أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 4th October,2001 العدد:10598الطبعةالاولـي الخميس 17 ,رجب 1422

الثقافية

حين يكون التاريخ مادة للكتابة..
شواهد من المسرح الإنجليزي المعاصر
إسماعيل الحسين
مهما اختلفت الآراء وتعددت حول طبيعة وبنية المسرح، لابد لها، في النهاية، أن تجمع على أن المسرح، كفن سام، هو محاولة لقلب مفاهيم مجتمعية سادت خلال فترة زمنية معينة، أو هو محاولة لتغيير بنية العلاقات الاجتماعية وتوجيهها إلى شكل يفترض له أن يسمو فوق جدليات الحياة اليومية، وكل ذلك ضمن قواعد الشكل الفني للمعادلة الأساسية (الإرسال التلقي) انطلاقاً من هذا الفهم، تكون الكتابة المسرحية.
ولكن حين يكون التاريخ مادة للكتابة، فإن طرق التناول ستختلف باختلاف الرؤى، وإن اتفقت الأهداف في بعض الأحيان، مثلما هو الحال عند «روبرت بولت» و«إدوارد بوند» البريطانيين، وهما كاتبا مسرح معاصران. فأعمال هذين الكاتبين تدور دائماً حول الأحداث التاريخية والأشخاص الذين لعبوا دوراً في تشكيل ملامح هذا التاريخ فغدوا جزءاً منه، ويبدو أن لجوءهما للتاريخ مرده إيمانهما بأن ثمة رابطة قوية بين الحاضر والماضي، فهما يقومان بعمليات رابط دائمة بين الأحداث التاريخية والقضايا المعاصرة. والقارئ لأعمال «بولت» لابد وأن يجده يقدم تاريخاً فهو ناقل للتاريخ بحرفيته، وكأنه لا يقرأ مسرحاً بقدر ما يقرأ كتاباً تاريخياً، في حين نجد «بوند» يسعى في كل أعماله المسرحية إلى تخليص التاريخ من الأساطير، وهذا يعود لاعتقاده بأن الماضي هو بمنزلة أسطورة للحاضر ومن ثم يجب أن يدرس هذا الماضي ويعاد تحليله وتفسيره من حين لآخر، كي لا نقع في خطأ الإيمان بوجود عصر ذهبي.
ولد «روبرت بولت» في مانشستر 15/8/1924م وتلقى تعليماً جامعياً (إجازة في التاريخ) من جامعة مانشستر، عمل في بداية الأمر في حقل التعليم وبعد ذلك تحول إلى الكتابة، وبولت لم يكتب للمسرح وحسب بل كتب (سيناريوهات) لأفلام سينمائية مثل (دكتور زيفاجو) وفيلم (لورانس العرب) ومن أشهر أعماله المسرحية مسرحية (رجل لكل العصور) وهو لم يكتب سوى سبع مسرحيات، ذلك أنه اشتهر بكتابة السيناريو.
أما «إدوارد بوند» فقد ولد في 18/7/1934 بشمال لندن وتلقى تعليماً محدوداً بسبب معاصرته للحرب العالمية الثانية حيث تم جلاء عائلته إلى (كورن وول) وتابعة تعليمه في مدرسة هناك لفترة محدودة ليتركها وهو في الخامسة عشرة من عمره بسبب ظروفه المادية والمعيشية السيئة إلى جانب ظروف الحرب، الأمر الذي دفعه إلى أن يعلم نفسه بنفسه.
عندما شاهد «بوند» مسرحية (ماكبث) للمسرحي البريطاني الشهير «وليام شكسبير» تأثرت بها نفسه تأثراً بليغاً فكانت من أهم العوامل التي دفعت به إلى المسرح ليكتب بعد ذلك أشهر أعماله مسرحية (الصباح الباكر) ومسرحية (لير) المقتبسة من (الملك لير) لشكسبير.
خلال الفترة الممتدة ما بين 1960 1978م قام «بولت» و«بوند» بكتابة مجموعة من الأعمال المسرحية الناجحة والتي تتعامل مع التاريخ والشخصيات الفاعلة به كل بطريقته. «بولت» رجع إلى التايخ لاعتقاده بأن الفترة الزمنية التي تفصل بينه وبين المادة التاريخية التي يستخدمها تمكنه من التعامل مع شخصياته بشكل بطولي ومسرحي، إضافة لاعتقاده أيضاً أن من يكتب المسرحيات التاريخية يستعير قصته وبعض مشاعره من أناس حقيقيين ومن ثم فهو مدين لهم بالصدق. إلى جانب اعتماده على الوعي التاريخي للقارئ أو المشاهد كعامل أساس لفهم القوى التاريخية المسؤولة عن تكوين الشخصيات، لذلك فهو ينقل التاريخ بحذافيره.
على عكس «بولت»، فإن «بوند» لا يعتمد على الحقائق التاريخية بهذا الشكل الضيق إن جاز التعبير وإنما نجده، في معظم أعماله المسرحية، يغيّر في الحقائق والتواريخ والشخصيات والأحداث، من أجل أهدافه الدرامية، كما يقول، فهو يعتقد أن فهمنا للتاريخ تشوبه الأساطير، وأن الماضي قد يُصبغ بصبغة أسطورية، لذا نراه يركز اهتمامه من أجل نزع هذه الأسطورة من الماضي واستخدام الإرث التاريخي والثقافي لاكتشاف أسباب المشكلات الحالية. فعلى سبيل المثال، نجد أنه يعتبر القرن التاسع عشر مصدر العديد من التوترات والعنف في المجتمع الانجليزي المعاصر، وهذا الاعتبار يظهر جليا في مسرحيته (الصباح الباكر) التي صدرت عام 1965م ومسرحيته (الأبله) الصادرة سنة 1975م.
كما يعتقد «بوند» أن مهمة الكاتب هي محاولة الحد من الأساطير التي يؤمن بها الإنسان وعرض بعض الحقائق عن الحياة والمجتمع على المسرح، ولهذا فهو يلجأ إلى أسلوب مهاجمة المعتقدات المجتمعية والشخصيات التاريخية لنزع الأسطورة عنها، ففي «الصباح الباكر» وهي أول مسرحية تاريخية، يدمر فيها أساطير الأخلاق والنظام الانجليزيين في القرن التاسع عشر، ويضع مبادئ مجتمع يعتمد على التنافس والتملك الغاصب.
إن الذي يوحد بين الكاتبين هو إن كلاهما حاول إبراز علاقة الفرد بالمجتمع، وقد تكرر ذلك مراراً في أعمالهما. «بوند» يعرض محنة الفرد مقابل الوضع السياسي والاجتماعي الذي تسبب في هذه المحنة. بينما يركز «بولت» على الشخصية التاريخية التي يجعلها أساس العمل فالتاريخ عندهما واستخدامه هو محاولة لتحسين الأوضاع في الوقت الحالي وفي المستقبل ولكن كل منهما وفق منظوره وبطريقته.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved