* الذين ينتحرون، والذين يعودون من أول الطريق أو من منتصفه، والذين يستسلمون ويُسلمون، كلهم أناس لم يتذكروا أعظم نعمة منحها الله للإنسان، ألا وهي الصبر قبل العمل وبعد العمل وحين العمل!
ليس الصبر المجرد، ولكن الصبر الذي يُرافق مسيرة العمل، إن الله لا يمنح الجائزة إلا للصابرين على طاعته وعبادته ومكاره الحياة!
الناجحون في الحياة هم الذين ذاقوا طعم الصبر المر وعاقبته الحلوة فتعاملوا به على انه دواء الفوز والنجاح! والذين كافحوا في الحياة مرت عليهم عقبات كأداء وأنفاق مظلمة وليال كالحة، ولكنهم بعد الإيمان بالله تذرعوا بالصبر وانتظار الفجر، وحين اشتد الظلام عليهم أذن الله بالفجر الصادق، فبدا من المشرق في بياض نقي يطرد بين يديه ظلام يتلاشى في الأفق!
إذا فشلت وعثرت وسقطت وخسرت وانكسرت، تذكر في هذه اللحظة الضعيفة ربك القوي الجابر، إن ألطافه إليك جارية ونعمه عليك سارية توجه بألمك إليه وضع أملك فيه، إنه وحده الذي يملك خزائن التعويض، سيعطيك حتى ترضى، ويهبك حتى تسعد، ويكرمك حتى تشكر!
شيئان لا تتخلى عنهما أبداً، العمل المستمر والصبر الدائم، إياك أن تتعجل النتائج قبل تحققها، والثمار قبل نضجها، وحقك قبل استحقاقه، كل ذلك خلاف الصبر الذي ندعوك له!
إن الذين يرتشون، والذين يسرقون والذين يغشون، والذين يُزورون، والذين يقطعون الطريق، كلهم أناس فقدوا الصبر فقفزوا على مراحله فاستحقوا غضب الله!
الصبر ليس تواكلاً ولا نوماً ولا تراجعاً، بل هو المعين الذي يُغذي التفاؤل، والينبوع الذي يُسقي قناطر الأمل!
إنه في حقيقته الكبرى: حالة نفسية ترافق العمل الدؤوب تبعث على سكينة النفس وطمأنينة القلب وتُشرق في الروح فتبث فيها الحماس لمواصلة الطريق الوعر مهما صعب وطال!
الوفي الصابر
* أيقظ الشعر عقول البُناة في تاريخ العروبة، وصوَّب لهم طريق المجد، وأثار في عواطفهم الحماس، وأقرَّ في نفوسهم الصبر، وفي ضمائرهم النجاح!
فكم قائد في غمرة النقع صبَّره بيت من الشعر ففاز بالمعركة، وكم عالم أرهقته المحبرة عالج إرهاقه بقصيدة شعر، وكم من مسافر أجهدته الحزون والوهاد فتذكر قصائد الغربة والسفر فجلى همه وسلى خاطره!
ولما رأى أحد الشعراء من المعلمين تلميذه متكاسلاً عن طلب العلم، أنشده من الشعر أبياتاً أشعلت في ناره الخابية جذوة الحماس فتأمل أبياته وما اشتملت عليه من صور بيانية لايرسمها سوى ملوك الكلام.
دببت للمجد والساعون قد بلغوا
جهد النفوس وألقوا دونه الأُزرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرهم
وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
يقول لتلميذه الخامل، لقد سرت رويداً إلى المجد، وطلاب المجد من حولك قد ركضوا جهد نفوسهم، بل ألقوا أُزرهم تخففا لمواصلة الركض إلى المجد وقد تجردوا من كل ما يُعيق الوصول إليه، وكابدوا طريقه ، حتى ملَّ الكثيرون منهم ولم يعانق المجد إلا ذلك الوفي الصابر!
