ضمن مسلسل الاتهامات الجائرة.. وهستيريا العداء ضد الإسلام.. والزجّ باسم العرب والاسلام في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، جاءت تصريحات بيرلوسكوني رئيس الوزراء الايطالي ضد الحضارة الاسلامية.. والمسلمين خروجا مستهجنا على الاخلاق.. والذوق.. والجغرافيا.. والتاريخ.. والاعراف الدبلوماسية.. وابجدية العمل السياسي.. ما جعل من ردود الفعل في عقر داره.. وضمن الاسرة الأوروبية .. وعربيا .. واسلاميا.. قوية .. ومدوية وصفته بالعنصرية.. والنفاق السياسي.. وافتعال صدام بين الحضارات.
* رجل الاعمال «الناجح» الذي ساعدته أمواله وإجادته «اللعبة الديمقراطية» الى الوصول لسدة الحكم الايطالية معروف بتأييده المطلق لاسرائيل.. ومواقفه العدائية من العرب.. والقضية الفلسطينية ابان الحملة الانتخابية التي حملته الى رئاسة الوزراء.. كما انه وقف مع احد حلفائه الذي يدعى «بوسي» ضد قرار كان قد اتخذه عمدة مدينة «لودي» بشمال ايطاليا يقضي باهداء قطعة أرض للجالية الاسلامية لتشييد مسجد عليها.. لذلك فان موقفه العدائي هذا لم يكن مفاجئا مع ان من الحكمة.. وبعد النظر ان يتصرف كرجل دولة واضعا مصلحة بلاده.. وعلاقاتها التقليدية المتميزة.. الضاربة في القدم مع العالم العربي موضع اعتبار.
* لا ادري ماذا كان رد فعل الرئيس وهو يستمع الى شجب واستنكار السيد «رومانو برودي» رئيس المفوضية الاوروبية عندما قال: «اذا بدأوا في وضع بذور الخلافات بين الحضارات فسوف تكون النهاية!! نحن سواسية لنا نفس الحقوق .. ونفس التاريخ.. وقدمنا المساهمة للانسانية خاصة في منطقة البحر المتوسط حيث تقوم بين دول هذه المنطقة الحيوية علاقات على أساس السلام والتعاون».. لا أدري هل احمرّ وجهه خجلا عندما سمع.. أو قرأ شجب وزير خارجية بلجيكا الذي ترأس دولته الاتحاد الاوروبي حتى نهاية العام الحالي يقول: «نحن لا نقبل بحال من الأحوال التصريحات المؤسفة التي أدلى بها رئيس وزراء ايطاليا عن الاسلام وهي لا تمثل موقف الاتحاد الاوروبي.. كما ان تصريح بيرلوسكوني يخالف المبادىء الاوروبية».
* هل شعر دولة الرئيس بالعزلة.. عندما عبّر الشارع السياسي الايطالي.. والمثقفون بكل انتماءاتهم عن استيائهم ورفضهم الشديد للتصريحات وما تشكله من تهديد للعلاقات.. والمصالح العربية الايطالية؟.. وهل بلغه ما قاله زعيم المعارضة «روتيلي» من ان تصريحات بيرلوسكوني تؤدي الى زيادة التوتر والشعور بالاستياء الشديد في العالم الاسلامي كله!! وهو ما اشار اليه زعيم الحزب الديمقراطي «برلينجوير» الذي وصف التصريحات بأنها «حمقاء وخطيرة.. اننا لسنا في حرب صليبية جديدة.. انها تصريحات تعبر عن الروح الاستعمارية» وهل شعر بنوع من تأنيب الضمير وهو يستمع الى رئيس الجالية اليهودية.. نعم اليهودية في ايطاليا «اموس لوتيساتو» الذي قال بالحرف الواحد: «ان بيرلوسكوني ارتكب خطأ فاحشا بهذه التصريحات.. انني لا ارى ان الحضارة الاوروبية تتفوق على الاسلام.. او أي حضارة اخرى.. وفي رأيي انه لولا الحضارة العربية والاسلامية لما ولدت الحضارة الغربية.. اعتقد انه يمكن للمؤرخ البروفسور «كارديني» ان يعطيكم دروسا في ذلك، فالاسلام لم تقم به ثورة فرنسية مثلا.. ونحن لم نكن قادرين على بعض الانجازات بدون حضارة العرب حتى الفلسفة اليونانية وصلت الينا بواسطة العرب.. ان لكل حضارة تاريخها .. وكل حضارة من هذه الحضارات تساهم في الحضارات الأخرى وتؤثر فيها).
* واذا كانت طروحات «فوكاياما» التي ترى «ان الحضارة الغربية سوف تكتسح العالم لتسجل نهاية التاريخ» قد سقطت.. وبرزت فكرة صامويل هنتنجتون عن صدام الحضارات THE CLASH OF CIVILIZATION التي يؤمن بها اليمين الغربي التي ترى ان الصراع في المستقبل سينحصر بين الحضارات الرئيسية في العالم المعاصر!! اذا كان ذلك كذلك فإن المؤشرات.. كل المؤشرات.. في ضوء ما حدث .. وما سوف يحدث على المستوى العالمي.. يؤكد اهمية التفاعل الايجابي بين الحضارات.. وان الحوار العقلاني.. والحوار فقط بعيدا عن الحساسية هو الاسلوب الامثل الذي لا غنى عنه لاستتباب الأمن.. ودعم التعاون.. والتعايش السلمي بين الشعوب.. ومكافحة الارهاب باستئصال جذوره.. وليس مظاهره او اعتمادا على ردود فعل عاطفية.
* ان الحضارة التي هاجمها «بيرلوسكوني» في عام الحوار بين الحضارات سواء تراجع عنها.. او تأسف او اعتذر هي التي نقلت اوروبا من دياجير القرون الوسطى الى نور عصور النهضة.. قال عنها سير «آرنست باركر» استاذ العلوم السياسية بجامعة كمبردج «تسامت الى الجوزاء حتى انتقل تأثيرها من اسبانيا الى فرنسا.. وايطاليا» وهي حضارة عرب اسبانيا الذين اهدوا الغرب اللاتيني هباتهم في ميادين العلم.. والفلسفة وكان الطب كالرياضيات من مفاخر العلوم العربية.. وأركانها الوطيدة على حد تعبير سير «توما آرنولد» المؤرخ البريطاني الشهير.