| الثقافية
كائنات خرافية
يؤكد الناقد ابراهيم فتحي ان هناك بالفعل فجوة ضخمة جدا بين النقد وما يطلبه المبدعون من النقد، فالمبدعون الآن يؤكدون أنهم يعبرون عن ذواتهم وكأنهم منفصلون عن الأشياء وكأنهم كائنات خرافية وليسوا كائنات حيّة لها موقف من الحياة ومن المجتمع، وإذا كان الأديب يعبر عن ذاته فما شأننا نحن النقاد، ولماذا نقرأ أعماله، الواقع الآن غير معروف ويمر بتحولات مدهشة، وعلى الكاتب والمبدع ان يوجد معنى لكل هذه التحولات وبأشكال جديدة، لأن الشكل القديم أصبح غير صالح للتعبير عن المتغيرات الجديدة.
ويضيف الناقد ابراهيم فتحي أن ما يحدث حاليا يقوم الناقد باختيار اسم لامع من الأدباء ليكتب عنه ولا يهمه الأسماء الجديدة، وهذا لا ينطبق على كافة النقاد، بل على أغلبهم في الوقت الحالي، فقد أصبح اسم الكاتب أو الناقد أهم مما يكتبه ولذلك يوجد موهوبون كثيرون لا نعرف عنهم شيئاً بسبب ذلك.
ويحيل الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل مسؤولية تدهور الحركة النقدية وعدم تقديم واظهار المواهب الجديدة على النقاد بالدرجة الأولى، ولا خلاف على ان الكتاب العربي والمصري حاليا يعاني شللا في الحركة تكاد تهدد بموته لأسباب أغلبها صار خارجا عن أطراف صناعة الكتاب وهذه الأسباب تدور أيضا حول مسؤولية النقاد الصامتين، فلم يعد أحد يتابع أو يقيم أو ينتقد إلا فيما ندر، وافتقد القارىء الدليل في صورة ناقد على الأقل يعرف ويقدم الكتاب، وبهذا تقلصت النوافذ التي يمكن ان تسهم أو تقيم علاقة بين الكتاب وقارئه ورغم ان التعريف بالكتاب يظل مسألة فردية وعشوائية وتخضع لمزاج الناقد في النهاية ولا تحكمها معايير وستظل هناك كتب مهمة في حقول الفكر والأدب والسياسة والاقتصاد تعيش في الظل معاصرة بالتجاهل والصمت، على ان كل ذلك لا ينفي وجود حركة نقدية ممثلة في قراءات نقدية عبر بعض الأمسيات والندوات ولكنها تظل قراءات شفهية غير مدونة، وحتى الدراسات القليلة التي تنشر تناقش أزمة المنهج النقدي.
الجري وراء الناقد
ويرى الناقد الأدبي الدكتور سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة ان هناك بعض الكتب النقدية التي تهتم بالنقد التطبيقي وتقدم قراءات لأعمال ابداعية لكنها تظل في النهاية مجرد جمع لمقالات عن النقد التطبيقي دون جهد كبير لأنها تنشر أساسا في الصحف وفي حدود ما تسمح به هذه الصحف إذا الشكوى التي يرددها المبدعون دائما من أنه لا توجد مواكبة ابداعية لأعمالهم صحيحة الى حد كبير وأصبحت توجد ظاهرة مخيفة تتنامى مع الأيام وهي سعي المبدع وراء الناقد حتى يكتب عن قصته أو روايته أو ديوانه الشعري وذلك بدلا من ان يتجه الناقد الى المبدع ويبحث عنه ويكتشفه ويقدمه للقارىء، وما يحدث حاليا يتم وفق مصالح وأهواء شخصية وهذا ما أدى لتراجع العملية النقدية واصابة المبدعين بالاحباط وخاصة الشباب منهم، بجانب ذلك لا بد من الاشارة الى انه لاتوجد كتب قيمة كبيرة تستحق الكتابة عنها ولكن لا يمكن تعميم هذا الكلام فيوجد كتب ويوجد مبدعون يحتاجون للتقديم والاكتشاف.
ويقول الناقد الأدبي فاروق عبدالقادر لقد حدث في السنوات الأخيرة نوع من التحول بشكل عام، فهناك كتابات جيدة لكنها ليست جيدة تماما، وأعمال دون المستوى لكن يتم تلميعها لأسباب اعلامية، ورغم ان النقد التطبيقي يواجه أزمات عديدة منها أزمة المصطلح وقيام الأكاديميين باستخدام مصطلحات لا يفهمها القارىء، ودخول النقد نفسه الى حيز الالتباس بحيث أصبح اعلانا تحريريا لتلميع كتابات وأشخاص دون موهبة حقيقية لكن بشكل عام لاتوجد قامة كبيرة في القصة والرواية والشعر والمسرح، وأعتقد ان هذه الفترة لا بد ان تعقبها عملية غربلة تلقائية، وهو ما ستظهر نتيجته عندما تهدأ الأمور قليلا من عنف التحولات وضجيج الميديا وسيطرتها.
زاوية جديدة
وتلقي الناقدة الدكتورة منى طلبة أستاذة الأدب العربي بجامعة عين شمس الضوء على زاوية أخرى وهي ندرة الاصدارات المتخصصة في مجال النقد وتقول في الماضي كان يوجد عدد كبير من المجلات المتخصصة مثل البلاغ والمؤيد وفصول والآداب وغيرها، ولكن الآن قد تخلت هذه الاصدارات عن دورها في تقديم نقد تطبيقي أي قراءات نقدية بالأعمال بعينها لصالح دراسات نقدية منهجية تناقش أزمات أكاديمية في عملية النقد مما يجعل دائرة الاهتمام بها محدودة بعيدا عن أي قارىء محتمل، ولكن من يقول ان أزمة الكتاب سببها ركود حركة النقد أؤكد ان الربط المباشر بين أزمة النقد وترويج الكتاب وانتعاشه به نوع من التعسف لأن هناك بعض النوعيات من الكتب توزع آلاف النسخ دون ان يكتب عنها حرف نقدي واحد، غير أن الرابط هنا ليس جوهريا لأن عدم رواج الكتاب له أسباب أخرى منها تدني المستوى الثقافي بشكل عام وتخلي الدولة عن مسؤولياتها الثقافية.
تكوين الجمعيات
ومن جانبه يؤكد الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار ان الفجوة بين المبدع والناقد قائمة وفي ازدياد والخسارة تقع بالطبع على القارىء وهذا يعود لاتجاه العديد من النقاد للكتابة وفق متطلبات مصلحية خارج معايير العملية النقدية ومنهم من يلوي عنق النص ويحمله دلالات ومعاني لا يحتملها ليس لأي غرض وإنما لأن هذا المبدع من جماعته أو شلته، فانتشار الشلل الثقافية يلقى بمأساتها وتعوق حركة التقدم في أي مجال وليس مجال النقد فقط.
والحل لسد الفجوة القائمة يتمثل في عمل نوع من أنواع الجمعيات يكونها النقاد الشباب لتكون منبراً لهم يعبرون فيها عن الأعمال الجديدة، كذلك ضرورة تفعيل دور الجامعات واتحاد الكتاب والمؤسسات الأدبية والثقافية.
|
|
|
|
|