فالمجد قمة لا يصل إليها إلا الأوفياء مع مبادئهم واهتماماتهم وأحلامهم وطموحهم الصابرون على كل ما يُلاحقونه في طريق المجد من عناء ومرارة ومشقة!
التعب من المنسيات
* قالت الأم وهي تحث أبناءها لمعالي الأمور، يا أبنائي: (التعب من المنسيات)!
قال أوسطهم: كيف يا أمي، فسري جملتك!
فعقبت الأم:
إذا جئت يا ولدي في المساء بعد تعب يوم كامل، وأخلدت للراحة في الليل، ثم صحوت صباحاً، هل تذكر من تعب الأمس شيئاً؟!
فأجابها الابن:
لا، فمن الراحة سأكون قد نسيت التعب!
إذن يا ولدي: (فالتعب من المنسيات) لا تخاف منه لا تهتم به، لأن آثاره تنتهي عقب نومة عميقة مريحة ولهذا فعليكم بالتعب لمعالي الأمور، ابذلوا الجهد في العمل والانجاز، وسارعوا في طريق المجد، واستفرغوا الجهد، وانتهزوا فرصة الصحة والشباب وقدّموا لأنفسكم ولوطنكم ماينفعكم في دنياكم وأخراكم!
سمع الأبناء وصية أمهم وجعلوها شعارهم في الحياة يتذكرونها كلما أحسوا بتعب الكفاح، فيتذكرون أنه أحد المنسيات فيضربون عنه صفحا!
همة عالية
* بعث (عبدالله بن محمد الركيان) الطالب بقسم اللغة العربية بكلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم مقالاً أخبر فيه عن طالب من طلاب ثانوية مركز (الفوارة) بمنطقة القصيم، كان يعيش في خيمة، ويُذاكر على ضوء السراج، وإذا تعذّر أوقد ناره وطالع كتابه، تخرج من الثانوية بتقدير ممتاز وكان الأول على دفعته ثم التحق بكلية الطب في الرياض بالمستوى الأول، ونص المقال: «أشعل ناره وأوقد سراجه، برد قارس ورياح باردة، يستذكر في هذا الجو وفي تلك الخيمة الصغيرة، أعباء الدراسة تكالبت عليه، ومطالب الحياة أثقلت كاهليه، وابتسامته تملأ الوجود! هل هو الاهتمام بمصدر الرزق وهي الأغنام ومساعدة والده على رعيها؟ أم العلم وطلبه والطموح الذي ظل يسايره؟ كفاح وتفان، سنة التخرج من الثانوية قد تصرمت أيامها وقد وصل القمة في نصف السنة وعليه المحافظة عليها، لا هم له إلا أهله وأرزاقهم ودراسته والمحافظة على هذا المستوى الذي حصله، بدأت الامتحانات وأنهى التخرج بتقدير امتياز! طموحه يرمي به إلى الآفاق وظروفه تقف حاجزاً دون ذلك، يعيش في قلق إلى أن يسّر الله أمره والتحق بكلية الطب بالرياض، حيث انتقل إلى عالم آخر، أطباء وخبراء وأجهزة ومختبرات لا شيء يقف أمام الهمة العالية!
ها هو قد اجتاز السنة الأولى في دراسة الطب بمستوى رفيع، إنه مثال يحتذى به في الطموح، فمجتمعنا بحاجة ماسة إلى مثل هؤلاء الذين هممهم تحلّق في الآفاق لكي نرقى بأنفسنا إلى فضاءات المعرفة في ظل هذه الثروة المعلوماتية التي يعيشها العالم من حولنا، فمستقبلنا قائم على شبابنا يتأرجح بين علو هممهم ودنوها وكأنه لا يعرف أين سيكون مصيره، هل ستعصف به رياح الملذات؟ أم سيبقى متحديا تيارات الضياع؟ نظرة تحتاج إلى تأمل لواقعنا وما أعددناه لمستقبلنا!