في أحد المحلات التجارية الكبرى في بيروت شاهدت على الأرفف كميات كبيرة من منتجات الألبان القادمة من السعودية، وقد تطوعت احدى العاملات في المحل لتخبرني بلطف عن أفضل أنواع العسل لديهم، فكان ذلك القادم من السعودية، لم استطع ان اتجاوز هذا الموقف وتوقفت لبرهة لأغتسل بنشوته، بنشوة تلك الأرض التي أصبحت كالأرض الموعودة، وهي التي ألهب منكبيها في السابق طقس فظ متجهم قلصها الى قرى صغيرة تدق نوى التمر وتصنع منه خبزها وتأكلها الأوبئة والمجاعات، قبل ان تحط رحمة الله وأعجوبته رحلها بيننا ونصبح نصدر «للبنان» اللبن والعسل.
أذكر ان والدتي يرحمها الله في أواخر الستينات الميلادية، وعندما كانت «نجد» تتفتق بصعوبة وحذر اتجاه العالم، تطلب معظم أغراضها واحتياجاتها من لبنان يندرج في هذا الأردية والكتب وصولا الى الأطعمة التي تحتمل سفر المسافات الطويلة، بينما كان المكان يقاوم مصير الرمل، والسموم، ومحدودية المتاح والمباح.
وأهل لبنان الآن يستغربون بأننا نبحث عن السوق ونريد ان نتسوق لديهم، يسألوننا ماذا تريدون ان تتسوقوا وأنتم قادمون من هناك؟
والسعودية هي أكبر سوق «للكمبيوتر» في العالم العربي، متفوقة في هذا المجال على مصر ولبنان، اللتين كانتا تستأثران بالمركزية الثقافية في العالم العربي.
وبعدما كنا نحمل أمراضنا وأورامنا وأطرافنا المتفككة نتسول العلاج في مستشفيات العالم، أشرعنا أبوابنا ومستشفياتنا لجراح العالم بمن فيهم أبطال الانتفاضة.
لا أريد ان أدبج خطابا مكررا ومناسباتيا كالعشرات مما يقال في المناسبات الوطنية، أريد ان احتفل بعيدي الخاص الذي يخضع لتوقيت حبي وانتمائي لهذا المكان.
لا أقول بأننا المدن الفاضلة الخالية من المشاكل والمتاعب والمصاعب، ولم ننتقل الى مصاف الأمم المتقدمة التي تتسيد الكون، ولكننا بالتأكيد ننخرط في معركتنا المصيرية الخاصة بقلب شجاع وجسور، نجرب ونحاول، نخطىء ونرمم ما أفسده الدهر نكبو ونعاود النهوض، لتتجلى ملامح المكان من خلال تلك المشاعل التي تومض هنا وهناك وتشير الى درب الغد، قد يحمل البعض الاحباط أو النقمة أو القلق، ولكن مطلقا لا يجب ان يتخلى عن وعود الغد، ويثق بالمكان وقدرة سكانه على الانتصار ذلك الانتصار الذي هزم في السابق مردة الرمل وغيلان الصحراء.