| الثقافية
* تغطية: سعيد الدحيه الزهراني:
خميسية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في ضحى اليوم العاشر من شهر رجب لعام 1422ه كانت محاضرة بعنوان/ قصيدة أبي إسحاق الالبيري إلى باديس بن حيُّوس الصنهاجي دوافعها وتأثيرها. ل د. محمد الهدلق.
استهل المحاضرة الدكتور عبدالعزيز الهادي بالترحيب بالدكتور الهدلق. وبرواد الخميسية، ثم انتقل الى تقديم محاضر الملتقى الخميسي الدكتور محمد الهدلق، ذاكراً أهم دراساته الفكرية والثقافية مشيراً إلى المناصب التي شغلها في حياته العملية، منتهياً إلى دراسته أو بحثه الذي سيقدمه في ذلك اليوم ذاكراً أنه قد سبق نشره في عدد من المجلات.
لينتقل الحديث بعد ذلك إلى الدكتور الهدلق. حيث ذكر أن هذا البحث ليس بجديد. وقد سبق نشره في عدد من المجلات. إحداها قامت بنشره في عدد واحد مرتين. ما دفعني إلى أن ألقيه على مسامعكم هو أن أحد الإخوة رواد الخميسية قام بمهاتفتي طالباً مني ذلك، وها أنذا ألقيه عليكم.
عنوان البحث كما تعرفون هو / قصيدة أبي إسحاق الالبيري إلى باديس ابن حيُّوس الصنهاجي. دوافعها وتأثيرها على أهل غرناطة.
في هذا البحث لن أتناول القصيدة من الناحية الفنية، حيث إنني قمت بكتابة هذا البحث مشاركة في مؤتمر عقد في القاهرة منذ أربع سنوات. إحياءً لذكرى مستشرق إسباني اسمه/ إميليو قارسيا قومث. وهو صاحب اهتمامات بالدراسات الإسبانية فحرصت على أن تكون مشاركتي ذات علاقة به فاخترت هذه القصيدة.
بداية سأستهل بالتعريف بالشاعر أبي إسحاق. فهو شاعر زاهد اشتهر بقصيدة قالها مخاطباً بها صنهاجة، وزعيمها باديس ابن حيوس الصنهاجي الذي حكم غرناطة وما حولها في الفترة من 429 إلى 467.
أما غرض هذه القصيدة فهو أن الالبيري نظمها لتحريض حاكم غرناطة على كاتبه ووزيره اليهودي المعروف بابن النغرلة. ذلك الذي أطلق أيدي اليهود في غرناطة وقلدهم المناصب فآذوا المسلمين وأذلوهم. أما دوافع باديس إلى استخدام اليهود فكانت سياسية قصده الأول منها أن يأمن على مركزه السياسي من التهديد أو الإطاحة، فهو لو استخدم العرب فإن هناك من سيحاول الإطاحة به وإعادة الحكم الأموي.
فقام بتولية اليهودي ابن النغرلة وزيراً له. وقد كان هذا حاذقاً في تدبير شؤون الدولة حسن المعاملة للرعية. وبعد موته قام بتعيين ابنه يوسف خلفاً لأبيه. حيث سار في أول الأمر على نهج أبيه ثم بدأ يخطط في استئثار السلطة حيث جعل باديس يوكل إليه جميع مهامه وسلطته وهيأ له جميع وسائل الترف والتنعم والراحة. حينها بدأ التذمر يدب في الشارع الغرناطي من استئثار يوسف بالسلطة. ووصل الأمر إلى أن بدأ بلقين ابن باديس بن حيوس الصنهاجي التفكير في ابعاد يوسف لكن الأخير هذا كان إلى ما أراده بلقين أسرع.. حيث انه دبر له مكيدة بأن وضع له السم في طعام أكله بلقين فمات. فحزن عليه أبوه حزناً شديداً جعله يعتزل الناس. أما ابن النغرلة فقد استغل ضعف باديس وانصرافه عن شؤون الدولة فادعى على عدد من خصومه من المسلمين ومن اليهود بأنهم الذين دبروا قتل بلقين. ففتك بهم باديس، وفي ظل هذه الأحداث زادت حدة التذمر في الشارع الغرناطي فوصل أحد اتباع ابن عباد اسمه النايه إلى بلاط باديس فقربه منهم. فأخذ النايه يحرض باديس على ابن النغرله، لكن ابن النغرله تيقن لهذا الأمر. وقد ذكر ابن بسام ان ابن النغرله كان يهدف إلى أن يفل عرش الباديسي بالصمادحي لما كان يعلمه من كلاله وقلة استقلاله. إثر خطة دبرها وأحكمها ابن النغرله. وقد عزم ساعة أن يخلو له وجه ابن صمادح بعد باديس أن يتحرس بجانبه ويلحقه بصاحبه. أما تذمر الشارع الغرناطي فقد كان في تزايد وتعاظم لما كان يقوم به ابن النغرله من تمرد على الناس وعلى عقائدهم، حيث ذكر أنه كان يهزأ من المسلمين ولا يقيم لمشاعرهم وزناً إلى درجة أنه أقسم أن ينظم جميع آيات القرآن أشعاراً يتغنى بها.
عندما اشتدت وطأة الوزير ابن النغرله على أهل غرناطة أنكر ابي إسحاق على باديس ابن حيوس اتخاذه وزيراً يهودياً. كما أنكر على أهل غرناطة انقيادهم لذلك الوزير ورغبة من ابن النغرله في إسكات أي صوت يوجه ضده طلب من باديس أن ينفي أبي اسحاق من غرناطة وأن يخرجه منها. فخرج إلى قريته المسماة ب(حصن العقاب) ومن ذلك يقول:
ألفت العُقاب حذاري العقاب
وعفت الموارد خوف الذئاب |
وفي هذا المنفى أو في غرناطة نظم أبو إسحاق الالبيري قصيدته الشهيرة التي خاطب فيها صنهاجة وزعيمها باديس وحرضه على الفتك بابن النغرله وهي:
ألا قل لصنهاجة أجمعين
بدور الزمان وأسد العرين
لقد زل سيدكم زلةً
تقر بها أعين الشامتين
تغير كاتبه كافراً
ولو شاء كان من المسلمين
معز اليهود به واتخوا
وتاهو وكانوا من الارذلين
ونالوا مناهم وجازوا المدى
فحان الهلاك وما يشعرون |
إلى أن قال:
فلا ترضى فينا بأفعالهم
فأنت رهين بما يفعلون
وراقب إلهك في حزبه
فحزب الإله هم الغالبون |
* * ü
أما تأثير هذه القصيدة فيبدوا أنها لم تصل إلى باديس لأنه كان محتجباً عن الناس. حيث كبر سنه، وهيأ له وزيره جميع الأمور التي تمكنه من الإنصراف عن الناس.
أما وإن كانت القصيدة قد وصلت إلى باديس، فهذا ما استبعده تماماً وإن وصلته حقيقة فإنها لم تؤثر فيه. لأنه لم يثبت تاريخياً أن باديس عمل شيئاً لكبح وزيره أو المتسلطين مثله.
أما صنهاجة فقد تأثرت بالقصيدة واشتهر الالبيري بها شهرة كبيرة.
كان ابن النغرله منغمساً في تدبير مؤامراته وذات ليلة جمع أعوانه ممن تآمروا معه على إتمام خطته ودخول ابن صمادح ومن ضمنهم عبد من عبيد باديس كان يضمر ولاءه لابن النغرله وهو يبطن الكراهية له وبعد أن شرب عملاء ابن النغرله ومن كان معه وأصبحوا في حالة السكر. سأل العبد عن باديس أهو مات وخرج يصرخ في الشوارع ويقول إن ابن النغرله قد قتل المظفر وإن باديس سيدخل مدينتكم الليلة فثار الناس على ابن النغرله اليهودي وطاردوه حتى ظفروا به وقتلوه. وبعدها أعمل المسلمون سيوفهم في اليهود حتى ذكر أن من قتل منهم آنذاك يقدر ب3000 يهودي.
أما تأثيرها وما أدت إليه من نتائج فإن المؤرخين الأوائل لم يذكروها كأحد الأسباب التي أدت إلى الثورة. غير أن المؤرخين المتأخرين يعدونها أحد أهم أسباب الثورة على ابن النغرله. وقد حظيت هذه القصيدة باهتمام عدد كبير من المستشرقين والدارسين العرب، حيث أشار إلى تساؤلات هؤلاء الدارسين حول تأثير القصيدة ودوافعها ونتائجها شارحاً رأيه الشخصي في تلك الدراسات مختتماً حديثه بالصلاة والسلام على رسول الله.
المداخلات لم تكن على نطاق واسع أو كما نعهدها في أعقاب الندوات والمحاضرات إلا من من عدد قليل من أساتذة الجامعات أمثال الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب الذي أشار إلى أهمية البحث ومدى عمقه وثرائه .
من جانب آخر تحدث عن العداء اليهودي للمسلمين منذ الأزمان القديمة كما ذكر أن هذه المحاولة اليهودية لإقامة دولة لهم على أرض عربية إسلامية قد تكون أولى المحاولات.
ثم جاءت مداخلة أخرى من الدكتور عبدالعزيز المانع ذكر فيها أنه وجد البحث في أحد المجلات وعندما قرأه وانتهى منه وجده مرة أخرى في نفس المجلة فقرأه للمرة الثانية مشيداً بمستوى البحث ومدى تفوقه وقوته متسائلاً عن العبد وكيفية ولائه لباديس وابن النغرله؟
وكانت المداخلة الأخرى من الأستاذ/ سعد العليان حيث تساءل عن مدى مصادقة هذه الحادثة للمقولة الشهيرة إن التاريخ يعيد نفسه في كثير من الأحيان.
أما الدكتور/ عبدالعزيز الهادي فقد جاءت مداخلته حول أن القصيدة هيجت الناس ورسمت صور الذل التي كانوا يعانونها ودفعتهم إلى الثورة، هل كانت تلك الثورة ثورة رعاع أم ثورة غيرة على الدين أم ماذا كانت؟
إجابات د. الهدلق جاءت كما يلي:
فيما يخص اقامة دولة لليهود فقد حرصت على هذا أشد الحرص وقمت بالبحث عن هذا ولم أجد ما يشير إليه نهائياً.
أما عن العبد الذي اشعل نار الثورة فهو في حقيقته موالياً لباديس ولكنه عندما أغري بالمال لم ير بداً من التحالف مع ابن النغرله. عندما أصبح في حالة سكر كاملة عاد إلى ولائه الجوهري لباديس وخرج يصرخ بالناس ويشيع فيهم خبر قتل باديس وما إليه.
ما يخص مداخلة العليان أقول بلا شك ليتنا نتعظ من التاريخ ونستفيد منه.
واختتم تعليقاته بإيجاز لعدد مما قيل متطرقاً إلى بعض النقاط بشيء عن التفصيل.
ليختتم د. الهادي الملتقى الخميسي بالشكر لسعادة د/ محمد الهدلق وكل من شارك في إنجاحها سواء بالمداخلة أو الحضور.
مشيراً إلى ملتقى الأسبوع الذي يلي تاريخ هذا الأسبوع بأنه سيكون عن مقابلة للشيخ حمد الجاسر رحمه الله. لم يسبق وأن أذيعت أو نشرت.
|
|
|
|
|