| محليــات
الثوم والدخان وجهان لعالم واحد، كالخير والشر، فالأول كله فوائد والأخير كله مساوئ ولكنهما يجتمعان على الرائحة الكريهة.
لم أسمع أن الفلاسفة والأطباء والحكماء والعوام قد أجمعوا على شيء كما أجمعوا على فوائد الثوم. كما لم أسمع من أي من الفئات المذكورة انها أشادت بأي شيء مفيد في الدخان. وبالتالي يمكن أن نعد الثوم والدخان الإرهاصات الأولى لتوحيد العالم وإزالة الصراعات والتباينات بين البشر.لكثرة ما قرأت عن الثوم أفكر أن أزرعه تحت السرير بدلا من الجرجير. فالجرجير ليس له إلا وظيفة واحدة نافسته عليها الفياجرا. ثم انقض عليه شجر الزلوع اللبناني. وقد صدره لنا إخواننا اللبنانيون ليكمل الدور الذي تسهم به الثقافة اللبنانية العظيمة التي تتجسد في برنامج يا ليل يا عين الفلسفي.
لا يستطيع أحد أن يحصي فوائد الثوم، بالإضافة إلى تقوية الباءة فهو يقوي القلب ويصفي الدم وينقي الدورة الدموية ويذكي الذكاء ويزيل التبلد والتجاعيد ويخفف من الضغط والسكر والسمنة والكآبة ويدر البول. أي شيء يخطر على بالك من احتياجات الجسد تستطيع أن تدرجه في قائمة فوائد الثوم. وبنفس الدرجة ولكن من الجهة الأخرى، أي شيء يخطر على بالك مما يضر الجسد سجله في قائمة مضار الدخان. وهذا الأمر متفق عليه بين كل الشعوب حتى الأفغانيين.
علمونا في أدبيات المفاوضات إذا كان الطرفان المتفاوضان جادين في التوصل إلى حل للقضية المطروحة، فأفضل طريقة هو أن يبدآ بطرح موضوع مشترك يتفق عليه الطرفان تمام الاتفاق حتى يصبح بينهما شيء أليف وأرضية مشتركة. لذا أرى أن أفضل طريقة لحل النزاعات بين البشر ولتدريب الوفود المتصارعة حول طاولة المفاوضات على التحدث في موضوع مشترك هي أن يشجع الطرفان على مناقشة قضية الثوم أولا يتلوها قضية تتعلق بالدخان عندها ستكون المباحثات تذاكر وتبادل الدعم والتأييد وربما القبلات، بالنسبة لنا في المملكة يمكن أن نؤيد كل هذا إلا في ما يخص القبلات، فلا يمكن أن يقبل سعودي وخاصة نجدي أن يقبل أكلة الثوم.
قدر لي أن أسكن في شقة صغيرة مع أديب صيني، وقد شكلنا معا عصبة صغيرة جميلة كنا نخرج معا ونذهب للندوات والمكتبات معا ونسهر معا. ورغم كل هذا التآخي بقي بيننا حاجز لم نستطع تفاديه، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انفصالنا بالثلاث التي لا رجعة فيها. لم أصدق أن الثوم يمكن أن يؤكل بتلك الطريقة وبتلك الكمية. اتضح لي بالسكن مع ذلك الشاب الصيني أنه لا يوجد شيء يدخل فم صيني إلا مخلوطا بالثوم. كانت الشقة مكونة من غرفتين وحمام واحد يقع في داخل الغرفة التي يقطنها الصيني. عند الحاجة للحمام لا بد أن أمر من غرفته ولكن بعد ثلاثة أيام فقط من سكننا أصبحت أبحث عن حمام في أي مكان في العالم على أن يفرض علي دخول غرفة زميلي الصيني. شيء مخيف وغير معقول، ملابسه، كتبه، حاجياته كلها تعطعط بالثوم. إذا دخلت غرفته أشعر بالاختناق، تشعر أن الجدار في الأساس مليص بالثوم.. وفي الوقت الذي كنت أعاني من روائح الثوم لم أكن أعلم أنه كان يعاني أشد المعاناة من روائح الدخان التي أنفثها في كل الأنحاء.في الأخير انفجرنا فأخذنا نتبادل الاتهامات فقال لي قبل أن أرحل إلى شقة أخرى «عبد اللّه تذكر أن خياسي أفضل من خياسك». بعدها بعدة أشهر توقفت نهائيا عن الدخان ولكنني ما زلت مترددا في مسألة الثوم.
فاكس: 4702164
|
|
|
|
|