تعاظم دور الإعلام في انتفاضة الاقصى المباركة وتعاظم أكثر وبشكل لم يسبق له مثيل في الاحداث الاخيرة التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر لمدينتي «نيويورك » و«واشنطن» لتنتهز الصهيونية العالمية هذه الفرصة التاريخية النادرة بنشاط غير مسبوق من خلال وسائل الإعلام الأمريكية المملوكة في معظمها لرؤوس أموال يهودية ليشكلوا حضوراً فاعلاً على كافة المستويات العالمية وداخل وحدات النسيج والتيارات الاجتماعية الغربية محققين تأثيرات في المفردات الاجتماعية بدءاً بالفرد ومروراً بالأسرة والشعب وانتهاءً بالمجتمع الدولي يرى كاتب المقال أنها سوف تتبلور لاحقاً نتائج هذه التأثيرات.
لا يمكن إنكار القدرات الهائلة التي تمتاز بها وسائل الإعلام الغربية وخصوصاً الامريكية فالمنطق الاتصالي يؤمن بأنه نتيجة الاختلافات الواضحة بين أعضاء المجتمع الدولي في قدراتهم السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجيا نشأ تفاوت بينهم في قدراتهم على إنتاج المعلومات التي يحتاجونها ومن ثم القدرة في التسويق لها وفرضها بحيث تصبح حقيقة ومسلمة في مضامينها لتعمل عملها في تحويل وتغيير وتثبيت الآراء والمواقف والقناعات. لقد أصبح الأخذ بناصية فنون وتقنيات الإعلام أمراً مهماً وضرورياً تضعه الدول في مقدمة أولوياتها.
أدرك القائمون على الدعاية الصهيونية منذ اللحظة الأولى للأحداث كيف يخاطبون الناس حسب مستوياتهم الاجتماعية والسياسية، وحسب توجهاتهم الفكرية والعقائدية، منتهجين جميع أنواع وسائل الدعاية في حملة انطلقت من قاعدتين أساسيتين هما: تجاهل الأعمال الوحشية للجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل على إطلاق حملة تكريه وتشويه للعرب والمسلمين.
وهنا لابد ان اشير الى تكليف الحكومة الإسرائيلية «داليا رابين» نائبة وزير الدفاع بنيامين بن اليعازر وابنة رئيس الوزراء الإسرائيلي «إسحاق رابين» الذي قتل في نوفمبر «تشرين الثاني» 1994م على يد متطرف إسرائيلي بقيادة حملة علاقات عامة دفاعاً عن سياسة الحكومة الإسرائيلية في المحافل الدولية وسط مخاوف من فوز الفلسطينيين المعتدى عليهم بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى في الحرب الإعلامية لكسب الرأي العام الدولي.
وتشتمل حملة الدعاية العالمية التي رصدت لها الحكومة الإسرائيلية «عشرة ملايين» دولار على استئجار خبراء علاقات عامة أميركيين مثل «هوارد روبنشتاين» و«وكالة نيويورك» التي من بين عملائها« دوقة يورك» و«مايكل جاكسون».
لتقوم«داليا رابين» برحلات إلى الخارج لتوضيح موقف الحكومة الإسرائيلية التي خضعت لانتقادات حادة على المسرح الدولي.
حيث كانت أول رحلة لها إلى «كندا» حيث تحضر مهرجاناً وتجري مقابلات تلفزيونية وبعد ذلك ستقوم برحلات إلى العواصم الأوروبية.
ويقف وراء هذه الفكرة السياسي المخضرم الذي يدرك تماماً اهمية الرأي العام الغربي في صناعة القرار السياسي، وزير الخارجية«شمعون بيريز» الذي يخطط ايضاً لإشراك شخصيات إسرائيلية عامة في هذه الحملة مثل قائد الفرقة الموسيقية الشهير« زوبين ميهتا» و«اسحاق بيرلمان» عازف الكمان والمؤلفين«ايلي عامير» و«عاموس أوز».
ويتم تنسيق الحملة الدعائية في «القدس» من قبل رجل من الطراز الأول في العلاقات العامة وهو« جدعون مائير» الذي كان له الدور الرئيسي في تعريف رئيس الوزراء البريطاني«توني بلير» على كبار الشخصيات في الجالية اليهودية في بريطانيا عندما كان يتولى منصب سفير إسرائيل في لندن كما لعب دوراً فاعلا في إقناع «بلير» بإبعاد حزب العمال البريطاني عن سياسته التقليدية المؤيدة للموقف الفلسطيني، ويتولى «جدعون مائير» حالياً منصب نائب مدير العلاقات العامة في وزارة الخارجية الإسرائيلية ولشحذ الهمة يقول:
إن إسرائيل تتعرض إلى الانتقاد من قبل الإسرائيليين ويهود العالم في الخارج بخصوص عجز الإدارة عن مواجهة النشاط الإعلامي الفلسطيني الذي احتل شاشات التلفزيون.
واعترف مائير بأن إسرائيل تخوض معركة خاسرة في هذا المضمار حالياً. كما اعترف بأن إسرائيل لم تعمل على مساعدة قضيتها أحياناً ولذلك وجهت وزارة الخارجية الإسرائيلية النصيحة إلى وزارة الدفاع بإدخال برامج تعليمية لصغار الجنود الإسرائيليين وتشجيع استخدام الأسلحة الأقل فتكاً.وحول موقف شارون من فكرة شن حملة إعلانية واسعة قال إنه متحمس جداً له لأنه يريد للعالم أن يعرف الوجه الحقيقي لإسرائيل وأن ذلك الوجه قد جرى تشويهه في وسائل الإعلام بسبب التغطيات الإعلامية المنتقاة والمنحازة وبسبب نجاح الفلسطينيين في تقديم أنفسهم للرأي العام كضحايا اعتداء إسرائيلي.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الإرهابي إرييل شارون قد صادق على هذه الحملة بعد أن عرض برنامج بانورما في ال«B.B.C» تورطه في مجزرة صبرا وشاتيلا.
وإلى جانب محاولة تغيير مواقف وسائل الإعلام تهدف الحملة الدعائية الإسرائيلية إلى مناشدة يهود العالم الوقوف صفاً واحداً خلف إسرائيل.
وقال«جدعون مائير»: إن هذه الحملة عبارة عن مشروع مشترك لجميع اليهود في العالم ونحن مضطرون لأن نعلم الجيل الجديد من اليهود في العالم حول المبررات الروحية والتاريخية لوجود إسرائيل في هذه النقطة من العالم.
في هذه اللحظة لا أشك على الإطلاق بإدراك أمين عام جامعة الدول العربية السيد/ «عمرو موسى» لما ستسفر عنه مثل هذه الحملة من نتائج إيجابية لصالح إسرائيل والتي أطلقت قبل الأحداث الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سبق لي أن التقيت به على انفراد ليدور نقاش يؤكد مدى متابعة واهتمام هذا الرجل بالإعلام والصورة والرسائل التي يفترض أن توجه للرأي العام الغربي ودوره في التأثير والضغط على الحكومات التي لم تصل إلى سدة الحكم إلا من خلال حملات انتخابية موجهة أصلاً للرأي العام.