| مقـالات
خلال دراستي في الولايات المتحدة ازدادت قناعتي بأن الشعب الأمريكي يتميز بجهل مركب بالسياسة الدولية بشكل عام، وسياسة بلاده الخارجية بشكل خاص. فهو لا يرى العالم إلا بعين واحدة، وهذه العين لا تقع إلا على ماله علاقة باهتماماته المحلية، والدولار وعطلة نهاية الأسبوع يأتيان في سلم أولوياته، وعندما تتحدث مع كثير من أفراده عن القضايا الدولية يردد بكبرياء وغرور واضحين: (فليذهب العالم إلى الجحيم Let the world Go to Hell ). وعند بدايات الغزو العراقي للكويت كنا نتحدث مع الطلبة الأمريكيين في الجامعة (في بدايات الحدث) عن موقع الكويت على خارطة العالم فلا يجيب عن التساؤل الجغرافي إلاّ قلة منهم!!
وسائل الإعلام الامريكية تتحمل جزءاً كبيراً من تضليل الشعب الأمريكي وتسطيح ثقافته أحياناً. أو تشويه الحقائق عن العالم من حولهم في كل الأحيان.
إعلام الولايات المتحدة في جملته إعلام موجه ومتصهين على الرغم من تركة جون ميلستون وميراث جون سيتوارت ميل وغيرهما ممن أسس لحرية الرأي والتعبير وصدق الخبر والمعلومة كحق من الحقوق المدنية للمواطن الذي يعيش في البيئات الديمقراطية.
في الهجمات الأخيرة على نيويورك وواشنطن تجلت حقيقتان هامتان:
أولاهما: الضخ المتعمد للمصطلحات وتكريس ارتباطها وعلاقتها بشعوب وأديان معينة، وفي طليعة ذلك مصطلح «الإرهاب» الذي أصبح رديفاً للإسلام وصفة من صفات المسلمين.
ولا تزال تردد هذا المصطلح آلة الإعلام الأمريكية ومن خلفها وسائل الاعلام العالمية، وهو ضرب من التشويه المتعمد للحقائق، ضحيته المواطن الذي لا يرى العالم إلا بعين واحدة.
والحقيقة الثانية، وهي الأهم، تغييب الشعب الأمريكي عن جوهر القضية.
فوسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن ردود فعل الولايات المتحدة تجاه ما حدث في واشنطن ونيويورك، وتمارس عملية تعبئة الرأي العام تجاه نتيجة الحدث الذي غيب الشعب عن أسبابه.
الشعب الأمريكي دافع ضرائب، والسلطة التنفيذية مختارة من الشعب، وأفرادها أقسموا على تحقيق المصالح العليا للدولة الداخلية والخارجية فلماذا لا يشارك الشعب إلاّ في التعبئة المعنوية للحرب؟
أوليس من حقه أن يحاكم من يتسبب في ضرب المصالح الأمريكية داخل الدولة أو خارجها؟!
أوليس من حقه أن يفتح ملفات البحث والتحقيق فيما تسبب سياسة بلاده الخارجية من تبعات يدفع ضريبتها المواطن في المقام الأول؟
أوليس من حق هذا المواطن أن يرفض كل التكتلات وجماعات الضغط التي تمارسها فئات متنفذة في الكونجرس، وفي السلطة التنفيذية، وفي وسائل الإعلام لتوجيه السياسة الداخلية أو الخارجية وجهة تخدم أهدافاً محددة، كدعم الدولة اليهودية مثلاً؟!
إن الأمريكي كمواطن أولاً، وناخب ثانياً، ودافع ضرائب ثالثاً من حقه أن يقف على الحقيقة، وألا يغيب عن الواقع حتى لا يكون مثل (الكمبارس) في مسرحية أبطالها عمالقة!!
* أستاذ الإعلام السياسي المشارك جامعة الإمام
|
|
|
|
|