر الدين الإسلامي تعد فحشا وعدوانا وفسادا.
وقد تنبهت الشريعة الإسلامية لهذا الخطر منذ حوالي اربعة عشر قرنا ووضعت أول تشريع قانوني متكامل ضد الارهاب.. وأوضح الفكر الإسلامي صورتين من صور الارهاب وهما جريمتي البغي والحرابة وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية فرض عقوبة الاعدام على مرتكبي جريمة الارهاب والافساد. واستند هذا القرار على قول الله عز وجل «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» وكذلك قوله جل وعلا «انه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا».
السيد الرئيس..
إن العرب شعوبا وحكومات يدينون الارهاب بشتى أشكاله وكل مظاهره انطلاقا من عقيدتهم وتراثهم وأكد العرب في ادانتهم على ضرورة عدم الخلط بين الارهاب وبين حقوق الإنسان وحق الشعوب في الدفاع عن وجودها والنضال لحريتها والكفاح من أجل سيادتها عندما تتعرض للاحتلال والسيطرة والتعسف والتنكيل مما يخالف جميع المبادئ والقيم ويناقض القواعد والاعراف الدولية.
وحيث ان الارهاب بكل صوره واشكاله مدان فإن هذه الادانة لابد ان تشمل الارهاب الرسمي على مستوى الدولة الذي تمارسه اسرائيل بصورة متواصلة ضد الشعب الفلسطيني وقد اشار البند السادس من قرار الجمعية العامة رقم 40 16» الصادر في دورتها الاربعين عام 1985 إلى الارهاب الرسمي الذي تمارسه بعض الدول وفرق القرار بوضوح كامل بين الارهاب الذي هو بلاء اجرامي ووجه من وجوه الحرب غير المشروعة وبين الكفاح المسلح ضد الاستعمار والعنصرية والاحتلال الاجنبي الذي هو نضال وكفاح مشروع يستند إلى مبدأ حقوق تقرير المصير للشعوب وهو حق مثبت في ميثاق الأمم المتحدة ومؤكد في القرارات الدولية ومكرس في مبادئ القانون الدولي وحرص القرار في بنده التاسع على دعوة جميع الدول فرادى وبالتعاون مع الدول الاخرى كذلك اجهزة الأمم المتحدة ذات الصلة ان تهتم بالقضاء التدريجي على الاسباب الكامنة وراء الارهاب الدولي.
السيد الرئيس..
لا شك ان من حق الدول التي وقعت فيها اعمال ارهاب تعقب الجناة والقبض عليهم والاقتصاص منهم وان يكون الهدف من ذلك القضاء على الارهاب بجميع اشكاله وصوره وليس بهدف الانتقام وتاريخ الارهاب يؤكد لنا ان الكفاح ضد الارهاب يبدأ من تتبع جذوره ومعرفة اسبابه والسعي الحثيث والمتواصل لايجاد الحلول العادلة للصراعات المختلفة فما حدث في الولايات المتحدة يطرح على المجتمع الدولي مسؤوليات عظيمة ومهام كبيرة ولكن الارهاب لم يولد في 11 سبتمبر 2001م ولن ينتهي إذا ما اقتصرت معالجته على الوسائل العسكرية والامنية بل يتطلب تضافر جهود المجتمع الدولي للسعي نحو محاربة هذه الظاهرة بكل الوسائل الممكنة.
ان المجتمع الدولي مطالب بمعالجة ظاهرة الارهاب بروح المسؤولية والجدية ومن سائر جوانبها والاطار المناسب لهذه المعالجة هو الأمم المتحدة إذ ان المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة هو وحده الذي يملك الحق في تحديد الارهاب وتعريفه واتخاذ القرارات الدولية اللازمة لمواجهته.. ان ظاهرة الارهاب قضية اساسية ذات اهمية بالغة ينبغي معالجتها باعتماد القانون الدولي اساسا ومرتكزا وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية علاجا وحماية وان لا تقتصر تلك المعالجة على اعتماد اسلوب واحد قد يؤدي إلى الاضرار بالابرياء عند اتخاذ أي اجراءات لمحاربته.
ان التعاون الدولي لمحاربة الارهاب يقتضي الاتفاق على تعريف الارهاب لتجريمه وفقا للقاعدة القانونية» لا جريمة بدون نص» ولكي لا يبقى تعريف الارهاب مسألة مزاجية ويختلف تعريفها باختلاف المصالح والاهداف والقضاء على الارهاب يقتضي احترام الاديان والعقائد والقيم وعدم المساس بها بذريعة حرية الرأي كما يجب عدم تسييس قضايا حقوق الإنسان والسعي بفرض بعض المفاهيم على الشعوب الاخرى والتي قد لا تتماشى مع عقائدها ومبادئها واخضاع حضارات العالم الاخرى لاعتبارات ومعطيات مصالح حضارة بعينها.. ومن هذا المنطلق فإن مواجهة الارهاب تقتضي عدم التعامل بمعايير مزدوجة والكيل بمكيالين في العلاقات الدولية عند تطبيق الشرعية الدولية وتنفيذ القوانين الدولية.
السيد الرئيس..
لقد بات الارهاب ظاهرة دولية غير مقصورة على شعب أو عرق أو دين.. الارهاب ظاهرة شاعت في كل حضارة وبين جميع الأمم وهي ظاهرة دولية تستوجب جهودا دولية لاحتوائها والتصدي لها بفعالية وبروح من الجدية والمسؤولية والانصاف ومن خلال عمل دولي متفق عليه في إطار الأمم المتحدة مما يكفل القضاء عليها ويصون حياة الابرياء ويحفظ للدول سيادتها وللشعوب استقرارها وللعالم سلامته وامنه واستقراره.
وشكراً السيد الرئيس..
السفير فوزي شبكشي
|
|
|
|
|